وهناك دول ستقتحم هذا العالم قريبا، منها الجزائر، الدولة النفطية الكبيرة، التي قررت اقتراض 25 مليار دولار من السوق المحلية أولا، وهو ما أدى لحدوث مشكلة سيولة حادة بالبلاد خلال الفترة الأخيرة، على أن تتجه للاقتراض الخارجي لاحقاً.
حتى دول الخليج قررت الاقتراض من المؤسسات الأجنبية لسد العجز الكبير في الموازنات العامة الذي تسبب فيه انهيار أسعار النفط، فالسعودية ستقترض 10 مليارات دولار من بنوك أجنبية، علما بأن هذه هي المرة الأولى التي تقترض فيها المملكة من الخارج منذ 15 عاما.
وفي وقت سابق دعت حكومة قطر بنوكاً عالمية للمشاركة في قرض بقيمة 5.5 مليارات دولار، لمساعدتها في تغطية عجز متوقع في موازنة العام الجاري 2016 بقيمة 12.7 مليار دولار.
ونهاية العام الماضي، قال وزير المالية الكويتي، أنس الصالح، إن بلاده تدرس الاقتراض من الخارج من بين خيارات عدة لتمويل عجز الموازنة، كذلك فعلت البحرين والإمارات وسلطنة عمان.
وحسب الأرقام الصادرة اليوم الخميس، فإن قروض دول الخليج التي تمت عبر إصدارات أدوات الدين السيادية بلغت 16.5 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري 2016، أي أن هذه الدول اقترضت هذا المبلغ خلال 3 أشهر فقط.
ببساطة نلحظ أن معظم الدول العربية تتفاوض للحصول على قروض سواء من البنوك العالمية الكبرى، أو المؤسسات المالية، وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسة التمويل الدولية، وغيرها من الصناديق العربية والدولية.
لكن يجب التفرقة هنا بين أمرين، بين دول تقترض وهي تمتلك احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي في الخارج ولا تريد تسييلها وبيعها حاليا لأنها تحقق لها عوائد تفوق كلفة الأموال التي تقترضها.
وهذا هو حال دول الخليج التي تقترض ليس بسبب نقص النقد الأجنبي، ولكن للحصول على سيولة تمكّنها من تغطية عجز موازناتها.
وهناك فارق بين دول تقترض وهي تعاني أصلاً من أزمة حادة في إيرادات النقد الأجنبي، ولذا تقترض لكي تمول وارداتها الخارجية من مأكل ومشرب وتسديد ديونها الخارجية وتغطي العجز في الموازنات العامة، وهذا هو حال باقي الدول الأخرى، وهنا تكمن الخطورة، لأن هذه الدول تخضع في الغالب لعملية ابتزاز من المؤسسات الدولية.
ولذا رأينا أخيراً أن اقتراض الدول الأخيرة يصاحبه غالباً فرض شروط مجحفة من الدائنين الدوليين قد تمس أحياناً السيادة الوطنية، وأبرز مثال صارخ على ذلك ما حدث مع العراق الذي خضع أخيرا لشروط إذعان قاسية فرضها عليه صندوق النقد الدولي مقابل إقراضه 5.4 مليارات دولار.
من بين هذه الشروط رقابة صندوق النقد على الموازنة العامة للعراق، وتحديد الصندوق أولويات الإنفاق الحكومي، وربط منح القرض بسداد العراق مستحقات الأجانب بما فيها شركات النفط العالمية، وكذا سداد المتأخرات المستحقة على الحكومة المركزية ببغداد لإقليم كردستان العراق.
كذلك الحال يتكرر مع مصر، فالبنك الدولي يربط موافقته على منح البلاد قروضا بقيمة 3 مليارات دولار بتنفيذ الحكومة شروطا صعبة، منها زيادة الضرائب، وتطبيق قانون القيمة المضافة، وإقرار قانون الخدمة المدنية الذي قيل إنه سيتم من خلاله خفض بند الأجور والاستغناء عن ملايين الموظفين، وخفض الدعم المقدم للخدمات الرئيسية، كالوقود والكهرباء والمياه، وتحرير سعر الطاقة، أي ترك الأسعار للعرض والطلب.
حال تونس ليس أفضل كثيراً، فصندوق النقد الدولي وافق على منح البلاد قرضا بقيمة 2.8 مليار دولار مقابل التزامها بتطبيق شروط قاسية، كما لجأت تونس للأسواق العالمية لإصدار سندات بقيمة مليار يورو سعيا لتغطية جزء من عجز موازنتها.
وقبل أيام قال البنك الدولي إنه وافق على استراتيجية لإقراض تونس 5 مليارات دولار، خلال السنوات الخمس المقبلة، لدعم الإصلاحات الاقتصادية وإنعاش النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للشبان، والملفت أن القرض جاء مشروطاً بما سمّاه البنك بحسن التصرف من قبل الحكومة التونسية.
الغريب أن البعض يخرج علينا من حين لآخر ويتساءل: وهل هناك بديل آخر أمام هذه الدول غير الاقتراض الخارجي، بل و"يتبجح" حينما يقول إن القروض الخارجية تعد شهادة ثقة بالبلد المقترض حيث تساعده في رفع تصنيفه الائتماني.