واجه القطاع المصرفي الروسي على مدى الأشهر الأخيرة مجموعة من الصدمات بدءاً من تعثر مصارف خاصة كبرى مثل "يوغرا" البالغ عدد عملائه ما لا يقل عن 400 ألف عميل، ووصولا إلى تحرك البنك المركزي من أجل إنقاذ مصرفي "أوتكريتيه" و"بينبنك" الكبيرين عن طريق الدخول في رأسمالهما، وأثارت هذه الصدمات قلق المودعين.
وبعد تعثر وإلغاء تراخيص نحو 290 مصرفاً روسياً منذ عام 2013، وضع المركزي الروسي آلية جديدة لإنقاذ مصارف كبرى عن طريق الدخول في رأسمالها عبر "صندوق دعم القطاع المصرفي".
وأصبح مصرفا "أوتكريتيه" و"بينبنك" أول مؤسستين ائتمانيتين كبريين تطلبان دعما من المصرف المركزي في إطار هذه الآلية.
و"أوتكريتيه" هو أكبر مجموعة مالية خاصة في روسيا وخامس أكبر مصرف في البلاد قبل بدء مشكلاته، كما يعد "بينبنك" المصرف الثاني عشر في روسيا من حيث قيمة الأصول.
ويتوقع رئيس إدارة التحليل في مصرف "نورديا"، دميتري فيدينكوف، أن تكون الآلية الجديدة لإنقاذ المصارف المتعثرة فعالة، لأنها تتيح استمرار عملها بلا انقطاع ودون المساس بودائع العملاء.
ويقول فيدينكوف في حديثه لـ"العربي الجديد": "في المرات السابقة، كانت هناك حالات فشل المصارف الخاصة في الاستحواذ على البنوك المتعثرة والوفاء بالتزاماتها، ولكن المصرف المركزي لديه إمكانيات تسمح بذلك بلا شك".
تأثر ثقة المودعين
وحول تداعيات تعثر مصارف خاصة كبرى على ثقة المودعين، يضيف: "إذا كان العملاء خسروا مدخراتهم، لأثّر ذلك سلبا على ثقتهم، ولكن الوضع من وجهة نظر العميل يتحسن بعد دخول البنك المركزي في رأس المال، كما أن استقرار المنظومة المالية يزداد بشكل عام".
ويذكّر الخبير المالي الروسي بأن عملاء "أوتكريتيه" من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، هرعوا لسحب ودائعهم وسط غموض الرؤية حول مصير البنك، ولكن إدارة المصرف أعلنت أنهم استأنفوا الإيداعات بعد سيطرة "المركزي" على الوضع.
وعلى مدى أشهر الصيف، واجه "أوتكريتيه" موجة غير مسبوقة من سحوبات الودائع بلغت أكثر من 660 مليار روبل (حوالي 11.5 مليار دولار) خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب وسط تداول أنباء عن مواجهته مشكلات مالية ونقص السيولة.
وبلغت حصة الأشخاص الاعتباريين في السحوبات أكثر من 70%، لكون الشركات هي الخاسر الأكبر عند تعثر المصارف في ظل النظام المصرفي الروسي الذي يؤمن تلقائياً ودائع الأفراد فقط وفي حدود 1.4 مليون روبل (حوالي 24 ألف دولار)، بينما لن تسترد الشركات ودائعها إلا بعد إجراءات تصفية البنك وسط غياب أي ضمانات للحصول عليها كاملة.
وفي سبتمبر/أيلول الجاري، واجه "بينبنك" هو الآخر موجة من سحوبات العملاء بلغت 56 مليار روبل (حوالي مليار دولار)، قبل أن يعلن البنك المركزي الروسي قبل أيام عن قراره الاستحواذ على البنك ليصبح مستثمرا رئيسيا فيه مع استمرار عمله بشكل طبيعي.
وبذلك يعتبر عجز "بينبنك" أقل كثيرا منه لدى مجموعة "أوتكريتيه" التي ضخ المركزي الروسي نحو تريليون روبل (أكثر من 17 مليار دولار) من أجل إنقاذها نظرا لدورها الحيوي في المنظومة المالية للبلاد وارتباطها بصناديق معاشات التقاعد وقطاع التأمين.
زيادة حصة الدولة
أثارت موجة تعثر المصارف الخاصة الروسية خلال السنوات الماضية تساؤلات حول استمرار زيادة حصة الدولة في قطاع صيرفة التجزئة التي ازدادت خلال عام 2016 من 58% إلى 62% وسط انتقال العملاء إلى أكبر مصارف القطاع العام، وفي مقدمتها "سبيربنك" و"في تي بي".
ويتوقع خبراء مصرفيون أن تتجاوز حصة الدولة في القطاع المصرفي 70% بعد الاستحواذ على "أوتكريتيه" و"بينبنك".
وترى إيرينا نوسوفا، نائبة رئيس مجموعة "أكرا" للتصنيفات المصرفية، أن زيادة حصة الدولة في القطاع المصرفي تأتي نتيجة لإجراءات اضطرارية يقوم بها البنك المركزي لمنع تحقق المخاطر على المنظومة المصرفية بأسرها.
وتقول نوسوفا لـ"العربي الجديد": "بالفعل، تؤدي الأحداث الجارية إلى زيادة حصة الدولة، إلا أننا نعتبر هذه الزيادة نتيجة للإجراءات الاضطرارية للبنك المركزي الروسي بعد تأسيسه "صندوق دعم القطاع المصرفي" لمنع تحقق المخاطر التي كانت ستزداد كثيرا بسبب مشكلات مصارف كبرى مثل أوتكريتيه وبينبنك".
وحول الأسباب التي أوصلت مصارف كبرى إلى حافة الهاوية، تضيف: "جاءت مشكلة نقص السيولة مجرد نتيجة لأساليب أعمال فاشلة لبعض المصارف، وكانت أوضاع "يوغرا" و"أوتكريتيه" و"بينبنك" تتدهور منذ بضع سنوات".
وتضرب المحللة المالية الروسية أمثلة على أخطاء ومشكلات هذه المصارف، قائلة: "كان "يوغرا" يستخدم ودائع العملاء لمنح قروض لأطراف لهم صلة بمساهمي البنك، بينما كان "أوتكريتيه" يمنح قروضاً لشركات غير مستقرة ماليا في مجال البناء والعقارات.
أما "بينبنك"، فإلى جانب قروضه المتعثرة، فحصل على حصة كبيرة من الأصول السلبية لـ"إم دي إم بنك" بعد الاستحواذ عليه عام 2016".
وتتابع: "أدى سوء وفاء المقترضين بالتزاماتهم إلى تكوّن أجواء إعلامية سلبية حول هذه المصارف وتوجه العملاء لسحب ودائعهم وتفاقم مشكلة نقص السيولة".
ومنذ بداية عام 2017، سحب المركزي الروسي تراخيص 36 مصرفا، بما فيها مصارف كبرى مثل "يوغرا" و"تات فوند بنك" (جمهورية تتارستان) اللذين كانا يأتيان في المرتبتين الـ29 والـ42 على التوالي على قائمة أكبر المصارف الروسية.
واعتبر المصرف المركزي أن الخطة المقترحة للاستحواذ على "يوغرا" غير مجدية، لتبدأ وكالة تأمين الودائع بصرف التعويضات للعملاء في نهاية يوليو/تموز الماضي.
وبحسب مالك أكبر حصة في "يوغرا"، أليكسي خوتين، فإن الأمير السعودي، الوليد بن طلال، أعرب عن استعداده للدخول في رأس مال البنك في حال استئناف عمله.
ووسط تفاقم مشكلات المصارف الروسية، أظهر استطلاع للرأي أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" مؤخرا، أن 44% من المستطلعة آراؤهم لا يستبعدون احتمال نشوب أزمة مصرفية خلال عامين أو ثلاثة.
ورأى 29% منهم أن احتمال اندلاع أزمة متمثلة في تعثر المصارف وخسارة المدخرات "وارد إلى حد كبير"، بينما توقع 15% أن الأزمة "ستحدث على الأرجح أو قد حدثت بالفعل".
ومع ذلك، ازداد مجموع ودائع الأفراد بالمصارف الروسية بنسبة 5% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، ليبلغ 24.8 تريليون روبل (حوالي 430 مليار دولار)، مع استمرار الاقتصاد الروسي في تكيّفه مع الصدمتين الخارجيتين المتمثلتين في تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية على خلفية الوضع في أوكرانيا.