ينشط المضاربون في اليمن خلال المناسبات ومنها عيد الأضحى، لالتهام تحويلات المغتربين، عبر تخفيض أسعار الدولار أمام الريال ليعيدوا بيعه عقب الموسم بأسعار أعلى.
وتراجع سعر الدولار في السوق السوداء بالعاصمة اليمنية صنعاء وبقية المدن الرئيسية بصورة مفاجئة وبشكل مفتعل، بدءاً من نهاية الأسبوع الماضي، إلى نحو 293 ريالا مقارنة بنحو 318 ريالا في أغسطس/ آب الماضي، في حين بلغ سعره الرسمي في البنك المركزي 250 ريالا فقط.
وفي هذا السياق، توقع الخبير المصرفي فهد غالب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، تراجع سعر الريال مقابل الدولار إلى أقل من 270 ريالا، مع اقتراب مناسبة عيد الأضحى وانتعاش المضاربين في السوق السوداء من أجل استغلال الموسم لتحقيق أرباح كبيرة.
وقال غالب: "إن تراجع سعر الدولار وبقية العملات الأجنبية أمام الريال المحلي لا يعكس تحسناً في الاقتصاد أو سعر الصرف ولا يعبّر عن تعافي العملة المحلية، وما يحدث هو عملية سرقة من العصابات المسيطرة على سوق العملات لنهب تحويلات المغتربين، حيث يتم شراء الدولار بسعر منخفض هذا الموسم ثم يتم بيعه بأسعار أعلى بعد العيد".
وأضاف غالب: "قبيل عيد الأضحى نرى تراجع سعر الدولار والعملات الأجنبية بغرض نهب حوالات المغتربين لأهاليهم والتي تزداد في المناسبات، ولنهب ما تبقى لدى الناس من مدخرات بالعملة الأجنبية والتي يضطرون لبيعها من أجل تغطية مصاريف العيد".
وأشار غالب إلى أن تراجع العملات الأجنبية أمام الريال لن يستمر سوى لأسبوعين وبعد ذلك سيعود الدولار لوضعه الطبيعي.
وبلغت تحويلات المغتربين اليمنيين الرسمية 3.3 مليارات دولار خلال عام 2014، أي ما يعادل 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي و40.6% من الصادرات و30.3% من الواردات، بحسب البنك المركزي اليمني.
معاناة المواطنين
وأوضح الطالب الجامعي، محمد أحمد، لـ"العربي الجديد"، أنه استلم في رمضان حوالة مالية بالدولار من أخيه المغترب في السعودية، وكان سعر صرف الدولار حينها عند حاجز 300 ريال للدولار.
وبينما كان يتوقع أن يرتفع سعر الصرف أكثر، حدث تراجع مفاجئ قبيل أيام من عيد الفطر واضطر لصرف الحوالة من أجل تغطية نفقات العيد.
وأكد خبراء مصرفيون أن قرار البنك تسليم الحوالات بالعملة المحلية، أدى إلى انخفاض الحوالات الواردة ودفع الكثيرين من المغتربين للبحث عن طرق غير رسمية لإرسال حوالاتهم إلى اليمن عبر ما يسمى بوكلاء المغتربين، نظرا لأن الحوالات الواردة يجري صرفها بالسعر الرسمي، وبذلك تقلص حجم التحويلات المالية الواردة عبر شركات الصرافة الرسمية.
وقال الخبراء حينها، إن البنوك هي المستفيد من تسليم حوالات المغتربين بالريال اليمني، وبالسعر الرسمي، مشيرين إلى أن هناك ظلم كبير تتعرض له أسر المغتربين من حيث عدم احتساب فرق السعر (الفجوة بين السعر الموازي والسعر الرسمي).
وتراجع البنك عن قراره في 21 مارس/ آذار 2016، وقرر توجيه البنوك وشركات الصرافة بتسليم الحوالات من الخارج بعملة الحوالة أو بالريال اليمني بحسب رغبة المستفيد.
وتبلغ نسبة المغتربين والعاملين اليمنيين في الخارج نحو 4.9% من إجمالي عدد السكان. وقدّر "التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت"، في إحصائية رسمية سابقة، عدد المغتربين والعاملين اليمنيين بحوالي 1.8 مليون شخص، يتركّز معظمهم في السعودية والإمارات والولايات المتحدة والأردن وبريطانيا، إلا أن هذا العدد زاد بشكل كبير في الفترة الأخيرة، حسب دراسات غير رسمية.
واحتل اليمن عام 2010 المرتبة الخامسة بين الدول الأقل نمواً لجهة التحويلات المالية الخارجية، والمرتبة السابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يعكس أهمية الدور الذي تلعبه التحويلات المالية الخارجية في توفير مصادر دخل لعائلات المغتربين، وكذلك أثرها في الاقتصاد اليمني من خلال توفير النقد الأجنبي وزيادة إيرادات الدولة ومساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأظهرت دراسة رسمية، صدرت أخيرا، أن إجمالي المساعدات التنموية الخارجية بلغ بين عامي 2002 و2012 نحو 5.072 مليارات دولار، في مقابل 18.680 مليار دولار تحويلات المغتربين، ما يؤكد أهمية التحويلات كمصدر رئيس للتدفقات المالية إلى اليمن.
وتوجه التحويلات المالية لتغطية نفقات الزواج أو تسديد ديون سابقة تراكمت على المغترب أو العامل أو أسرته، بما في ذلك تسديد تكاليف السفر للعمل في الخارج، بحسب الدراسة.
وتوضح الدراسة أن "تلك التحويلات تمثّل مصدراً مهماً لدخل الفقراء وغير الفقراء في الريف والحضر على حد سواء، ويحصل أكثر من ربع الفقراء على تحويلات من خارج البلد، ويتوزّعون على 22% من فقراء المناطق الحضرية و29% من فقراء الريف".
ويبلغ السعر الرسمي للصرف 250 ريالا للدولار الواحد، لكن لا يتم تداوله بهذا السعر، وعجز البنك المركزي عن السيطرة على سوق الصرف واعتماد التداول بالسعر الرسمي.
وقال وكيل البنك المركزي لقطاع الرقابة على البنوك، نبيل المنتصر، إن الوضع الحالي الذي تمر به اليمن جعل المنافسة غير عادلة، إذ لم تعد المنافسة قائمة بين البنوك والصرافين.
وأوضح المنتصر، في تصريحات سابقة، أن شركات الصرافة باتت هي المتحكمة في العرض النقدي، ما أدى لخلل كانت من نتائجه المضاربة على العملة الأجنبية والمحلية والتشتت في الأسعار ونمو الاحتكار والعشوائية في التحويلات.
ويعاني اليمن أزمة خانقة في السيولة المصرفية منذ ثلاثة أشهر، أدت إلى تفاقم معاناة الناس وصعوبة في توفير رواتب الموظفين.
ودفعت أزمة السيولة البنك المركزي إلى إعادة قرابة 100 مليار ريال يمني من النقود التالفة للتداول في السوق، معظمها من الأوراق النقدية فئة 100 ريال و250 ريالا، بالإضافة إلى صرف الرواتب بنقود تالفة.
وأفضت الحرب الدائرة في اليمن منذ مارس 2015، إلى توقف الإيرادات النفطية والرسوم الجمركية والضريبية، ما وضع المالية العامة والقطاع الحكومي للدولة الفقيرة أصلا، على حافة الانهيار.
وتتهم الحكومة الشرعية جماعة الحوثيين بخرق الاتفاق بشأن استقلالية البنك المركزي وتحييد المؤسسات المالية، واستنزاف الاحتياطي النقدي الخارجي لتمويل حروبهم.