وتم الاتفاق بين وزير الكهرباء السوداني معتز موسى ونظيره المصري محمد شاكر، في ختام زيارته إلى الخرطوم، على تكوين لجنة فنية من البلدين، للبدء فوراً بوضع خطة تنفيذ الربط، على مستوى قدرات 220 ألف فولت.
ويبلغ طول خط الربط 165 كيلومتراً. ويحتاج السودان إلى إكمال نحو 67 كيلومتراً لوصول خط الربط إلى الحدود المصرية.
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الكهرباء السودانية محمد عبدالرحيم جاويش، في تصريح إلى "العربي الجديد"، إن "الخط يعمل في الاتجاهين، ما يعني أنه من الممكن تبادل الكهرباء بين البلدين".
وأضاف أنه "نظراً للاحتياطي المناسب في توليد الكهرباء في مصر حالياً، فإن مصر ستمد السودان بالكهرباء بنحو 300 ميغاواط في أوقات الذروة، لمواجهة الطلب المتزايد".
وتباينت آراء كثير من المختصين حول الاتفاق، إذ يرى بعضهم أن الاتفاق يساعد في إحداث تنمية اقتصادية لمصلحة البلدين، فيما يؤكد آخرون وجود استهانة واضحة من الحكومة السودانية بالاتفاقات الدولية، كذلك يراه بعضهم استعداداً من قبل مصر للاستفادة من كهرباء سد النهضة بتأهيل البنية التحتية، تمهيداً للربط الشبكي الكامل بين السودان ومصر وإثيوبيا.
واكتمل الربط الكهربائي بين السودان وإثيوبيا عام 2013، إذ يشتري السودان الكهرباء من إثيوبيا، وذلك من خلال خط يصل طوله إلى 321 كيلومتراً بقدرة 300 ميغاواط.
وقال الاقتصادي الفاتح عثمان لـ"العربي الجديد" إن مشاريع الربط الكهربائي في الظروف العادية تعبّر عن تعاون إيجابي بين الدول للاستفادة من القدرات الاقتصادية الفائضة وتبادل الكهرباء في وقت الذروة.
وأضاف أن السودان متلقٍّ صافٍ للكهرباء من إثيوبيا، والآن من مصر، موضحاً أن تكلفة الكهرباء الحرارية في مصر قليلة لأنها تنتج من الغاز، مقارنة بإنتاجها في السودان الذي يعتمد على الوقود، ما يوضح الفرق بين المشتقات النفطية والغاز الطبيعي.
ولفت إلى أن الغاز المصري يرحّل عبر الأنابيب من مناطق الإنتاج، سواء من حقول الغاز المصرية أو إسرائيل، ما يعني قلة التكلفة، وهذا يعني أن تكلفته في مصر أقل منها في السودان بمقدار الضعف.
ولفت إلى وجود جدوى حقيقية لشراء الكهرباء من مصر، معتبراً أن المشكلة الحقيقية التي تواجه الحكومة السودانية مستقبلاً هي ضعف القدرة المالية في الالتزام بالاتفاقيات الدولية والمشاريع الاستثمارية التي تبرمها، لافتاً إلى أن الاتفاق جيد، ولكنه يتطلب أيضاً جدية من الخرطوم ووزارة المالية في التعامل مع مثل هذه الاتفاقيات.
وأشار إلى أن السودان لا يهتم بالمكون المحلي في المشاريع الاستثمارية الدولية، ولا يتم سداد ثمن البترول الذي اشترته الحكومة للشركات، ما أدى إلى تقليل الاستثمار وإنتاج النفط الذي تدهور إلى 85 ألف برميل يومياً.
وأضاف الفاتح أن السودان موعود بكمية مضاعفة من كهرباء سد النهضة، إلا أن التنويع جيد لأنه يعطي مناعة وقدرة سياسية، ولكن الأفضل من ذلك يكمن في البحث عن إنتاج كهرباء من مصادر متجددة مثل المياه والطاقة الشمسية والرياح، خصوصاً أن بناء محطات حرارية سيصطدم بعقبة القدرة على التشغيل.
ولفت إلى أن هذه الصعوبة تكمن في ارتفاع استهلاك الوقود في السودان من 30 ألف برميل يومياً إلى 185 ألف برميل، ما يساوي ضعف إنتاج السودان اليومي، وما قد يعني صعوبات على الحكومة في فترات مقبلة في تسديد ثمن شراء الوقود لتشغيل المحطات الحرارية، وقد يؤدي ذلك إلى توقف إنتاج الكهرباء في السودان، لذا فمن الأفضل اللجوء إلى الطاقات المتجددة، مشيراً إلى أن ظروف السودان قد لا تسمح حتى بسداد قيمة الكهرباء لاحقاً لمصر أو إثيوبيا.
أما الأكاديمي الدكتور محمد الناير، فيرى في الاتفاق تطوّراً كبيراً يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو ربط الدول بعضها ببعض، لتقليل الحمولة الزائدة بأسعار مناسبة، معتبراً أنه المنهج السائد في دول العالم حالياً.
وأوضح الناير لـ"العربي الجديد" أن الربط هو استعداد من قبل مصر لما هو مقبل، وهو الاستفادة من "سد النهضة" بأسعار تفضيلية، معتبراً أنها من الفوائد الاقتصادية لسد النهضة على أساس انتفاع مصر والسودان لدفع عجلة الإنتاج وتسريع وتيرته.
وكان السودان قد أكمل الربط الكهربائي مع إثيوبيا بتمويل من "بنك الاستيراد الهندي" بقيمة 35 مليون دولار وبسعة 300 ميغاواط، وتبلغ قيمة الكيلوواط خمسة سنتات. وقد تزايدت حصة السودان في الكهرباء من أثيوبيا من 100 ميغاواط في البداية لتصل إلى 250 ميغاواط حالياً.
وينتج السودان ثلاثة آلاف ميغاواط سنوياً من الكهرباء ويستورد من إثيوبيا لتغطية الطلب المتزايد على الكهرباء في البلاد.
وتنفذ الخرطوم حالياً خطة حتى عام 2031 لتغطية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، وتشمل بناء سدود ومحطات حرارية بالوقود البترولي والطاقات المتجددة إلى جانب النشاط النووي السلمي.