باتت القروض والسلف المصرفية تلاحق التونسيين، بعد أن أضحت الاقتطاعات الشهرية من رواتبهم لا تبقي لهم سوى القليل، ما يضعهم في مأزق أمام ارتفاع أعباء المعيشة في ظل الارتفاع المستمر للأسعار.
سعاد التميمي واحدة من آلاف التونسيين، الذين لم يروا أرقام رواتبهم مكتملة في كشوفات حساباتهم المصرفية، فبمجرد صرف الراتب الحكومي يقتطع البنك 40% منه وهو قسط القرض الذي تحصلت عليه منذ 7 سنوات لشراء مسكن، فضلا عن اقتطاع أموال أخرى لسداد قيمة ما يتم سحبه من أموال عبر بطاقة الائتمان.
وتقول سعاد لـ"العربي الجديد" إنه لولا الاقتراض والسلف لعجزت على مجابهة مصاريفها العائلية، مشيرة إلى أنها قد تحتاج إلى عمر كامل من التوفير لشراء شقة لو لم تحصل على القرض المصرفي.
وتشير إلى أن المصرف يسمح لها عبر بطاقة الائتمان بسحب مبلغ أسبوعي في حدود 200 دينار (83 دولارا) بعد انتهاء مرتبها، مشيرة إلى أنها تسحب أسبوعياً هذا المبلغ وهو ما يدفعها إلى التداين بنحو 800 دينار شهرياً (333 دولارا) لدى المصرف بخلاف قسط القرض السكني، لافتة إلى أن الكثير من التونسيين ينتهجون نفس السبل لمواجهة أعباء المعيشة.
وتشير بيانات رسمية نشرها البنك المركزي مؤخراً إلى أن حجم القروض المصرفية المسندة إلى الأسر التونسية تضاعف مرتين خلال 6 سنوات، لتصل إلى 20.8 مليار دينار (86 مليار دولار) في مارس/ آذار 2017، مقابل 10.7 مليارات دينار (4.1 مليارات دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2010.
ويستأثر اقتناء مسكن جديد أو تحسينه بالنصيب الأكبر من قروض التونسيين بنسبة 85% بما يصل إلى 17.7 مليار دينار (7.3 مليارات دولار)، تليه القروض الموجهة إلى الاستهلاك البالغة مليارا دينار (833 مليون دولار)، أما المخصصة لاقتناء السيارات فتبلغ نحو 293 مليون دينار (122 مليون دولار).
ويرى مسؤولون وخبراء اقتصاد أن تضاعف قيمة القروض في ظرف وجيز، يدل على ترسخ ظاهرة التداين الأسري وتوسعها بشكل لافت، من منطلق الحرص على تحسين ظروف المعيشة دون التفكير في تداعيات الإفراط في الاستدانة.
ويقول طارق بن جازية، مدير عام معهد الاستهلاك (حكومي)، إن المؤشرات الحالية تجزم بتحول المجتمع التونسي إلى استهلاكي، مشيرا إلى أن كل الدراسات والبحوث التي قام بها المعهد أثبتت التحولات العميقة والسريعة لنمط عيش التونسيين وتحول الأسر من أسر تكافلية يقوم نموذجها الاقتصادي على التوفير والادخار إلى أسر مفرطة في الاستهلاك.
وبالإضافة إلى التغييرات الطارئة على سلوك التونسيين الاستهلاكية، يشير بن جازية في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن ارتفاع القروض الموجهة إلى الاستهلاك ولد ضغوطاً على الأسر في جانب ارتفاع النفقات.
وتفيد النتائج البحثية للمعهد الوطني للاستهلاك حول ظاهرة الاستدانة الأسرية، أن نحو 800 ألف أسرة حاصلة على قروض مصرفية من مجموع 2.7 مليون أسرة تم إحصاؤها في التعداد العام للسكان عام 2014 أي ما يمثل 29% من إجمالي الأسر.
ويقول عز الدين سعيدان، الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد" إن من مظاهر ترسخ الاستدانة الأسرية، تراجع نسبة الادخار، لافتاً إلى أن التغير الحاصل في النمط الاستهلاكي للتونسيين يرجع إلى حرصهم على الترفيه والحصول على كل الكماليات فضلا على لجوئهم إلى الاقتراض عند الشعور بالحرمان من كل ما يفوق مقدرتهم الشرائية.
ويضيف أن تطور نسبة الاستهلاك في السنوات الأخيرة ساهم في الإبقاء على أحد أكبر المحركات الاقتصادية في ظل تعطل الإنتاج والاستثمار بالرغم من تداعياتها على التضخم الذي تفاقم خلال السنوات الست الأخيرة.
ولم تعد الاستدانة مقتصرة على الاقتراض من المصارف، وإنما تنتشر طرق أخرى على غرار الاقتراض من الصناديق الاجتماعية التي تعد صلب مؤسسات العمل.
وتقر الحكومة باهتزاز منظومة الادخار الوطني خلال الخمس سنوات الأخيرة، ليتراجع الادخار الوطني بنسبة 12.5%، حسب ما أكّده المستشار الأول لرئيس الجمهورية، رياض شلغوم، في مايو/أيار الماضي.
ويشهد الادخار العائلي الذي يمثل ربع الادخار في تونس تراجعاً من عام إلى آخر، بسبب تآكل الطبقة الوسطى التي كانت تمثل نحو 80% من المجتمع، قبل أن تتراجع إلى نحو 67% حالياً، بحسب دراسات محلية.