ركز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في تحركاته الأخيرة على ورقة الاقتصاد من أجل امتصاص الغضب الجماهيري المتواصل منذ أربعة أيام احتجاجاً على فشل حكومته في إدارة الأزمة الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية والمالية العامة للبلاد.
وورقة الحريري المتوقع عرضها على مجلس الوزراء لإقرارها، هي عبارة عن خطة تقشفية في مجملها لا تشمل ضرائب جديدة، وتكافح الفساد، وتحوي على 24 بنداً، حسب مصادر تحدثت لوسائل إعلام لبنانية أمس.
وتأتي خطوة الحريري في الوقت الذي واصل المحتجون مظاهراتهم الحاشدة أمس، للضغط على الحريري مع قرب انتهاء مهلة حددها لتنفيذ مجموعة من الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ اقتصاد البلاد. وأمهل الحريري شركاءه في الحكومة 72 ساعة يوم الجمعة الماضي، للاتفاق على إصلاحات من شأنها تجنيب البلاد أزمة اقتصادية، ملمحا لاحتمال استقالته إن لم يحدث هذا.
إصلاحات صعبة
ويبدو أن الحريري سيجد نفسه بين مطرقة ضغوط المطالب الشعبية التي تتطلب تقديم تنازلات معيشية كبيرة، وسندان الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها البلاد وتتطلب تمويلات ضخمة وإجراءات تقشفية صعبة، إضافة إلى تلبية مطالب المؤسسات المانحة.
واتهم الحريري خصومه، في تصريحات سابقة، بعرقلة إجراءات خاصة بالميزانية يمكن أن تجعل لبنان يحصل على 11 مليار دولار تعهد بها مانحون غربيون وتساعده على تجنب الانهيار الاقتصادي.
ومن أبرز بنود ورقة الحريري خفض رواتب الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة والنواب الحاليين والسابقين إلى النصف، وتحديد رواتب القضاة بعشرة آلاف دولار كحد أقصى، وإلغاء مجالس ووزارات مثل وزارة الإعلام، وإلغاء جميع ما تم خفضه من معاشات التقاعد للجيش والقوى الأمنية.
وتشمل الخطة تحويل معامل الكهرباء إلى غاز خلال شهر واحد، وخصخصة قطاع الاتصالات المحمول، وإلغاء كل أنواع زيادات في الضرائب على القيمة المضافة والهاتف والخدمات العامة، وإعادة العمل بالقروض السكنية.
وتتضمن الورقة أيضا، اقتراح قوانين لرفع السرية المصرفية الإلزامي على جميع الوزراء والنواب والمسؤولين في الدولة، وإقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة، ومواجهة الفساد.
وتتضمن ورقة الحريري كذلك فرض ضرائب على المصارف وشركات التأمين 25%. وتحديد سقف رواتب المديرين ومخصصات اللجان الحكومية.
من جهته، لفت الحريري في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى عقد اجتماعات مع وزراء المالية علي حسن خليل، والأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، والصناعة وائل أبو فاعور.
موازنة بلا ضرائب
ويبدو أن الورقة الاقتصادية الجديدة ستؤخذ على محمل الجد من جميع المسؤولين لامتصاص سخط الشارع المتصاعد، إذ قال وزير المالية اللبناني، أول من أمس، بعد لقاء مع الحريري، إنهما اتفقا على موازنة نهائية لا تتضمن أي ضرائب أو رسوم إضافية وذلك في محاولة لتهدئة احتجاجات واسعة النطاق. وهو ما ألمح إليه الرئيس اللبناني، ميشال عون، بقوله على تويتر: "سيكون هناك حل مطمئن للأزمة".
وحسب مراقبين تواجه الإصلاحات الاقتصادية التي يتجه إليها الحريري، مصاعب عديد في ظل تدهور مؤشرات الاقتصاد، ومواجه الحكومة أزمة كبيرة في الحصول على دعم ومساعدات مالية خارجية. ويقول مصرفيون واقتصاديون إن لبنان يحتاج إلى 10 مليارات دولار على الأقل لإنقاذ الوضع المالي.
وفي وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قررت مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية العالمية، وضع تصنيف لبنان (سي.ايه.ايه1) قيد المراجعة تمهيداً لتخفيضه، وقدرت أن مصرف لبنان المركزي الذي تدخل لتغطية مدفوعات الديون الحكومية بقيت لديه احتياطيات قابلة للاستخدام تتراوح بين 6 و10 مليارات دولار فقط للحفاظ على الاستقرار.
وتبلغ قيمة الديون التي يحين أجل سدادها بنهاية العام المقبل نحو 6.5 مليارات دولار، فيما قال المصرف المركزي إن الاحتياطي النقدي في 15 أكتوبر/ تشرين الأول بلغ 38.1 مليار دولار.
رفض ورقة الحريري
وفي ردود الفعل على ورقة الحريري دعا الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، أمس الأحد، إلى الإضراب العام، وقال في بيان: "إلى الشارع من أجل التغيير من هذه السلطة، إلى الشارع من أجل الحق في الحياة الكريمة، إلى الشارع من أجل لقمة العيش الكريمة، إلى الشارع رفضا لورقة السلطة الاقتصادية المزمع طرحها التي لا تلبي المطالب الشعبية، إلى الشارع رفضا لسياسات هذه السلطة الفاسدة، والاستمرار في التحركات والمشاركة في الاعتصامات في كل لبنان ومركزية في ساحة رياض الصلح".
وطالب الاتحاد بـ"استعادة الأموال المنهوبة، وقف الهدر والفساد، ومحاسبة المتورطين، ورفض الضرائب على الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود، وتصويب الضرائب على أرباح المصارف، وإقرار ضرائب على الأثرياء والأملاك البحرية".
شلل مصرفي وتجاري
وأدت الاحتجاجات الشعبية الساخطة المتواصلة منذ الخميس الماضي، إلى شلل بالقطاعين المصرفي والتجاري. وأعلنت جمعية مصارف لبنان، في بيان أمس، استمرار إغلاق المصارف في جميع أنحاء البلاد، اليوم الإثنين، وذلك لاستمرار التحرّكات الشعبية وحرصاً على أمن وسلامة العملاء والموظفين، ومن أجل إزالة آثار الأضرار التي أصابت بعض المراكز والفروع المصرفية.
واضطُرت المصارف يوم الجمعة الماضي (يوم عمل في لبنان)، إلى إقفال أبوابها بسبب قطع الطرق وتصاعد الحركة الشعبية الاحتجاجية ضد سياسات الإفقار، وعجز السلطة عن معالجة أزمة الدولار ولجم تدهور الأوضاع المعيشية والمالية والاقتصادية، على ضوء اتساع دائرة البطالة والتفاوت الاجتماعي. وأغلقت الكثير من المحال التجارية أبوابها، ولا سيما الموجودة في الشوارع والميادين التي اندلعت فيها المظاهرات.