يبدو أن ما قيل عن حكومة وطنية سورية يكون للمعارضة فيها الثلث الأقوى، أو حتى عن مرحلة انتقالية تقودها حكومة المعارضة، تُنزع خلالها صلاحيات رئيس النظام السوري بشار الأسد تدريجياً، قد ذهب أدراج رياح روسيا التي تهبّ هذه الآونة، ويحسن الأسد الابن اغتنامها، في واقع نأي النفس الأميركي والتذرّع بالقيادة من الخلف والانشغال بالانتخابات الرئاسية، وفي ظل تراجع دور من كانوا يسمون أصدقاء الشعب السوري، للحد الذي دفع الأوروبيين إلى مشاركة حلفاء الأسد في معارك حلب الجنوبية، وتراجع دعم السوريين، حتى بحمايتهم من الموت تحت الأنقاض خلال الشهر الفضيل، أو بلقمة يسدون بها جوعهم، بعد صوم 15 ساعة في شهر رمضان.
إذ تُمرر تباعاً مخططات الأسد، التي سخر منها الجميع وقتما طرحها، فمن انتخابات رئاسية عام 2014 فبْرَك خلالها النسبة التي يشاء، بواقع نزوح وهجرة نصف سكان سورية، إلى انتخابات برلمانية عارضتها حتى روسيا، قبل أن يباركها الجميع أخيراً، بعد طعم ديمقراطي سخيف بوضع سيدة رئيسة لمجلس الشعب، وصولاً للحكومة التي سيعلن، ربما اليوم أو غداً، عن اسم من سيشكلها، بعد أن خطب الأسد الأسبوع الماضي في البرلمانيين الجدد، ووزّع أسباب الكارثة السورية على السعودية وتركيا، وحاول تسويق أوهامه عبر كلام أشبه بخطاب المنتصر.
قصارى القول: ربما من تضييع وقت القارئ البحث في، هل سيمرر الأسد هذا الاستحقاق الذي ربما ستكلل من خلاله شرعيته وإعادة إنتاجه، لأن المؤشرات تدلل، ليس على تمريره فحسب، بل وربما مباركته حتى ممن قال للأسد ومنذ إراقة أول دم بدرعا في آذار 2011، ارحل.
ما يجعل البحث في من سيشكل الحكومة وما الذي يمكنه عمله، أكثر جدوى رغم الوجع السوري ووصول القيح إلى الحنجرة.
حتى الآن، رشحت، أو بصيغة سورية أدق تم تسريب، بعض الأسماء لتشكيل حكومة الأسد، من أبرزها وزير الكهرباء في حكومة تصريف الأعمال الحالية، عماد خميس، ورئيس اتحاد غرف الصناعة، فارس الشهابي.
ورغم ما قد يذهب إليه بعض المحللين من ترجيح خميس، لما يحمل من عبودية للأسد، فضلاً عن دور الكهرباء والطاقة في تثقيل كعكة الاستثمار في مرحلة إعادة الإعمار، بل وحتى رضى الإيرانيين عنه وعليه، إلا أن أسهم شهابي تبدو الأكثر تأثيراً والأوفر حظاً، لطالما تبدّى دعم الروس له علانية، بعد أن سوقته وكالة "سبوتنيك" الروسية قبل أيام، على أنه المرشح الأكبر لحكومة الأسد العتيدة.
المراقب لأداء الشهابي، الذي يحمل الجنسية الأميركية، ومنذ مطلع الثورة، ربما لا يستبعد أن يشغل هذا الشاب الحلبي منصب رئيس حكومة، إذ تم تكليفه بمهام لفظية، كان أهمها الإساءة لتركيا، وهو أول من اتهم الرئيس التركي أردوغان باللصوصية ودعا إلى محاكمته دولياً، وهو من قاد حملات تشويه العلاقات والإساءة لبعض الدول الخليجية، فضلاً عن دفعه وبجميع الوفود الاقتصادية التي ساهمت في خرق العقوبات ومد الأسد بأسباب البقاء.
وفارس الشهابي المنحدر من حلب، عاصمة سورية الاقتصادية، هو من اقترح وأشرف على نقل المنشآت والمعامل من حلب إلى مدن الساحل السوري التي ينحدر منها الأسد، بل وتم تكليفه بتسليح شبيحة حلب من آل بري وسواهم، قبل أن يدعو، عبر وسائل الإعلام، كما دعا بعده ابن حلب الآخر، المفتي أحمد حسون، إلى إبادة حلب بمن فيها وتحويل أرضها مزارع بطاطا.
وأكثر من ذلك، تم غير مرة، عبر وسائل إعلامية ممولة من الأسد، تسويق الشهابي عبر انتقاده حكومة وائل الحلقي، قبل أن يحصد شخصية العام الاقتصادية، خلال استطلاعات رأي تشبه بالطريقة والأهداف، انتخابات بشار الأسد الرئاسية.
نهاية القول: سواء تم تكليف فارس الشهابي، أو سواه ممن رشحت أسماؤهم أو من لم يعلن عن دوره بالوقوف إلى جانب القتل والفساد، ربما السؤال يكمن فيما يمكن لحكومة أسدية فعله، بواقع ما تعانيه البلاد من خراب نافت تكاليفه 250 مليار دولار، ومن مؤشرات اقتصادية هي الأسوأ في التاريخ الحديث، إن على صعيد التضخم النقدي أو البطالة والفقر وتراجع نسبة النمو.
بيد أن هذا السؤال وعلى وجاهته، اقتصادياً وعلمياً، قد يراه البعض، وربما كل الحق معهم، أنه سؤال سخيف، ببساطة لأن دور الحكومة ورئيس النظام، بعيد كل البعد عن أي أهداف تنموية واقتصادية أو وطنية، بل هو دور وظيفي محدد، ينتهي بانتهاء تنفيذ آخر فصول المؤامرة، وتسليم سورية مجزأة للأقدار والطامعين، في طهران وموسكو وتل أبيب.