شغلت أسعار الثوم، البطاطا والموز الشارع الجزائري، ودفعت الحكومة إلى التدخل من أجل كبح انفلات المضاربين، في وقت لا يزال المواطن يتساءل عن مصير قدرته الشرائية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
ففي ظرف زمني وجيز تحولت ثلاثية "الثوم، البطاطا والموز" إلى قضية رأي عام وتصدرت عناوين الصحف المحلية، بعدما تضاعفت أسعارها في الأسواق، وأصبحت كابوساً يلاحق جيوب الجزائريين.
إذ بلغ سعر الثوم، يوم السبت الماضي، 1800 دينار للكيلوغرام الواحد (16 دولاراً)، بعدما كان سعره لا يتعدى 600 دينار (5.45 دولارات).
ورمى رئيس الجمعية الجزائرية لوكلاء سوق الجملة، محمد مجبر، مسؤولية ارتفاع أسعار الثوم في أسواق التجزئة والجملة على المضاربين، وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "عند بداية الموسم كان العرض فائضاً ويكفي حاجيات المستهلك، قبل لجوء المضاربين إلى تخزين الفائض في السوق عند بداية الموسم".
وحسب مجبر "يقوم هؤلاء المضاربين بإخراج كميات قليلة من المخزونات إلى السوق بعدما يجف داخل المحال. وهو ما يدفع الدولة الجزائرية في كل موسم إلى التدخل وإغراق الأسواق بالثوم المستورد من الصين وإسبانيا الذي يغطي من 45% إلى 50% من الطلب الداخلي".
مادة أخرى تعتبر مكوناً أساسياً في "النظام الغذائي" للجزائريين لم تتوقف أسعارها عن الصعود، وهي البطاطا. إذ ارتفعت أسعار هذا المنتج من 50 ديناراً (0.45 دولار) للكيلوغرام إلى 100 دينار (0.90 دولار).
ولمكافحة المضاربة، استعانت وزارتا الزراعة والتجارة بقوات الدرك الوطني التي شنت حملة تفتيش في إقليم محافظة "عين الدفلى" (أكبر المحافظات إنتاجاً للبطاطا)، أسفرت عن حجز أكثر من 21 ألف طن من البطاطا نهاية الأسبوع الماضي. وهي كمية تكفي لتغطية الطلب في الشمال الجزائري لمدة أسبوعين.
وحسب الخبير الزراعي عيسى منصور، فإن "المضاربين ينتهزون فترات نهاية الجني في بعض المناطق وقبل دخول منتجات المناطق الأخرى مرحلة الحصاد، ليقوموا بشراء كل الكميات المطروحة لدى المنتجين وتخزينها في غرف التبريد. وعندما ينفد المنتج الطازج من السوق، تتم حينها المضاربة والتحكم في السوق والسعر".
وأضاف منصور في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في سنوات سابقة كان المُنتِج هو الذي يقوم بتسليم بضاعته مباشرة إلى الأسواق، ما يحد من استغلال المضاربين، ويكون تموين السوق منتظماً والأسعار مستقرة. ولكن مع دخول المضاربين تنتكس هذه الدورة".
ولفت الخبير الزراعي إلى أن "اختلال السوق وارتفاع الأسعار يمس كامل أرجاء الوطن، ولم تسلم من هذه الظاهرة حتى المناطق المنتجة للسلع، التي من المفروض أن يكون فيها السعر أقل منه في المناطق المستهلكة. هذا دليل على أن شبكة المضاربين منسوجة بإحكام وتفرض قبضتها على كل الأسواق".
ورأى منصور أن "الحكومة الجزائرية عجزت عن ضبط السوق والعمل على استقرار سعر هذه المنتجات الأساسية، حيث وبالرغم من استحداث وزارة الزراعة سنة 2008 نظام ضبط المواد الزراعية ذات الاستهلاك الواسع، إلا أنه عجز عن تحقيق أهدافه وزاد من حدة هيمنة المضاربين على السوق وظهور أباطرة غرف التبريد".
الموز بدوره تحول من فاكهة الطبقة الوسطى، إلى فاكهة "الملوك" بعدما تضاعف سعره 400%، ليصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 900 دينار (8.18 دولارات)، ما دفع وزارة التجارة للتدخل والحد من المضاربة عن طريق طرح دفتر شروط جديد نهاية الأسبوع الماضي. الأخير ينظم نشاط استيراد الموز من "الإكوادور" الممون الأول للجزائر، وقد تم اعتماد 10 مستوردين لسنة 2017 عوض 80 مستورداً السنة الماضية.
ووفق دفتر الشروط الجديد، فإن مستوردي الموز ملزمون بإقامة استثمارات في مجال إنتاج وتعبئة الفواكه مع إثبات خبرة مهنية لا تقل عن خمس سنوات في ممارسة هذا النشاط. وكذا، امتلاك المستورد غرفاً للتخزين والتبريد، كما يتعين أيضاً على المتعامل اقتناء المنتج من مصدره بصفة منتظمة ومباشرة دون وسيط.
وقال الخبير الاقتصادي في جمعية المصدرين الجزائريين إسماعيل لالماس، إن "الدفتر الجديد لن يكون الحل المُنتظر بل سيزيد الطين بلة، لأنه سيكرس الاحتكار، من خلال فرضه على المستوردين امتلاك غرف تخزين وشاحنات نقل وغيرها، وهي شروط لا يمتلكها جميع المستوردين".
وأضاف لالماس لـ"العربي الجديد"، أن "مستوردي الفواكه والموز أبلغوا وزارة التجارة رفضهم لهذا الدفتر وطالبوا الوزارة بتكريس الشفافية، إما عبر تحرير الاستيراد أو تجميده وتحويل هؤلاء المستوردين نحو نشاطٍ مختلف".
وختم الخبير الجزائري قائلا إن "الحكومة الجزائرية تدري أين يكمن المشكل وتعرف المتسببين في هذه المضاربة، لكنها لا تريد معالجة الأسباب بل معالجة النتائج".
اقــرأ أيضاً
ففي ظرف زمني وجيز تحولت ثلاثية "الثوم، البطاطا والموز" إلى قضية رأي عام وتصدرت عناوين الصحف المحلية، بعدما تضاعفت أسعارها في الأسواق، وأصبحت كابوساً يلاحق جيوب الجزائريين.
إذ بلغ سعر الثوم، يوم السبت الماضي، 1800 دينار للكيلوغرام الواحد (16 دولاراً)، بعدما كان سعره لا يتعدى 600 دينار (5.45 دولارات).
ورمى رئيس الجمعية الجزائرية لوكلاء سوق الجملة، محمد مجبر، مسؤولية ارتفاع أسعار الثوم في أسواق التجزئة والجملة على المضاربين، وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "عند بداية الموسم كان العرض فائضاً ويكفي حاجيات المستهلك، قبل لجوء المضاربين إلى تخزين الفائض في السوق عند بداية الموسم".
وحسب مجبر "يقوم هؤلاء المضاربين بإخراج كميات قليلة من المخزونات إلى السوق بعدما يجف داخل المحال. وهو ما يدفع الدولة الجزائرية في كل موسم إلى التدخل وإغراق الأسواق بالثوم المستورد من الصين وإسبانيا الذي يغطي من 45% إلى 50% من الطلب الداخلي".
مادة أخرى تعتبر مكوناً أساسياً في "النظام الغذائي" للجزائريين لم تتوقف أسعارها عن الصعود، وهي البطاطا. إذ ارتفعت أسعار هذا المنتج من 50 ديناراً (0.45 دولار) للكيلوغرام إلى 100 دينار (0.90 دولار).
ولمكافحة المضاربة، استعانت وزارتا الزراعة والتجارة بقوات الدرك الوطني التي شنت حملة تفتيش في إقليم محافظة "عين الدفلى" (أكبر المحافظات إنتاجاً للبطاطا)، أسفرت عن حجز أكثر من 21 ألف طن من البطاطا نهاية الأسبوع الماضي. وهي كمية تكفي لتغطية الطلب في الشمال الجزائري لمدة أسبوعين.
وحسب الخبير الزراعي عيسى منصور، فإن "المضاربين ينتهزون فترات نهاية الجني في بعض المناطق وقبل دخول منتجات المناطق الأخرى مرحلة الحصاد، ليقوموا بشراء كل الكميات المطروحة لدى المنتجين وتخزينها في غرف التبريد. وعندما ينفد المنتج الطازج من السوق، تتم حينها المضاربة والتحكم في السوق والسعر".
وأضاف منصور في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في سنوات سابقة كان المُنتِج هو الذي يقوم بتسليم بضاعته مباشرة إلى الأسواق، ما يحد من استغلال المضاربين، ويكون تموين السوق منتظماً والأسعار مستقرة. ولكن مع دخول المضاربين تنتكس هذه الدورة".
ولفت الخبير الزراعي إلى أن "اختلال السوق وارتفاع الأسعار يمس كامل أرجاء الوطن، ولم تسلم من هذه الظاهرة حتى المناطق المنتجة للسلع، التي من المفروض أن يكون فيها السعر أقل منه في المناطق المستهلكة. هذا دليل على أن شبكة المضاربين منسوجة بإحكام وتفرض قبضتها على كل الأسواق".
ورأى منصور أن "الحكومة الجزائرية عجزت عن ضبط السوق والعمل على استقرار سعر هذه المنتجات الأساسية، حيث وبالرغم من استحداث وزارة الزراعة سنة 2008 نظام ضبط المواد الزراعية ذات الاستهلاك الواسع، إلا أنه عجز عن تحقيق أهدافه وزاد من حدة هيمنة المضاربين على السوق وظهور أباطرة غرف التبريد".
الموز بدوره تحول من فاكهة الطبقة الوسطى، إلى فاكهة "الملوك" بعدما تضاعف سعره 400%، ليصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 900 دينار (8.18 دولارات)، ما دفع وزارة التجارة للتدخل والحد من المضاربة عن طريق طرح دفتر شروط جديد نهاية الأسبوع الماضي. الأخير ينظم نشاط استيراد الموز من "الإكوادور" الممون الأول للجزائر، وقد تم اعتماد 10 مستوردين لسنة 2017 عوض 80 مستورداً السنة الماضية.
ووفق دفتر الشروط الجديد، فإن مستوردي الموز ملزمون بإقامة استثمارات في مجال إنتاج وتعبئة الفواكه مع إثبات خبرة مهنية لا تقل عن خمس سنوات في ممارسة هذا النشاط. وكذا، امتلاك المستورد غرفاً للتخزين والتبريد، كما يتعين أيضاً على المتعامل اقتناء المنتج من مصدره بصفة منتظمة ومباشرة دون وسيط.
وقال الخبير الاقتصادي في جمعية المصدرين الجزائريين إسماعيل لالماس، إن "الدفتر الجديد لن يكون الحل المُنتظر بل سيزيد الطين بلة، لأنه سيكرس الاحتكار، من خلال فرضه على المستوردين امتلاك غرف تخزين وشاحنات نقل وغيرها، وهي شروط لا يمتلكها جميع المستوردين".
وأضاف لالماس لـ"العربي الجديد"، أن "مستوردي الفواكه والموز أبلغوا وزارة التجارة رفضهم لهذا الدفتر وطالبوا الوزارة بتكريس الشفافية، إما عبر تحرير الاستيراد أو تجميده وتحويل هؤلاء المستوردين نحو نشاطٍ مختلف".
وختم الخبير الجزائري قائلا إن "الحكومة الجزائرية تدري أين يكمن المشكل وتعرف المتسببين في هذه المضاربة، لكنها لا تريد معالجة الأسباب بل معالجة النتائج".