ارتفعت أسعار الحبوب للشهر الرابع في الأسواق العالمية، وسجلت أسعار القمح والذرة والأرز ارتفاعًا بنسبة 15.4% عن قيمتها في أبريل/نيسان 2017، وهو المستوى الأعلى مطلقًا منذ أغسطس/آب 2015، ما أدى إلى رفع مؤشر أسعار الغذاء في أبريل/نيسان 2018 بنسبة 2.7% عن مستواه خلال نفس الشهر من العام الماضي 2017، وفق مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، لأسعار الغذاء الصادر في مطلع هذا الشهر.
وتتوقع المنظمة أن يسجل الإنتاج العالمي من القمح، مادة إنتاج الخبز، والسلعة الغذائية الاستراتيجية في المنطقة والعالم، انخفاضًا في الموسم 2018 إلى نحو 746 مليون طن، بانخفاض 11.3 مليون طن، وبنسبة 1.5% عن مستواه في الموسم 2017، وهو الإنتاج الأقل في الثلاث سنوات الأخيرة بسبب تراجع المساحات المزروعة.
وتتوقع المنظمة كذلك أن تسجل روسيا انخفاضاً محتملاً في الإنتاج بمعدل 13 مليون طن إلى 72 مليون طن، مقابل 85 مليون طن العام الماضي، وكذلك انخفاض إنتاج الاتحاد الأوروبي وكازاخستان وأوكرانيا بشكل طفيف.
التوقعات بانخفاض الإنتاج في روسيا، المصدر الأول في العالم، يقود تراجع صادراتها إلى 36 مليون طن، في مقابل 39 مليون طن العام الماضي، ويعزز احتمالات ارتفاع الأسعار مجددًا، الأمر الذي يسبب قلقًا لعملاء القمح الروسي في المنطقة العربية.
مصر والجزائر، أكبر المستوردين العرب، يفضلان شراء القمح من مناشئ روسيا وفرنسا، وتستورد مصر أكثر من 50% من واردات القمح من روسيا، ويليها لبنان، ثم الأردن، ثم اليمن، ويأتي النصف الآخر من أوكرانيا، نظرًا لانخفاض الأسعار، بغض الطرف عن الجودة المتدنية، وانخفاض تكاليف النقل مدعومة بالقرب من موانئ البحر الأسود، بالمقارنة مع مناشئ أخرى بعيدة عن المنطقة مثل كندا والولايات المتحدة والبرازيل الأعلى في الجودة والسعر وتكاليف النقل.
اقــرأ أيضاً
تراجع الإنتاج العالمي ليس هو التنبؤ السلبي الوحيد بالنسبة لدول المنطقة، إذ يتوقع تقرير "الحبوب: الأسواق العالمية والتجارة"، الصادر عن وزارة الزراعة الأميركية في مايو/أيار الحالي، تنامي الاستهلاك العالمي من القمح في الموسم 2018-2019، ليبلغ 750 مليون طن، بزيادة 10 ملايين طن عن الموسم 2017-2018، مدعومًا بالتزايد السكاني، ما سيخلق سببًا آخر لارتفاع الأسعار.
الفجوة تتسع
المنطقة العربية من أﻜﺜر ﻤﻨﺎطق العالم اﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﻠﻰ الاستيراد لتأمين اﻻﺤﺘﻴﺎﺠﺎت ﻤن القمح، إذ تراجع الإنتاج إلى 23.2 مليون طن في 2016، مقابل 27.6 مليون طن في 2015، بانخفاض 16%، وبلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح على مستوى الوطن العربي نحو 42%، والفجوة إلى 32 مليون طن في نفس العام 2016.
واتسعت الفجوة في 2017 لأكثر من 41 مليون طن، هي مجموع واردات سبع دول عربية فقط من القمح، بما يعادل 27% من المتاح للتجارة العالمية، وتربعت مصر مع إندونيسيا على مقعد أكبر مستورد للقمح في العالم، بمعدل 12.5 مليون طن، تلتهما الجزائر كثالث أكبر مستورد بإجمالي 7.5 ملايين طن، وفق تقرير وزارة الزراعة الأميركية.
زيادة سعر القمح أو تكاليف شحنه بمعدل دولار واحد في كل طن، يكلف موازنات الدول العربية 41 مليون دولار في السنة. وفي أبريل/نيسان الماضي، زادت أسعار القمح الروسي بمعدل 5 دولارات عن أسعار مارس/آذار، وزادت أسعار القمح الأميركي 17 دولارا عن أسعار مارس.
وزادت تكاليف شحن القمح الأميركي في 2017 من 3 إلى 8 دولارات لكل طن عن 2016، حسب ميناء الوصول، وزادت تكاليف الشحن من موانئ البحر الأسود بمعدل 2 دولار.
العجز الغذائي العربي ﻴزداد، حيث ارتفعت واردات الغذاء من 14 مليار دولار في 2000، إلى 34 مليار دولار في 2011، لتقفز إلى 40 مليار دولار في 2014، وإذا سار الخط البياني على امتداده، فإن المنطقة العربية ستواجه فجوة غذائية بنحو 70 مليار دولار في 2030، بزيادة 10 مليار دولار عن توقعات سابقة.
تساهم مجموعة الحبوب بنحو 50% من قيمة الفجوة الغذائية، ويمثل القمح نصف فجوة الحبوب، ومن المتوقع زيادة وارداته بنحو 75% على مدى الثلاثين سنة المقبلة وذلك وفق إحصائيات الاتحاد العام لغرف الصناعة والتجارة والزراعة للدول العربية.
فرص مهدرة
تقدر إنتاجية وحدة المساحة من القمح في الوطن العربي بنحو 2.6 طن للهكتار، وهي تتخلف عن المعدل العالمي البالغ 3.3 أطنان للهكتار، بنحو 0.7 طن للهكتار، وبنسبة 21%، ما يعني هدر 7.3 ملايين طن في العام، أو فقدان 2.2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، أو خسارة قرابة 1.8 مليار دولار، وهي كمية تكفي لإطعام 52 مليون مواطن عربي لمدة عام كامل، أو سد قرابة 20% من فجوة القمح العربي.
اتخذت الحكومات العربية سياسات قاصرة في معالجة أثر الارتفاع الكبير فــي الأسعار العالمية للغذاء منذ أزمة الغذاء العالمية في 2007-2008، تمثلت في الإعفاء مــن الرسوم الجمركية، وزيادة دعم السلع الغذائية الأساسية المستوردة من الخارج، ورفع رواتب الموظفين، ما أدى إلى زيادة فاتورة الاستيراد، وإرهاق المالية العامة للدولة، وزيادة عجز الموازنة العامة التي تم تعويضها بالديون الداخلية والأجنبية.
وقفزت فاتورة واردات القمح بأكثر من 200% في مصر والأردن وتونس واليمن. وفي المديين القريب والمتوسط، من المتوقع أن تستقر أسعار الحبوب على مستويات تظل أعلى من الفترة ما قبل 2008، وفق توقع منظمتي التعاون الاقتصادي والتنمية، والفاو.
الحكومات العربية في المقابل، لا تطبق سياسات زراعية تزيد إنتاج القمح من خلال دعم المزارع الوطني، وتوفير تقاوي عالية الإنتاج، وتوطين التكنولوجيا بدلًا من استيراد المنتجات، ودعم البحوث الزراعية والإرشاد، وتمكين المزارعين من الأسواق، وتشجيع المنتج الوطني.
انتفاضات الخبز
ارتفاع أسعار القمح على هذا النحو يشبه بوادر ارتفاع الأسعار في 2007 قبل تفاقم أزمة الغذاء العالمية وانفجارها في 2008، والتي أدت إلى احتجاجات شعبية خلفت قتلى في العديد من دول المنطقة، بسبب شح الخبز، وغلاء الأسعار.
وفي كل مرة تقوم الحكومات العربية برفع سعره، يثير الخبز حفيظة الجماهير، ويتسبب في اندلاع مظاهرات واحتجات شعبية واسعة، قد تغيب عند رفع أسعار سلع أخرى مثل المنتجات البترولية، أو المياه والكهرباء، أو المواصلات، أو عند خفض الدعم الاجتماعي.
في 1977، رفع السادات سعر رغيف الخبز 5 مليمات، نصف قرش، ليصبح سعرالرغيف الأبيض قرشا كاملا، 10 مليمات، فاندلعت احتجاجات شعبية، أُطلق عليها اسم، انتفاضة الخبز، يومي 18 و19 يناير/كانون الثاني في طول البلاد وعرضها، شارك فيها عمال المصانع وطلاب الجامعات والموظفون، واقتحم المتظاهرون أقسام الشرطة، واستراحات الرئاسة، وتراجع السادات عن القرار.
صارت انتفاضة الخبز 1977 معلما في تاريخ الثورات تتدارسه ديكتاتوريات العالم الثالث والمنطقة العربية، كما يتدارسه علماء السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، وإدارة الأزمات، ويهتمون في دراسته، بمقدمات، وتوقيت، وآلية رفع الأسعار، وأدوات قمع المتظاهرين، وشيطنتهم، والسيطرة عليهم، واستفاد مبارك من هذه الانتفاضة بزيادة الرواتب، وقمع المعارضة واعتقال رموزها السياسية والعمالية قبل رفع الأسعار، ما مكنه من مضاعفة سعر الخبز عدة مرات خلال سنوات حكمه.
في شباط / فبراير 2011، وصل مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى ذروة تاريخية جديدة، وساهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية في موجات احتجاجات في دول المنطقة، أطاحت بالرئيسين التونسي، زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك.
وفي مطلع العام الجاري، رفعت الحكومة السودانية يدها من استيراد القمح، وفوضت القطاع الخاص، وزاد سعر الخبز، ما دعا السودانيين إلى احتجاجات شعبية سقط خلالها عدد من القتلى. ورفعت الحكومة الأردنية مطلع فبراير الماضي أسعار الخبز وبنسب زيادة 100% بالنسبة لبعض الأصناف، ما أجج الاحتجاجات الشعبية في أماكن عديدة من الأردن.
في مارس 2017، قررت الحكومة المصرية تخفيض خبز الكارت الذهبي لأصحاب المخابز من 1500 رغيف إلى 500 رغيف فقط، ما أشعل مظاهرات شعبية غاضبة في عدة محافظات وسط هتافات ضد الجنرال عبد الفتاح السيسي رغم القمع الشديد.
حتى اندلاع الثورات في عام 2011، كان القادة العرب يرددون أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يسبق الإصلاح السياسي، ويرفعون شعار، الخبز قبل الحرية، وكانوا يؤكدون على أنه من السابق لأوانه، بل من الخطورة بمكان، إجراء إصلاح سياسي قبل توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وعرف النظام السياسي في المنطقة بـ "ديمقراطية الخبز"، وبالرغم من ذلك فشلوا في توفير رغيف الخبز للجماهير، وما زالوا يفشلون، ولا تزال الجماهير تثور عند كل أزمة خبز.
وتتوقع المنظمة أن يسجل الإنتاج العالمي من القمح، مادة إنتاج الخبز، والسلعة الغذائية الاستراتيجية في المنطقة والعالم، انخفاضًا في الموسم 2018 إلى نحو 746 مليون طن، بانخفاض 11.3 مليون طن، وبنسبة 1.5% عن مستواه في الموسم 2017، وهو الإنتاج الأقل في الثلاث سنوات الأخيرة بسبب تراجع المساحات المزروعة.
وتتوقع المنظمة كذلك أن تسجل روسيا انخفاضاً محتملاً في الإنتاج بمعدل 13 مليون طن إلى 72 مليون طن، مقابل 85 مليون طن العام الماضي، وكذلك انخفاض إنتاج الاتحاد الأوروبي وكازاخستان وأوكرانيا بشكل طفيف.
التوقعات بانخفاض الإنتاج في روسيا، المصدر الأول في العالم، يقود تراجع صادراتها إلى 36 مليون طن، في مقابل 39 مليون طن العام الماضي، ويعزز احتمالات ارتفاع الأسعار مجددًا، الأمر الذي يسبب قلقًا لعملاء القمح الروسي في المنطقة العربية.
مصر والجزائر، أكبر المستوردين العرب، يفضلان شراء القمح من مناشئ روسيا وفرنسا، وتستورد مصر أكثر من 50% من واردات القمح من روسيا، ويليها لبنان، ثم الأردن، ثم اليمن، ويأتي النصف الآخر من أوكرانيا، نظرًا لانخفاض الأسعار، بغض الطرف عن الجودة المتدنية، وانخفاض تكاليف النقل مدعومة بالقرب من موانئ البحر الأسود، بالمقارنة مع مناشئ أخرى بعيدة عن المنطقة مثل كندا والولايات المتحدة والبرازيل الأعلى في الجودة والسعر وتكاليف النقل.
تراجع الإنتاج العالمي ليس هو التنبؤ السلبي الوحيد بالنسبة لدول المنطقة، إذ يتوقع تقرير "الحبوب: الأسواق العالمية والتجارة"، الصادر عن وزارة الزراعة الأميركية في مايو/أيار الحالي، تنامي الاستهلاك العالمي من القمح في الموسم 2018-2019، ليبلغ 750 مليون طن، بزيادة 10 ملايين طن عن الموسم 2017-2018، مدعومًا بالتزايد السكاني، ما سيخلق سببًا آخر لارتفاع الأسعار.
الفجوة تتسع
المنطقة العربية من أﻜﺜر ﻤﻨﺎطق العالم اﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﻠﻰ الاستيراد لتأمين اﻻﺤﺘﻴﺎﺠﺎت ﻤن القمح، إذ تراجع الإنتاج إلى 23.2 مليون طن في 2016، مقابل 27.6 مليون طن في 2015، بانخفاض 16%، وبلغت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح على مستوى الوطن العربي نحو 42%، والفجوة إلى 32 مليون طن في نفس العام 2016.
واتسعت الفجوة في 2017 لأكثر من 41 مليون طن، هي مجموع واردات سبع دول عربية فقط من القمح، بما يعادل 27% من المتاح للتجارة العالمية، وتربعت مصر مع إندونيسيا على مقعد أكبر مستورد للقمح في العالم، بمعدل 12.5 مليون طن، تلتهما الجزائر كثالث أكبر مستورد بإجمالي 7.5 ملايين طن، وفق تقرير وزارة الزراعة الأميركية.
زيادة سعر القمح أو تكاليف شحنه بمعدل دولار واحد في كل طن، يكلف موازنات الدول العربية 41 مليون دولار في السنة. وفي أبريل/نيسان الماضي، زادت أسعار القمح الروسي بمعدل 5 دولارات عن أسعار مارس/آذار، وزادت أسعار القمح الأميركي 17 دولارا عن أسعار مارس.
وزادت تكاليف شحن القمح الأميركي في 2017 من 3 إلى 8 دولارات لكل طن عن 2016، حسب ميناء الوصول، وزادت تكاليف الشحن من موانئ البحر الأسود بمعدل 2 دولار.
العجز الغذائي العربي ﻴزداد، حيث ارتفعت واردات الغذاء من 14 مليار دولار في 2000، إلى 34 مليار دولار في 2011، لتقفز إلى 40 مليار دولار في 2014، وإذا سار الخط البياني على امتداده، فإن المنطقة العربية ستواجه فجوة غذائية بنحو 70 مليار دولار في 2030، بزيادة 10 مليار دولار عن توقعات سابقة.
تساهم مجموعة الحبوب بنحو 50% من قيمة الفجوة الغذائية، ويمثل القمح نصف فجوة الحبوب، ومن المتوقع زيادة وارداته بنحو 75% على مدى الثلاثين سنة المقبلة وذلك وفق إحصائيات الاتحاد العام لغرف الصناعة والتجارة والزراعة للدول العربية.
فرص مهدرة
تقدر إنتاجية وحدة المساحة من القمح في الوطن العربي بنحو 2.6 طن للهكتار، وهي تتخلف عن المعدل العالمي البالغ 3.3 أطنان للهكتار، بنحو 0.7 طن للهكتار، وبنسبة 21%، ما يعني هدر 7.3 ملايين طن في العام، أو فقدان 2.2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، أو خسارة قرابة 1.8 مليار دولار، وهي كمية تكفي لإطعام 52 مليون مواطن عربي لمدة عام كامل، أو سد قرابة 20% من فجوة القمح العربي.
اتخذت الحكومات العربية سياسات قاصرة في معالجة أثر الارتفاع الكبير فــي الأسعار العالمية للغذاء منذ أزمة الغذاء العالمية في 2007-2008، تمثلت في الإعفاء مــن الرسوم الجمركية، وزيادة دعم السلع الغذائية الأساسية المستوردة من الخارج، ورفع رواتب الموظفين، ما أدى إلى زيادة فاتورة الاستيراد، وإرهاق المالية العامة للدولة، وزيادة عجز الموازنة العامة التي تم تعويضها بالديون الداخلية والأجنبية.
وقفزت فاتورة واردات القمح بأكثر من 200% في مصر والأردن وتونس واليمن. وفي المديين القريب والمتوسط، من المتوقع أن تستقر أسعار الحبوب على مستويات تظل أعلى من الفترة ما قبل 2008، وفق توقع منظمتي التعاون الاقتصادي والتنمية، والفاو.
الحكومات العربية في المقابل، لا تطبق سياسات زراعية تزيد إنتاج القمح من خلال دعم المزارع الوطني، وتوفير تقاوي عالية الإنتاج، وتوطين التكنولوجيا بدلًا من استيراد المنتجات، ودعم البحوث الزراعية والإرشاد، وتمكين المزارعين من الأسواق، وتشجيع المنتج الوطني.
انتفاضات الخبز
ارتفاع أسعار القمح على هذا النحو يشبه بوادر ارتفاع الأسعار في 2007 قبل تفاقم أزمة الغذاء العالمية وانفجارها في 2008، والتي أدت إلى احتجاجات شعبية خلفت قتلى في العديد من دول المنطقة، بسبب شح الخبز، وغلاء الأسعار.
وفي كل مرة تقوم الحكومات العربية برفع سعره، يثير الخبز حفيظة الجماهير، ويتسبب في اندلاع مظاهرات واحتجات شعبية واسعة، قد تغيب عند رفع أسعار سلع أخرى مثل المنتجات البترولية، أو المياه والكهرباء، أو المواصلات، أو عند خفض الدعم الاجتماعي.
في 1977، رفع السادات سعر رغيف الخبز 5 مليمات، نصف قرش، ليصبح سعرالرغيف الأبيض قرشا كاملا، 10 مليمات، فاندلعت احتجاجات شعبية، أُطلق عليها اسم، انتفاضة الخبز، يومي 18 و19 يناير/كانون الثاني في طول البلاد وعرضها، شارك فيها عمال المصانع وطلاب الجامعات والموظفون، واقتحم المتظاهرون أقسام الشرطة، واستراحات الرئاسة، وتراجع السادات عن القرار.
صارت انتفاضة الخبز 1977 معلما في تاريخ الثورات تتدارسه ديكتاتوريات العالم الثالث والمنطقة العربية، كما يتدارسه علماء السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، وإدارة الأزمات، ويهتمون في دراسته، بمقدمات، وتوقيت، وآلية رفع الأسعار، وأدوات قمع المتظاهرين، وشيطنتهم، والسيطرة عليهم، واستفاد مبارك من هذه الانتفاضة بزيادة الرواتب، وقمع المعارضة واعتقال رموزها السياسية والعمالية قبل رفع الأسعار، ما مكنه من مضاعفة سعر الخبز عدة مرات خلال سنوات حكمه.
في شباط / فبراير 2011، وصل مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى ذروة تاريخية جديدة، وساهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية في موجات احتجاجات في دول المنطقة، أطاحت بالرئيسين التونسي، زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك.
وفي مطلع العام الجاري، رفعت الحكومة السودانية يدها من استيراد القمح، وفوضت القطاع الخاص، وزاد سعر الخبز، ما دعا السودانيين إلى احتجاجات شعبية سقط خلالها عدد من القتلى. ورفعت الحكومة الأردنية مطلع فبراير الماضي أسعار الخبز وبنسب زيادة 100% بالنسبة لبعض الأصناف، ما أجج الاحتجاجات الشعبية في أماكن عديدة من الأردن.
في مارس 2017، قررت الحكومة المصرية تخفيض خبز الكارت الذهبي لأصحاب المخابز من 1500 رغيف إلى 500 رغيف فقط، ما أشعل مظاهرات شعبية غاضبة في عدة محافظات وسط هتافات ضد الجنرال عبد الفتاح السيسي رغم القمع الشديد.
حتى اندلاع الثورات في عام 2011، كان القادة العرب يرددون أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يسبق الإصلاح السياسي، ويرفعون شعار، الخبز قبل الحرية، وكانوا يؤكدون على أنه من السابق لأوانه، بل من الخطورة بمكان، إجراء إصلاح سياسي قبل توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وعرف النظام السياسي في المنطقة بـ "ديمقراطية الخبز"، وبالرغم من ذلك فشلوا في توفير رغيف الخبز للجماهير، وما زالوا يفشلون، ولا تزال الجماهير تثور عند كل أزمة خبز.