لم تمر إرهاصات تخلي الحكومة المصرية ولو جزئيا عن دعم الخبز، على السيدة أم أيمن، دون ضجيج، فالأربعينية التي تعول وحدها أربعة أبناء تفترش لهم مدخلا "منورا" بإحدى بنايات وسط القاهرة، لا تحتمي من خطر الجوع إلا برغيف "العيش"، فهو الضمانة الوحيدة لسد الرمق وسط إجراءات التقشف التي طحنت عشرات ملايين الفقراء.
فاضطرت إلى العمل كخادمة بالأجر في الشقق المجاورة إضافة إلى بيعها الصحف.
وتخرج أم أيمن التي تعمل خادمة غير منتظمة لدى عدد من الوحدات السكنية المجاورة لها، في السادسة من صباح كل يوم، لتأمين عشرين رغيفا لها ولأسرتها، تدفع في مقابلها جنيها واحدا (نحو 5 سنتات أميركية)، فبدونها لا ضمانة للشبع.
وتقول لـ"العربي الجديد": "العشرين رغيف اللي بشتريهم بجنيه واحد كل يوم، هم اللي بيخلوني مطمئنة ان العيال مش هيجوعوا، وهم اللي بيكفونا شر الأسعار اللي زادت الضعف في كل حاجة".
غير أن الضمانة الوحيدة لمأكل عائلة أم أيمن أصبحت مهددة بشكل جدي الآن، خصوصا بعد قرارين متتاليين اتخذتهما الحكومة المصرية على مدار الأيام الماضية فيما يتعلق بمنظومة إنتاج وتوزيع الخبز.
القرار الأول عندما رفعت وزارة التموين الأسبوع الماضي، بالاتفاق مع شعبة المخابز الممثلة لمنتجي الخبز في مصر، تكلفة إنتاج جوال الدقيق وزن مائة كيلو غرام الذي ينتج 1250 رغيفًا إلى 180 جنيهًا بعد أن كان 120 جنيهًا، شاملة فروق أسعار السولار التي كانت تتحملها الوزارة، هذا يعني أن تكلفة دعم الخبز ستزيد، فيما تتخفف الحكومة من أعباء كافة أشكال الدعم بوتيرة متسارعة.
وقال مسؤول في وزارة التموين لـ "العربي الجديد"، إن الزيادة الجديدة رفعت تكلفة إنتاج رغيف الخبز إلى 65 قرشًا، ما يعنى أن الحكومة مطالبة بدفع 60 قرشًا للمخابز، هي الفرق بين تكلفة الإنتاج الفعلية للرغيف والسعر الذي يباع به للمواطن، وهو الأمر الذي تعجز الحكومة في الوقت الحالي عن فعله.
قرار آخر اتخذته بعد أيام من قرار رفع سعر تكلفة إنتاج الدقيق، وهو تحصيل ثمن الدقيق نقدا وفوريا، بعد أن كانت المخابز تحصل عليه في السابق من المطاحن الخاصة والحكومية بنظام الدفع الآجل.
وقال ممدوح رمضان، مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية، الأسبوع الماضي، إنه سيتم تسليم القمح للمطاحن بالسعر الحر، وتشتري المخابز منها الدقيق بالسعر الحر أيضًا، ثم يتم بيع الرغيف للمواطن بسعر 5 قروش، كما هو سارٍ حاليًا، فيما تدفع الحكومة فارق سعر تكلفة إنتاج الرغيف، كحلقة أخيرة بعد التأكد من وصوله للمواطن.
وقال رمضان في تصريحات صحافية، إن ما تقوم به الوزارة هو تعديل إداري في المنظومة، حرصًا على جودة الرغيف، بدلا من نظام "الأمانة"، الذي كان قائما، والذي كان يقوم على أن يحصل المطحن والمخبز على القمح دون دفع نقود، ما كان يسمح بالتهريب والتسريب.
وأكد مسؤول كبير في وزارة التموين لـ"العربي الجديد" رفض الكشف عن اسمه، أن قرار الحكومة بتحصيل ثمن الدقيق من المخابز نقدا جاء بسبب عدم قدرتها المالية على دعم رغيف الخبز. وقال إن هذا القرار هو خطوة في سبيل تحرير سعر الخبز نفسه، وذلك على الرغم من تصريحات الحكومة المتواصلة بأنه لا مساس بدعم الخبز.
في المقابل، تصرخ أم أيمن، معبرة عن حال عشرات ملايين المصريين ممن يقبعون دون خط الفقر: "لو رفعت الحكومة سعر العيش هتحصل ثورة جياع. الحكومة فاكرة إن الناس الغلابة يقدروا يشتروا العيش أبو نص جنيه، وده لا يمكن. الناس مش هتلاقي تاكل".
لكن صرخة أم أيمن يبدو أنها لن تجد صدى لدى الحكومة في مصر، فكل المؤشرات تؤكد أن رفع الدعم عن رغيف الخبز أصبح لا مفر منه، فبين عجز الحكومة عن الوفاء بحصتها في منظومة إنتاج رغيف الخبز، ورغبة أصحاب المخابز في تحقيق هامش ربح مجزٍ يضيع المواطن البسيط وحلمه في الحصول على رغيف خبز يعينه في مواجهة الغلاء الرهيب في البلاد.
وأكد زير التموين والتجارة الداخلية علي مصيلحي، أن رغيف الخبز يدخل ضمن "القضايا القومية التي لا مساس بها"، قائلا في تصريحات صحافية إن سعر الرغيف للجمهور هو خمسة قروش ولن يتم الاقتراب منه أو التلاعب في مواصفاته. وأضاف الوزير أن ما يتم من إجراءات ومنها زيادة تكلفة تصنيع رغيف الخبز تهدف جميعها إلى تحسين الخدمة والمنتج، قائلًا: "لا مساس برغيف الخبز المدعم وسيظل سعره على ما هو عليه".
وبعد قرار وزارة التموين بتسليم الدقيق للمخابز بالسعر الحر، خرجت مطالبات بالسماح لأصحاب المخابز باختيار المطحن الذي يشترون منه الدقيق، دون ربطهم على مطحن معين خاص بالدولة.
وقال رئيس الشعبة العامة لأصحاب المخابز عبد الله غراب، إن القرار في صالح أصحاب المخابز، ولن ينال من حقهم، لأنه يقضي تماما على الشائعات المتداولة حول المخابز وأصحابها، وما يثار حول تهريب وبيع الدقيق بالسوق السوداء.
وأضاف أن القرار يخفف كذلك من حدة الرقابة؛ لأن أصحاب المخابز باتوا يدفعون الثمن الحقيقي لجوال الدقيق، مؤكدا أن أصحاب المخابز سيلتزمون بالقرارات التي يرون أنها تصب في صالح الدولة، لكنه في الوقت نفسه طالب الحكومة بعدم ربط المخابز على مطحن معين على أساس أنهم أصبحوا يشترون الخبز بالسعر الحر.
وحذر خبراء من أن تحرير كامل منظومة الخبز سيدفع أصحاب المخابز لعدم الالتزام بإنتاج حصة الخبز المتفق عليها مع الدولة، بحجة أنهم لا يحصلون على أية مزايا من الدولة كما كان يحدث في السابق عندما كانوا يحصلون على الدقيق من المطاحن دون دفع ثمنه فوريا، على أن تقوم الحكومة بخصم السعر من رصيد المخبز الذي تموله وزارة التموين عن طريق الكروت الذكية.
وكانت الحكومة تدفع للمخبز فارق السعر بين تكلفة إنتاج الرغيف وبيعه للمواطن، أما الآن ومع انعدام تلك الميزة فإن المخابز قد لا تلتزم بإنتاج الكمية المطلوبة من الخبز، ما يؤدي في المستقبل إلى أزمة ونقص في الخبز المدعوم.
واعتبر خبراء أن تلك القرارات خطوات في سبيل رفع الدعم نهائيا عن رغيف الخبز حيث إن الحكومة لا تملك من الموارد المالية ما يكفي لتوفير ذلك الدعم.
وفي هذا السياق نقلت "رويترز"، قبل يومين، عن مصادر مسؤولة أن الحكومة المصرية تدرس مضاعفة الحافز النقدي لبرنامج يستهدف تشجيع المواطنين على الحد من استهلاك الخبز المدعم مقابل خفض حصة المواطن اليومية من أرغفة الخبز بواقع 20%.
وتصرف مصر حاليا 150 رغيفا شهريا من الخبز المدعم لكل مواطن بواقع خمسة أرغفة يوميا منذ بدء العمل بمنظومة توزيع الخبز بالبطاقات الذكية في إبريل/نيسان 2014.
وأضافت المصادر أن الحكومة تدرس رفع دعم نقاط الخبز إلى 0.20 جنيه لكل رغيف بدلا من 0.10 جنيه لأن بعض أصحاب المخابز يقومون باستغلال المواطنين والحكومة حاليا، فبعض أصحاب المخابز يبيعون سلعا للمواطنين مقابل نقاط الخبز بسعر 0.20 جنيه للرغيف ثم يقومون بتحصيل المقابل من الحكومة على أساس أكثر من 0.50 جنيه لكل رغيف كما لو كان قد تم خبزه وبيعه للمواطن بالفعل".
ويحصل المواطن حاليا على عشرة قروش مقابل كل رغيف خبز لا يشتريه من حصته نهاية كل شهر ويستطيع استخدام حصيلة ذلك في شراء سلع تموينية عن رصيده الإجمالي هو وأسرته.
وقال مصدر حكومي آخر مطلع على ملف دعم الخبز: "زيادة دعم الخبز سيصاحبها تقليل لحصة المواطن من خمسة أرغفة إلى أربعة أرغفة يوميا. متوسط استهلاك الفرد حاليا بين ثلاثة أرغفة و3.2 أرغفة يوميا".
ويباع الخبز المدعم بسعر خمسة قروش للرغيف، بينما يباع ما يسمى الرغيف السياحي (غير المدعوم) بين 50 و100 قرش للرغيف الواحد.
وتهدف الحكومة من برنامج الحد من استهلاك الخبز إلى توفير العملة الصعبة التي تستخدمها في استيراد القمح الذي يخلط مع القمح المحلي لإنتاج الخبز المدعم.
وقال مصدر حكومي إن "الحكومة تدفع حاليا ما بين 375 و400 مليون جنيه شهريا لدعم نقاط الخبز، وفي حالة الموافقة النهائية ستجري مضاعفة تلك الأرقام".
وتدعم مصر نحو 68.8 مليون مواطن من خلال نحو 20.8 مليون بطاقة تموين. وتخصص الحكومة خمسين جنيها شهريا لكل مواطن مقيد في البطاقات التموينية لشراء عدد من السلع.
وكشفت الأرقام الواردة بالموازنة العامة للدولة للسنة المالية الجارية 2017 - 2018، عن ارتفاع قيمة دعم السلع التموينية ليبلغ نحو 63 مليار جنيه، مقابل 41.1 مليار جنيه خلال موازنة السنة المالية الماضية 2016 - 2017، بزيادة 21.9 مليار جنيه.
وأشارت بيانات الموازنة إلى أن دعم الخبز يشمل نحو 86.2 مليار رغيف بقيمة 37.1 مليار جنيه، يستفيد منها 76.8 مليون مواطن حيث تدعم الدولة رغيف الخبز الواحد بـ 43.5 قرشا.
وبلغت قيمة دعم دقيق المستودعات نحو 2.6 مليارَ جنيه في موازنة العام المالي المقبل، بكمية 873 ألف طن، كما بلغ إجمالي دعم رغيف الخبز ودقيق المستودعات نحو 39.8 مليار جنيه في الموازنة الجديدة. وتبلغ كمية القمح المحلي المقدرة لموسم الحصاد للعام المقبل 2017-2018 نحو 4.5 ملايين طن، كما تبلغ كمية القمح المستورد نحو 4.3 ملايين طن.
وأبرمت الحكومة المصرية اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 يقضي بالحصول على قرض 12 مليار دولار على مدة ثلاث سنوات، مقابل تنفيذ مصر برنامجا للإصلاح الاقتصادي من أبرز بنوده خفض دعم السلع الرئيسية.
وتسلمت الحكومة الدفعة الأولى التي تقدر بـ 2.75 مليارَي دولار من قرض صندوق النقد الدولي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عقب تعويم العملة المحلية وزيادة أسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز وفرض ضريبة القيمة المضافة، وإقرار قانون الخدمة المدنية.
وتنتظر الحكومة الشريحة الثانية بقيمة 1.25 مليار دولار التي من المقرر أن تصل هذا الشهر.
واتخذت الحكومة المصرية إجراءات عدة خلال الفترة الأخيرة تلبيةً لشروط صندوق النقد الدولي، مثل خفض الدعم على المحروقات مرتين في فترة زمنية لا تتجاوز 8 شهور، علاوة على تحرير سعر الصرف الذي أدى إلى تضاعف قيمة الدولار مقابل الجنيه منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث سجل نحو 18 جنيها للدولار الواحد حاليا، مقابل 8.88 جنيهات للدولار قبل قرار التعويم.
(الدولار الأميركي يساوي نحو 18 جنيها مصريا)
اقــرأ أيضاً
فاضطرت إلى العمل كخادمة بالأجر في الشقق المجاورة إضافة إلى بيعها الصحف.
وتخرج أم أيمن التي تعمل خادمة غير منتظمة لدى عدد من الوحدات السكنية المجاورة لها، في السادسة من صباح كل يوم، لتأمين عشرين رغيفا لها ولأسرتها، تدفع في مقابلها جنيها واحدا (نحو 5 سنتات أميركية)، فبدونها لا ضمانة للشبع.
وتقول لـ"العربي الجديد": "العشرين رغيف اللي بشتريهم بجنيه واحد كل يوم، هم اللي بيخلوني مطمئنة ان العيال مش هيجوعوا، وهم اللي بيكفونا شر الأسعار اللي زادت الضعف في كل حاجة".
غير أن الضمانة الوحيدة لمأكل عائلة أم أيمن أصبحت مهددة بشكل جدي الآن، خصوصا بعد قرارين متتاليين اتخذتهما الحكومة المصرية على مدار الأيام الماضية فيما يتعلق بمنظومة إنتاج وتوزيع الخبز.
القرار الأول عندما رفعت وزارة التموين الأسبوع الماضي، بالاتفاق مع شعبة المخابز الممثلة لمنتجي الخبز في مصر، تكلفة إنتاج جوال الدقيق وزن مائة كيلو غرام الذي ينتج 1250 رغيفًا إلى 180 جنيهًا بعد أن كان 120 جنيهًا، شاملة فروق أسعار السولار التي كانت تتحملها الوزارة، هذا يعني أن تكلفة دعم الخبز ستزيد، فيما تتخفف الحكومة من أعباء كافة أشكال الدعم بوتيرة متسارعة.
وقال مسؤول في وزارة التموين لـ "العربي الجديد"، إن الزيادة الجديدة رفعت تكلفة إنتاج رغيف الخبز إلى 65 قرشًا، ما يعنى أن الحكومة مطالبة بدفع 60 قرشًا للمخابز، هي الفرق بين تكلفة الإنتاج الفعلية للرغيف والسعر الذي يباع به للمواطن، وهو الأمر الذي تعجز الحكومة في الوقت الحالي عن فعله.
قرار آخر اتخذته بعد أيام من قرار رفع سعر تكلفة إنتاج الدقيق، وهو تحصيل ثمن الدقيق نقدا وفوريا، بعد أن كانت المخابز تحصل عليه في السابق من المطاحن الخاصة والحكومية بنظام الدفع الآجل.
وقال ممدوح رمضان، مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية، الأسبوع الماضي، إنه سيتم تسليم القمح للمطاحن بالسعر الحر، وتشتري المخابز منها الدقيق بالسعر الحر أيضًا، ثم يتم بيع الرغيف للمواطن بسعر 5 قروش، كما هو سارٍ حاليًا، فيما تدفع الحكومة فارق سعر تكلفة إنتاج الرغيف، كحلقة أخيرة بعد التأكد من وصوله للمواطن.
وقال رمضان في تصريحات صحافية، إن ما تقوم به الوزارة هو تعديل إداري في المنظومة، حرصًا على جودة الرغيف، بدلا من نظام "الأمانة"، الذي كان قائما، والذي كان يقوم على أن يحصل المطحن والمخبز على القمح دون دفع نقود، ما كان يسمح بالتهريب والتسريب.
وأكد مسؤول كبير في وزارة التموين لـ"العربي الجديد" رفض الكشف عن اسمه، أن قرار الحكومة بتحصيل ثمن الدقيق من المخابز نقدا جاء بسبب عدم قدرتها المالية على دعم رغيف الخبز. وقال إن هذا القرار هو خطوة في سبيل تحرير سعر الخبز نفسه، وذلك على الرغم من تصريحات الحكومة المتواصلة بأنه لا مساس بدعم الخبز.
في المقابل، تصرخ أم أيمن، معبرة عن حال عشرات ملايين المصريين ممن يقبعون دون خط الفقر: "لو رفعت الحكومة سعر العيش هتحصل ثورة جياع. الحكومة فاكرة إن الناس الغلابة يقدروا يشتروا العيش أبو نص جنيه، وده لا يمكن. الناس مش هتلاقي تاكل".
لكن صرخة أم أيمن يبدو أنها لن تجد صدى لدى الحكومة في مصر، فكل المؤشرات تؤكد أن رفع الدعم عن رغيف الخبز أصبح لا مفر منه، فبين عجز الحكومة عن الوفاء بحصتها في منظومة إنتاج رغيف الخبز، ورغبة أصحاب المخابز في تحقيق هامش ربح مجزٍ يضيع المواطن البسيط وحلمه في الحصول على رغيف خبز يعينه في مواجهة الغلاء الرهيب في البلاد.
وأكد زير التموين والتجارة الداخلية علي مصيلحي، أن رغيف الخبز يدخل ضمن "القضايا القومية التي لا مساس بها"، قائلا في تصريحات صحافية إن سعر الرغيف للجمهور هو خمسة قروش ولن يتم الاقتراب منه أو التلاعب في مواصفاته. وأضاف الوزير أن ما يتم من إجراءات ومنها زيادة تكلفة تصنيع رغيف الخبز تهدف جميعها إلى تحسين الخدمة والمنتج، قائلًا: "لا مساس برغيف الخبز المدعم وسيظل سعره على ما هو عليه".
وبعد قرار وزارة التموين بتسليم الدقيق للمخابز بالسعر الحر، خرجت مطالبات بالسماح لأصحاب المخابز باختيار المطحن الذي يشترون منه الدقيق، دون ربطهم على مطحن معين خاص بالدولة.
وقال رئيس الشعبة العامة لأصحاب المخابز عبد الله غراب، إن القرار في صالح أصحاب المخابز، ولن ينال من حقهم، لأنه يقضي تماما على الشائعات المتداولة حول المخابز وأصحابها، وما يثار حول تهريب وبيع الدقيق بالسوق السوداء.
وأضاف أن القرار يخفف كذلك من حدة الرقابة؛ لأن أصحاب المخابز باتوا يدفعون الثمن الحقيقي لجوال الدقيق، مؤكدا أن أصحاب المخابز سيلتزمون بالقرارات التي يرون أنها تصب في صالح الدولة، لكنه في الوقت نفسه طالب الحكومة بعدم ربط المخابز على مطحن معين على أساس أنهم أصبحوا يشترون الخبز بالسعر الحر.
وحذر خبراء من أن تحرير كامل منظومة الخبز سيدفع أصحاب المخابز لعدم الالتزام بإنتاج حصة الخبز المتفق عليها مع الدولة، بحجة أنهم لا يحصلون على أية مزايا من الدولة كما كان يحدث في السابق عندما كانوا يحصلون على الدقيق من المطاحن دون دفع ثمنه فوريا، على أن تقوم الحكومة بخصم السعر من رصيد المخبز الذي تموله وزارة التموين عن طريق الكروت الذكية.
وكانت الحكومة تدفع للمخبز فارق السعر بين تكلفة إنتاج الرغيف وبيعه للمواطن، أما الآن ومع انعدام تلك الميزة فإن المخابز قد لا تلتزم بإنتاج الكمية المطلوبة من الخبز، ما يؤدي في المستقبل إلى أزمة ونقص في الخبز المدعوم.
واعتبر خبراء أن تلك القرارات خطوات في سبيل رفع الدعم نهائيا عن رغيف الخبز حيث إن الحكومة لا تملك من الموارد المالية ما يكفي لتوفير ذلك الدعم.
وفي هذا السياق نقلت "رويترز"، قبل يومين، عن مصادر مسؤولة أن الحكومة المصرية تدرس مضاعفة الحافز النقدي لبرنامج يستهدف تشجيع المواطنين على الحد من استهلاك الخبز المدعم مقابل خفض حصة المواطن اليومية من أرغفة الخبز بواقع 20%.
وتصرف مصر حاليا 150 رغيفا شهريا من الخبز المدعم لكل مواطن بواقع خمسة أرغفة يوميا منذ بدء العمل بمنظومة توزيع الخبز بالبطاقات الذكية في إبريل/نيسان 2014.
وأضافت المصادر أن الحكومة تدرس رفع دعم نقاط الخبز إلى 0.20 جنيه لكل رغيف بدلا من 0.10 جنيه لأن بعض أصحاب المخابز يقومون باستغلال المواطنين والحكومة حاليا، فبعض أصحاب المخابز يبيعون سلعا للمواطنين مقابل نقاط الخبز بسعر 0.20 جنيه للرغيف ثم يقومون بتحصيل المقابل من الحكومة على أساس أكثر من 0.50 جنيه لكل رغيف كما لو كان قد تم خبزه وبيعه للمواطن بالفعل".
ويحصل المواطن حاليا على عشرة قروش مقابل كل رغيف خبز لا يشتريه من حصته نهاية كل شهر ويستطيع استخدام حصيلة ذلك في شراء سلع تموينية عن رصيده الإجمالي هو وأسرته.
وقال مصدر حكومي آخر مطلع على ملف دعم الخبز: "زيادة دعم الخبز سيصاحبها تقليل لحصة المواطن من خمسة أرغفة إلى أربعة أرغفة يوميا. متوسط استهلاك الفرد حاليا بين ثلاثة أرغفة و3.2 أرغفة يوميا".
ويباع الخبز المدعم بسعر خمسة قروش للرغيف، بينما يباع ما يسمى الرغيف السياحي (غير المدعوم) بين 50 و100 قرش للرغيف الواحد.
وتهدف الحكومة من برنامج الحد من استهلاك الخبز إلى توفير العملة الصعبة التي تستخدمها في استيراد القمح الذي يخلط مع القمح المحلي لإنتاج الخبز المدعم.
وقال مصدر حكومي إن "الحكومة تدفع حاليا ما بين 375 و400 مليون جنيه شهريا لدعم نقاط الخبز، وفي حالة الموافقة النهائية ستجري مضاعفة تلك الأرقام".
وتدعم مصر نحو 68.8 مليون مواطن من خلال نحو 20.8 مليون بطاقة تموين. وتخصص الحكومة خمسين جنيها شهريا لكل مواطن مقيد في البطاقات التموينية لشراء عدد من السلع.
وكشفت الأرقام الواردة بالموازنة العامة للدولة للسنة المالية الجارية 2017 - 2018، عن ارتفاع قيمة دعم السلع التموينية ليبلغ نحو 63 مليار جنيه، مقابل 41.1 مليار جنيه خلال موازنة السنة المالية الماضية 2016 - 2017، بزيادة 21.9 مليار جنيه.
وأشارت بيانات الموازنة إلى أن دعم الخبز يشمل نحو 86.2 مليار رغيف بقيمة 37.1 مليار جنيه، يستفيد منها 76.8 مليون مواطن حيث تدعم الدولة رغيف الخبز الواحد بـ 43.5 قرشا.
وبلغت قيمة دعم دقيق المستودعات نحو 2.6 مليارَ جنيه في موازنة العام المالي المقبل، بكمية 873 ألف طن، كما بلغ إجمالي دعم رغيف الخبز ودقيق المستودعات نحو 39.8 مليار جنيه في الموازنة الجديدة. وتبلغ كمية القمح المحلي المقدرة لموسم الحصاد للعام المقبل 2017-2018 نحو 4.5 ملايين طن، كما تبلغ كمية القمح المستورد نحو 4.3 ملايين طن.
وأبرمت الحكومة المصرية اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 يقضي بالحصول على قرض 12 مليار دولار على مدة ثلاث سنوات، مقابل تنفيذ مصر برنامجا للإصلاح الاقتصادي من أبرز بنوده خفض دعم السلع الرئيسية.
وتسلمت الحكومة الدفعة الأولى التي تقدر بـ 2.75 مليارَي دولار من قرض صندوق النقد الدولي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عقب تعويم العملة المحلية وزيادة أسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز وفرض ضريبة القيمة المضافة، وإقرار قانون الخدمة المدنية.
وتنتظر الحكومة الشريحة الثانية بقيمة 1.25 مليار دولار التي من المقرر أن تصل هذا الشهر.
واتخذت الحكومة المصرية إجراءات عدة خلال الفترة الأخيرة تلبيةً لشروط صندوق النقد الدولي، مثل خفض الدعم على المحروقات مرتين في فترة زمنية لا تتجاوز 8 شهور، علاوة على تحرير سعر الصرف الذي أدى إلى تضاعف قيمة الدولار مقابل الجنيه منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث سجل نحو 18 جنيها للدولار الواحد حاليا، مقابل 8.88 جنيهات للدولار قبل قرار التعويم.
(الدولار الأميركي يساوي نحو 18 جنيها مصريا)