رفعت تركيا، عبر مرسوم صدر عن الرئيس رجب طيب أردوغان، الرسوم الجمركية على 22 سلعة مستوردة من الولايات المتحدة الأميركية، بقيمة تصل إلى 533 مليون دولار، وفق تصريح وزيرة التجارة التركية، روهصار بكجان اليوم الأربعاء، التي أكدت أن أنقرة لن تتردد في حماية حقوق الشركات أمام الإجراءات الأميركية غير العادلة.
وجاءت هذه الرسوم في ظل أزمة دبلوماسية كبيرة بين البلدين، بعد سلسلة من القرارات الأميركية التي عمّقت انهيار الليرة التركية خلال الأسبوع الماضي، كان أبرزها رفع الرسوم على الحديد والألمنيوم المصدر من تركيا إلى الولايات المتحدة بنسبة 50% و20% على التوالي.
وتزامن رد أنقرة اليوم مع صعود الليرة التركية أمام الدولار، لتلامس 6 ليرات للدولار الواحد. وذكرت الجريدة الرسمية أن تركيا رفعت الرسوم الجمركية على واردات أميركية منها سيارات الركوب والكحوليات والتبغ. ورفع المرسوم، الرسوم على سيارات الركوب إلى 120% وعلى المشروبات الكحولية إلى 140% وعلى التبغ إلى 60%.
وزادت الرسوم أيضاً على سلع منها مساحيق التجميل والأرز والفحم. وكانت المنتجات ذاتها خضعت لزيادة إضافية في الرسوم الجمركية دخلت حيز التنفيذ في 11 يونيو/ حزيران 2018.
وذكر نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي على حسابه على موقع "تويتر" أن رفع تركيا الرسوم على بعض المنتجات الأميركية بموجب مبدأ المعاملة بالمثل "هو رد على الهجمات المتعمدة من جانب الإدارة الأميركية على اقتصادنا".
وعلّق المحلل الاقتصادي التركي خليل أوزون في حديث مع "العربي الجديد"، أن تركيا لن تنصاع للإملاءات الأميركية، معتبراً أن القضية ليست مرتبطة بموضوع القس الأميركي أندرو روبنسون المحتجز في تركيا لغرض المحاكمة في قضايا مرتبطة بدعم الإرهاب، بل سلسلة من المطالب تعي تركيا بمجرد قبولها ورضوخها لها، أنها ستمتد ربما لإملاءات بقطاع النفط واستخراجه وقطاع الغاز وعبوره وبالتجارة مع روسيا والصفقات العسكرية.
لذا، فإن تركيا وبعد استهداف ترامب الليرة وفرض عقوبات، ترد بالمثل وتفرض رسوماً على أهم السلع الأميركية التي تدخل تركيا، وفق أوزون.
وعن بدائل السلع الأميركية، رأى أوزون أن لدى تركيا شركاء وحلفاء، مثل روسيا والصين وقطر، يمكن أن يزودوا السوق التركي إن عانى من أي نقص، ولكن هذه السلع التي فرضت تركيا عليها رسوماً اليوم، بمعظمها تنافس الإنتاج التركي ولا تحتاج الأسواق لتوافرها.
أما مدير تحرير جريدة "ترك برس" التركية عبد الرحمن السراج، فأكد لـ "العربي الجديد" أن المشكلة بدأت أمنية بين البلدين، إلا أن واشنطن صعدت وأدخلت الجانب الاقتصادي في القضية، ففرضت عقوبات اقتصادية على وزيري العدل والداخلية، ومن ثم رفعت الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم.
وتابع: "الضرر الأكبر من الإجراءات الأميركية قد حصل واستطاعت تركيا امتصاص الأزمة، وأخذت الليرة من الهزة ما يكفي، وبالتالي من المفترض أن تعود الأوضاع للاستقرار، هذا إن لم تصعد واشنطن وتدخل القطاع المالي والمصرفي ضمن الاستهدافات، فوقتها قد تكون الليرة التركية أمام طور جديد من الأزمات، وفق السراج.
وتشكل العلاقات التجارية المتبادلة بين البلدين حوالي 20 مليار دولار، وفق "الأناضول". ومثلت الولايات المتحدة العام الماضي خامس أكبر سوق للمنتجات التركية، إذ صدرت إليها أنقرة 5.5 في المائة من إجمالي صادراتها. وبدأ عجز ميزان التجارة الخارجية لتركيا مع الولايات المتحدة يتضاءل خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
ففي 2017، تراجع هذا العجز بنسبة 22.4 في المائة مقارنة بالعام 2016، واستقر عند حدود 3.3 مليارات دولار. وزادت الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة في 2017 بنسبة 30.7 في المائة، مقارنة بعام 2016. وبلغت القيمة الإجمالية لصادرات أنقرة إلى واشنطن العام الماضي 8.7 مليارات دولار.
فيما بلغت حصة المنتجات التركية المستهلكة في الأسواق الأميركية في 2017، 0.4 في المائة، وحلت في المرتبة 34، في حين تصدرت المنتجات الصينية بنسبة 22 في المائة.
من جانب آخر، تراجعت واردات تركيا من الولايات المتحدة العام الماضي بنسبة 9.9 في المائة مقارنة بـ 2016، واستقرت قيمتها عند 11.9 مليار دولار. وبلغت نسبة صادرات الولايات المتحدة إلى تركيا في 2017، 0.6 بالمائة من إجمالي صادراتها إلى الخارج.
واحتلت الأسواق التركية المرتبة 28 بين الأسواق الأكثر استهلاكا للمنتجات الأميركية. وبالنظر إلى أرقام العام الحالي، ففي الأشهر الخمسة الأولى من 2018 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 8.3 مليارات دولار.
وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة 3.2 مليارات دولار، فيما بلغت صادرات الولايات المتحدة إلى تركيا 5.1 مليارات دولار. ويعد الحديد والصلب ومنتجات قطاع السيارات وقطع غيار السيارات من أبرز الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة.
كما تعد منتجات قطاع النسيج والملابس الجاهزة والمنتجات الزراعية والمواد الغذائية من بين السلع المهمة التي تصدرها تركيا إلى الولايات المتحدة. في المقابل، تعتبر منتجات قطاع الحديد والصلب، والمركبات الجوية، والمركبات الفضائية، والقطن، واليخوت، والفحم الحجري، والأدوية، من أهم المنتجات التي تستوردها تركيا من الولايات المتحدة.
ومنذ بداية 2018 وحتى نهاية إبريل/ نيسان الماضي، بلغ رأس المال الأميركي الوافد إلى تركيا بغرض الاستثمار 120 مليون دولار، مقارنة بعشرين مليون دولار خلال الفترة نفسها من 2017. ووصلت قيمة الاستثمارات الدولية في تركيا عبر الولايات المتحدة، بين عامي 2002 و2016، إلى نحو 11 مليار دولار. فيما بلغت قيمة الاستثمارات التركية في الولايات المتحدة، خلال الفترة نفسها، 3.7 مليارات دولار.
وحذر مجلس الاحتياط الاتحادي (الفيدرالي الأميركي)، من تأثير الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب أخيرًا، في واردات بلاده من عدة دول، وصادرات وواردات البلاد ككل.
وجاء في بحث أجراه خبراء الفيدرالي، نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" مقتطفات منه الأسبوع الماضي أن رسوم ترامب من شأنها "رفع التكاليف بالنسبة للشركات الأميركية، وجعل المنتجات المحلية أقل قدرة على المنافسة عالميًا". وأورد البحث، أن "النتيجة النهائية لذلك، هي تراجع الصادرات والواردات، ومن ثم عدم القدرة على تقليص العجز التجاري".
وبلغ عجز التجارة الخارجية الأميركية، 291 مليار دولار، خلال النصف الأول 2018 مسجلًا زيادة قدرها 7 في المائة، مقارنة بالنصف الأول من 2017. وتشير النسبة، إلى أن عجز التجارة في العام الحالي، سيتجاوز الرقم القياسي المسجل خلال العام الأول من ولاية ترامب، وأنه سيبلغ رقمًا قياسيًا مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة، وفق وكالة "الأناضول".
وتزامن المرسوم الرئاسي التركي مع حملة واسعة لمقاطعة عدد من المنتجات والخدمات الأميركية، إذ أعلن أردوغان الثلاثاء أن بلاده ستقاطع المنتجات الإلكترونية الأميركية، وذلك ردا على خلاف مع واشنطن ساعد على انخفاض الليرة إلى مستويات قياسية. وفقدت الليرة أكثر من 40 في المائة من قيمتها هذا العام، وهوت إلى أدنى مستوى على الإطلاق عند 7.24 ليرات للدولار الإثنين.
كما انضمت شركات ومؤسسات تركية لحملة "لا تعلن لدى الولايات المتحدة"، التي انطلقت ضمن خطوات مواجهة العقوبات الأميركية على تركيا. وتدعو الحملة الشركات والمؤسسات التركية إلى التوقف عن الإعلان لدى الوسائط الإعلانية الأميركية، وفق وكالة "الأناضول".
وانضمت للحملة الخطوط الجوية التركية، وشركة "تورك تيليكوم"، وبلدية منطقة "غولباشي" في العاصمة التركية أنقرة. كما أكدت مجموعة "تورك ميديا" التركية، اليوم الأربعاء، عدم التعامل مع الشركات التي تعمل في مجال الإعلانات وتتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها.
وتلقت الليرة دعماً يفيد بأن اجتماعا مزمعا غداً الخميس يجمع وزير المالية التركي براءت البيراق ونحو 750 إلى ألف مستثمر. وأشارت المصادر لوكالة "ترك برس"، إلى أن المستثمرين الذين سيعقد معهم اللقاء سيكونون من جميع أنحاء العالم لا سيما من الولايات المتحدة، وأوروبا، والشرق الأوسط، وأن البيراق سينقل رسائله إلى المستثمرين الدوليين عقب التطورات الاقتصادية الأخيرة، وسيعمل على طمأنتهم.