أعلن المجلس القومي للصيدلة والسموم السوداني عن جملة ضوابط جديدة للحد من استغلال النقد الأجنبي المخصص لاستيراد الأدوية، وذلك لعدم تكرار عملية الاحتيال التي تمت أخيراً باستغلال "34" شركة لنحو "25" مليون دولار من الأموال المخصصة لاستيراد الأدوية.
ويعاني السودان من أزمة حادة في النقد الأجنبي، تفاقمت حدتها خلال السنوات الخمس الفائتة التي أعقبت انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة في 2011م، وانسحاب إيرادات النفط جنوباً والتي كانت تشكل 74% من خزينة الدولة.
وارتفعت أسعار العملات الصعبة مقابل الجنيه السوداني لأرقام قياسية، إذ تخطى سعر الدولار في السوق الموازي بتاريخ اليوم الأحد إلى حاجز الـ"14" جنيهاً، بينما تخطى في السوق الرسمي حاجز الستة جنيهات.
وبدأ البرلمان السوداني أخيرا في التقصي حول عملية احتيال كبيرة مارستها شركات سودانية وهمية للاستفادة من نسبة الـ"10%" من النقد الأجنبي بالسعر الرسمي الذي خصصه بنك السودان منذ ثلاثة أعوام لعمليات استيراد الأدوية من المبالغ الخاصة بالصادر.
وأكد الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم د. محمد الحسن إمام اكتشاف نحو "34" شركة غير عاملة في مجال الدواء تعمل على استغلال المبالغ التي يخصصها بنك السودان من النقد الأجنبي لاستيراد الدواء عبر تزوير بعضها مستندات صادرة عن المجلس والدفع بها للمصارف للحصول على الاستثناء، وتستغل المبالغ في استيراد أشياء لا علاقة لها بالدواء.
وأشار إمام إلى متابعة تلك الشركات من قبل الأمن الاقتصادي وبنك السودان والقبض على عدد كبير منهم وفتح بلاغات جنائية ضدهم.
وذكر أن المبالغ التي استولو عليها وفقاً لبنك السودان تبلغ "104" ملايين درهم إماراتي؛ أي نحو "25" مليون دولار.
وأشار إمام إلى عزم البنك استعادة تلك المبالغ كاملة، كاشفاً عن ضوابط جدية اتخذها المجلس لإغلاق الباب تماماً أمام تكرار الحادثة أو ارتكاب أية تجاوزات في ذلك الجانب.
وأشار إمام إلى نجاعة الإجراءات التي لن تسمح لأية شركة باستغلال النقد المخصص للأدوية في أشياء أخرى، مؤكداً في الوقت ذاته عزم المجلس على مراجعة كافة شركات الأدوية.
واستدعت لجنة العمل في البرلمان محافظ بنك السودان والإدارات المختصة بالبنك، في إطار عمليات التقصي، إلى جانب الجهات المختصة بعملية الدواء.
وقال رئيس لجنة العمل في البرلمان الشريف عمر بدر لـ"العربي الجديد" إن بنك السودان أبلغهم عن فتح بلاغات في مواجهة 4 شركات والتحري عن الثلاثين الأخرى.
وأشار بدر إلى أنه تم اكتشاف وجود شركات مسجلة كشركات أدوية لكنها لا تعمل في المجال وأن هدفها فقط الاستفادة من النقد الأجنبي الخاص بالدواء، لا سيما أن الفرق بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازي يصل لنحو الضعفين.
واعتبر بدر أن العملية في حد ذاتها أمر خطير واستغلال سيئ لأموال الشعب ودافعي الضرائب، ما يستوجب المحاسبة واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لحماية الاقتصاد السوداني من المستقلين.
ويرى اقتصاديون أن العملية برمتها تكشف الخلل في السياسية النقدية للبلاد باعتبارها تفتح الباب نحو تلك الفوضى.
ويقول المحلل الاقتصادي عمر حسام الدين إن العملية تعكس بجلاء تقلب السياسة النقدية وعدم وضوحها، فضلاً عن غياب الانضباط، سواء في بنك السودان أو الأجهزة الاقتصادية المختلفة، معتبراً أن ما تم بمثابة فساد يعكس غياب المتابعة اللصيقة، قاطعاً بتأثيراتها السلبية على الاقتصاد السوداني ككل.