أصدرت محكمة العدل الأوروبية، قراراً نهائياً يعتبر أن اتفاق الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا ينطبق على الصحراء الغربية، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على علاقات المملكة بأوروبا، لا سيما ما يتعلق بالمفاوضات الجارية حول العديد من الملفات الاقتصادية بين الطرفين.
وقالت المحكمة الأوروبية، أول من اليوم الثلاثاء، إن "اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي ساري المفعول ما لم يُطبق على إقليم الصحراء ومياهه الإقليمية"، معتبرة أن ضم مياه الصحراء إلى الاتفاق "يخالف عدة بنود في القانون الدولي وتقرير المصير".
وهذا الرأي يتماشي مع ما سبق أن أعلنت عنه المحكمة، التي دعت في ديسمبر/ كانون الأول 2016، إلى استثناء الصحراء من اتفاق للتبادل الحر مع المغرب.
ولم يشر القرار الصادر آنذاك إلي اتفاق الصيد البحري، إلا أن المحكمة اعتبرت في بيانها، أمس، أن المغرب لا يمكنه ممارسة سيادته "إلا على المياه المحيطة بأراضيه والتابعة لبحره أو منطقته الاقتصادية الخالصة".
ويأتي قرار المحكمة الأوروبية الأخير، ليلقي المزيد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الرباط وبروكسل، بينما أكد مختصون مغاربة أن هذا القرار لا يخدم مصالح الأوروبيين.
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد"، حول موقف المغرب من هذا القرار، اكتفى رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، بالقول على هامش مؤتمر عقد، أمس، في مدينة الصخيرات: "الأمر يجرى الحديث حوله مع الاتحاد الأوروبي".
وأعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة والممثلة السامية للاتحاد الأوروبي المكلفة بالشؤون الخارجية وسياسة الأمن فيديريكا موغيريني، مباشرة من بروكسل، بعد صدور قرار المحكمة، تمسكهما بالشراكة الاستراتيجية بين المغرب وبلدان الاتحاد الأوروبي.
واتفقت الرباط والاتحاد الأوروبي، ضمن بيان مشترك، على مواصلة تعزيز الحوار السياسي وصيانة استقرار العلاقات التجارية بين الطرفين، بغض النظر عن قرار محكمة العدل الأوروبية، كما شددا على "إرادة التفاوض بخصوص الآليات الضرورية المرتبطة بالشراكة في هذا الميدان".
واتفق المغرب والاتحاد الأوروبي على تمسكهما القوي بالتطور المتواصل الذي شهدته خلال السنوات الأخيرة في جميع المجالات ذات النفع المتبادل، وعلى رأسها القضايا الاستراتيجية مثل الهجرة والأمن والاستقرار والتنمية الإقليمية والبحث العلمي، كما دعما المسلسل الذي ترعاه الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي لقضية الصحراء.
واعتبر وزير الزراعة والصيد البحري المغربي عزيز أخنوش، أن قرار محكمة العدل الأوروبية لا يعني إلغاء الاتفاق الذي يمتد إلى أجل أغسطس/ آب المقبل، وإنما يعني تحديد المناطق التي يُسمح فها الصيد في سواحل الصحراء، مشيرا إلى أن هذا المعطى لم تتم صياغته بشكل دقيق في القرار، قبل أن يؤكد أن اشتغال البواخر في هذه المناطق ما زال مستمرا بدون أية مشكلات.
ويأتي رأي المحكمة الأوروبية بعد أيام على تكليف وزراء الفلاحة والصيد البحري للاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية بإطلاق مفاوضات مع المغرب من أجل التوصل إلي اتفاق للصيد البحري. وتجلى في ذلك التكليف أن عقد المفاوضات يحظى بموافقة جميع أعضاء مجلس وزراء الصيد بدول الاتحاد.
وقال مسؤول مغربي، فضل عدم ذكر اسمه، إن "الاتحاد الأوروبي هو الذي طلب الدخول في مفاوضات والمغرب لم يسع إلى ذلك".
ويسري الاتفاق الحالي للصيد البحري منذ عام 2014، حيث يتاح للبواخر الأوروبية ولوج منطقة الصيد المغربية، مقابل 30 مليون يورو سنوياً، فيما يساهم أصحاب البواخر بـ 10 ملايين يورو.
وتهم الاتفاقية نحو 120 سفينة صيد (80% منها إسبانية) تمثل 11 دولة أوروبية، وهي: إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، ليتوانيا، ولاتفيا، هولندا، إيرلندا، بولونيا وبريطانيا.
وتستخرج هذه السفن من المياه المغربية 83 ألف طن سمك سنويا، تمثل 5.6% من مجموع صيد الأسماك في كل المياه المغربية.
وبحسب مصدر مطلع فإن ملف الصيد البحري، معني به الاتحاد الأوروبي أكثر من المغرب، على اعتبار أنه هو الذي يجني منه فوائد، تتمثل في دعمه للأنشطة الاقتصادية لمناطق مهمة في بلدان مثل إسبانيا والبرتغال، وهما بلدان يضطر الاتحاد الأوروبي إلى تقديم دعم مالي كبير لهما عند تعثر المفاوضات حول الصيد.
وقال المصدر إن كل يورو يستثمره الاتحاد الأوروبي في الصيد بالمغرب يدر عليه 78.2 يوور كقيمة مضافة مباشرة وغير مباشرة بالنسبة لقطاع الصيد في ذلك الفضاء، وهو ما يجعل الاتحاد الخاسر الأكبر من قرار المحكمة الأوروبية.
وجاء قرار المحكمة الأوروبية الأخيرة بناء على طلب من محكمة بريطانية، تنظر في شكوى بشان اتفاق الصيد البحري مقدمة من منظمة تدعو إلى الاعتراف بحق تقرير المصير في الصحراء الغربية.
ورأى مختصون، أن الاتحاد الأوروبي سيكون أكبر متضرر في حال عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري، ولا سيما إسبانيا، التي تعد المستفيد الأكبر من هذه الاتفاقية اقتصاديا واجتماعيا.
ولا تقتصر تحركات التضييق على المغرب، على محاولة إلغاء اتفاق الصيد البحري، بل انتقلت إلى المنتجات الزراعية المغربية، إذ شهدت مدينة إلكانتي الإسبانية، يوم الخميس الماضي، اجتماعا استثنائيا، حضره ممثلون عن وزارات الفلاحة الإسبانية، والفرنسية، والإيطالية، وتعاونيات، وجمعيات منتجي، ومصدري الخضروات، والفواكه في البلدان الأوربية الثلاثة، وتركز النقاش خلاله على العرض غير المستقر للأسعار، وارتفاع المنتجات الفلاحية المغربية، التي تدخل إلى الاتحاد الأوروبي، وفق مصادر مغربية.
وكان المغرب قد أوقف، في 25 فبراير/ شباط 2016، الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي، ردا على حكم أولي لمحكمة العدل الأوروبية، في ديسمبر/ كانون الأول 2015، إلغاء اتفاقية تبادل المنتجات الزراعية بين الجانبين، لتضمنها منتجات الصحراء الغربية. ثم قررت الرباط، في الشهر التالي، استئناف الاتصالات مع بروكسل، بعدما تلقت المملكة تطمينات بإعادة الأمور إلى نصابها.
ووقع المغرب والاتحاد الأوروبي اتفاق تبادل المنتجات الزراعية عام 2012، والذي يمنح المغرب تخفيضات جمركية على المنتجات الزراعية والبحرية المصدَّرة إلى دول الاتحاد، تصل إلى نحو 70% على مدى 10 سنوات.