حتى الآن، من غير المعروف كم ستستمر أزمة إغلاق الحكومة الأميركية التي بدأت، أول من أمس السبت، لكن من المؤكد أن عمليات إغلاق الحكومة في مرات سابقه لم تؤثر على الوضع الاقتصادي الأميركي إلا بنسبة ضئيلة تكاد لا تذكر، كما أنها لم تؤثر، إطلاقاً، على أدوات الدين أو حتى التصنيف الائتماني للبلاد.
وينظر خبراء أسواق المال إلى أزمة إغلاق الحكومة الأميركية على أساس "أنها أزمة سياسية أكثر منها اقتصادية"، وبالتالي تجاهلت البورصات الأميركية في تعاملات نهاية الأسبوع الأزمة تماماً وواصلت مؤشرات سوق "وول ستريت ارتفاعاتها"، كما هو معتاد.
وقال مايك مولفاني مدير الميزانية في البيت الأبيض السبت إن سفر ترامب للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا الأسبوع الجاري صار محل بحث بعد وقف أنشطة الحكومة الاتحادية.
وكان ترامب ألغى رحلة إلى منتجعه في فلوريدا مطلع هذا الأسبوع بعدما تسبب خلاف في الكونجرس حول الميزانية في وقف نشاط الحكومة الاتحادية.
ويعني إغلاق الحكومة، أن هنالك فجوة تمويلية لدى المؤسسات الحكومية، وعادة ما تترجم هذه الفجوة في عدم وجود سيولة لدى بعض الوكالات والمؤسسات الحكومية، تحول بينها وبين توفير السيولة اللازمة لدفع مرتبات الموظفين وتسيير العمليات اليومية من تقديم الخدمات للمواطنين وغيره.
وتشير التوقعات التي اطلعت عليها" العربي الجديد"، إلى أن هذه الأزمة لن تستمر طويلاً، بسبب أنها تحدث في عام الانتخابات، ولا يريد أي من الحزبين في أميركا، أن يلقى عليه اللوم في إغلاق أماكن الترفيه وبعض الخدمات التي تهم المواطن الأميركي.
في هذا الصدد توقع مصرف "غولدمان ساكس"، أن يستمر إغلاق الحكومة الأميركية في أقصى حالاته لأسابيع، إن لم تكن أياماً، إن لم يتم توافق بين نواب الحزب الديمقراطي ونواب الحزب الجمهوري حول تمرير التمويل للمؤسسات الحكومية.
وتوقع الخبير الاقتصادي بمصرف الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس"، أليكس فيليبس، أن يؤثر الإغلاق على نمو الاقتصاد الأميركي بنسبة ضئيلة جداً لا تتعدى 0.02% خلال الربع الأول من العام الجاري. وسيتم تعويضها لاحقاً في الربع الثاني.
وأشار فيليبس في التحليل الذي نشره على موقع البنك، إلى أن التأثير على أسواق المال سيكون متواضعاً، وفي معظم المرات التي تم فيها إغلاق الحكومة في السابق لم يتجاوز التأثير السالب للإغلاق على أسواق المال أكثر من 0.9% في اليوم الأول.
لكن يلاحظ أن الإغلاق يتم هذه المرة والسوق في أوج انتعاشها، حيث تجاوز مؤشر داو جونز 26 ألف نقطة، وهنالك حماسة شديدة بين المستثمرين على المضاربة على أسهم شركات التقنية.
من جانبها، قالت وكالة فيتش الأميركية للتصنيف الائتماني، إن إغلاق الحكومة لن يؤثر على التصنيف الممتاز للديون الأميركية، أي سندات الخزانة.
وتصنيف أميركا في الوقت الراهن "تريبل أيهAAA "، أي أعلى تصنيف ائتماني بين دول العالم.
وأشارت الوكالة في تقييمها الصادر، الجمعة، إلى أن تأثير إغلاق الحكومة لن يكون مؤثراً على الدين العام، إلا إذ أثر على الميزانية العامة أو الديون الحكومية.
وتقدر ديون الولايات المتحدة حالياً بأكثر 20 ترليون دولار. وتعتمد الحكومة في تمويل العجز الميزاني الذي بلغ في ميزانية العام 2017، حتى نوفمبر/ تشرين الثاني، قرابة 890 مليار دولار، على إصدار السندات الحكومية.
وتبدو السندات التي تصدرها الخزانة الأكثر أماناً والأسرع في التحويل إلى سيولة بين السندات العالمية.
يذكر أن العائد على السندات ارتفع فوق 2.6% في نهاية الأسبوع. وتتصدر كل من الصين واليابان الدول من ناحية أكبر الحيازات لادوات الدين الأميركية.
وفي نهاية الأسبوع كانت الاستجابة في أسواق المال ضعيفة للإغلاق، حيث ارتفعت أسعار الذهب قليلاً في ختام تعاملات الجمعة. ولكن حتى هذا الارتفاع الطفيف في سعر المعدن الأصفر لم يحدث إلا بنسبة قليلة منه بسبب الإغلاق، حسب محللين، وإنما حدث بسبب بقاء الدولار قرب أدنى مستوى في ثلاث سنوات مقابل سلة من العملات.
يذكر أن هذا الإغلاق هو الـ19 خلال الـ40 عاماً الماضية، التي لم يتجاوز الإغلاق في معظمها يوماً أو يومين، وفي المرات التي أخذت مدة أطول، كان أقصى تأثير سلبي على الأسواق هبوطها بنسبة 1.5%. وكان أطول المدد في إغلاق نوفمبر/ تشرين 1995 إلى يناير/ كانون الأول 1996.
ويرى خبراء أن الأزمة ربما لا تكون مؤثرة على الاقتصاد الأميركي الذي ينمو بقوة فوق 3.2% وسط التدفقات المالية الضخمة في سوق المال، وبالتالي فإن التداعيات الاقتصادية تكاد ألّا تذكر، لكن الحزب الجمهوري يتخوف من مظاهر تداعياتها على سمعته.
ومن مظاهر الإغلاق التي ستكون بادية للجمهور، هي إغلاق الحدائق العامة والمتاحف والمراكز الثقافية واالتباطؤ الذي سيجده المواطنون في إجراءات إصدار الجوازات وخدمات المصالح الحكومية.
وحسب تقرير "غولدمان ساكس"، ربما تجمد وزارة الخزانة ومصلحة الضرائب وظائف نسبتها 83% من إجمالي 83 ألف موظف. كما سيتم تخفيض عدد العاملين في إدارة الرئاسة من 1715 موظف إلى 659 موظف، وذلك حسب المذكرة الرئاسية، كما سيتم خفض العاملين في البيت الأبيض من 371 إلى 152 موظف.
ويبدو أن المشكلة الكبرى التي تواجه أميركا حالياً هو الرئيس، دونالد ترامب، الذي لا تنتهي أزماته الداخلية والخارجية، ويتخوف العديد من رجالات المال وأصحاب الشركات الكبرى من أن يفجر ترامب نزاعاً تجارياً مع الصين التي تهددها في تصريحاته الأخيرة، وهو العامل الذي سيهدد فعلاً سوق المال العالمية.