أصاب التراشق بالتهديدات بين أميركا وإيران، في أعقاب مقتل القائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني، المؤشرات الاقتصادية في السعودية والعديد من الدول الخليجية بالانحدار، متأثرة بحالة فزع تسيطر على المستثمرين من تطور التوترات القائمة إلى صراع مسلح تمتد شظاياه إلى منشآت حيوية في كثير من دول المنطقة.
وقفزت كلفة التأمين على ديون السعودية بنسبة 16.3 في المائة، وسط خطر التخلف عن السداد، لتتحمل وطأة رد الفعل في أسواق الشرق الأوسط عموماً. وبلغت عقود مقايضة مخاطر الائتمان السعودية لخمس سنوات 64 نقطة أساس، أمس الاثنين، ارتفاعا من 55 نقطة في الثاني من يناير/ كانون الثاني الجاري، وفقا لبيانات مؤسسة "آي.اتش.اس ماركت" العالمية للأبحاث.
والقفزة المسجلة في كلفة التأمين على ديون المملكة، أعلى من تلك التي أعقبت هجمات تبناها الحوثيون في اليمن على منشآت نفط رئيسية في السعودية، منتصف سبتمبر/ أيلول 2019، وأسفرت في بداية الأمر عن فقدان المملكة نحو نصف إنتاجها من النفط.
ويسيطر الخوف على المؤسسات المالية الدولية من تعرّض المنشآت النفطية، خاصة في الدول الحليفة لأميركا، لهجمات. وهددت طهران بالثأر لمقتل سليماني في ضربة جوية أميركية لدى وصوله إلى مطار العاصمة العراقية بغداد، فجر الجمعة الماضي، بينما لم تحدد الكيفية التي سترد بها.
وقالت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، أمس الاثنين، إن التبعات الائتمانية لصراع عسكري بين إيران والولايات المتحدة ستعتمد على عوامل مثل مداه الزمني ونطاقه، لكن قد يكون هناك تأثير على العراق ومصدري أدوات الدين في الخليج وربما لبنان.
وتحولت دول الخليج العربي الغنية بالموارد النفطية، وعلى رأسها السعودية، إلى أرض خصبة للديون في السنوات الأخيرة بعد تهاوي أسعار النفط، ولم يعد الاقتراض مقتصراً على الحكومات، وإنما دخلت شركات عملاقة في الاستدانة تحت مبررات عدة.
وارتفعت ديون الخليج إلى 501 مليار دولار، بنهاية الربع الثاني من العام 2019، مقابل 478 مليار دولار في الربع الأول من العام نفسه، وفق تقرير لبنك الكويت الوطني حول تطورات سوق أدوات الدين، نشر في أغسطس/ آب 2019.
ووفق موديز، فإن "القنوات الرئيسية لحركة الائتمان ستتلقى التأثير الفوري للصدمة على الصادرات والإيرادات المالية إذا لحق بطاقة إنتاج النفط والغاز ضرر كبير وطويل الأمد".
وارتفعت السندات الدولية التي أصدرتها الحكومة السعودية وشركة أرامكو نحو عشر نقاط أساس عند الآجال الأطول على المنحنى عند المقارنة بمستويات ما قبل اغتيال سليماني، في حين لامس سعر سهم عملاق النفط التابع للدولة أدنى مستوياته على الإطلاق.
وظهر تأثير الضربة الأميركية في أسواق الدين الأخرى في الخليج، لكنه كان أقل بشكل ملحوظ، ففي دبي زادت عقود مقايضة مخاطر الائتمان نقطة أساس واحدة فقط، في حين زادت عقود أبوظبي إلى 37 نقطة أساس من 34 في الأسبوع الماضي.
وقال مصرفي متخصص في الدين في دبي، وفق وكالة رويترز، إن أي خطط محتملة للمقترضين في المنطقة لإصدار أوراق جديدة ستتأجل على الأرجح نظرا للتقلبات في السوق، مضيفا: "الكثير من المستثمرين الأجانب تحركهم عناوين الأخبار، ولذا سيحجمون عن أي نشاط في المنطقة في ظل هذه الأوضاع المتوترة".
وسبق أن قالت السعودية إنها تتطلع لإصدار أدوات دين جديدة مقومة بالدولار لأغراض خاصة بالميزانية في بداية هذا العام.
ويتواصل العجز المالي في المملكة خلال 2020 للعام السادس على التوالي، وفق تقديرات الموازنة التي أعلنت عنها الحكومة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما يشير إلى زيادة اللجوء إلى الاقتراض والسحب من الاحتياطي النقدي للإنفاق وتحفيز الاقتصاد المتباطئ بفعل انخفاض أسعار النفط.
وبحسب مؤشرات موازنة 2020، تتوقع السعودية أن يبلغ العجز نحو 187 مليار ريال (49.8 مليار دولار)، مقابل نحو 35 مليار دولار مقدرة في 2019.
وقال فراس موداد، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "آي.اتش.اس ماركت": "كلما تفاقم التصعيد، زادت حاجة دول الخليج العربية للتمويل، وزاد الطلب علي الدين، لكن سترتفع أيضا كلفة الاقتراض الجديد".
وتواجه العديد من دول الخليج تباطؤا اقتصاديا منذ سنوات وصل إلى حد الانكماش في بعضها. ففي تقرير منفصل، كشفت مؤسسة "آي.اتش.اس ماركت" عن تراجع مؤشر مديري المشتريات الخاص بالإمارات في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وأوضح التقرير الصادر عن المؤسسة، أمس، أن قراءة الإمارات تراجعت من 50.3 نقطة في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 50.2 نقطة بالشهر الماضي ليقترب من حد الانكماش الذي يُسجل لدى انخفاضه عن مستوى 50 نقطة.
وتابع: "لم تشهد الأعمال الجديدة إلا زيادة هامشية بعد انخفاضها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، كما استمر انخفاض أسعار المبيعات، ليفرض مزيدا من الضغوط على هوامش الأرباح".
وقال مروان سلامة، الخبير في أسواق المال الخليجية، لـ"العربي الجديد"، إن نشوب صراع بين الولايات المتحدة وإيران سيضغط على الأرجح على أسواق الأسهم والسندات في الشرق الأوسط.
ودفعت الأزمة المستثمرين إلى التوجه نحو الخيارات الأكثر أمانا، ومن بينها الذهب والعملات الآمنة مثل الين الياباني.
وقال عيسى الكندري، مدير عام قطاع الأصول في المجموعة الدولية للاستثمار بالكويت، لـ"العربي الجديد"، إن الاضطرابات التي تشهدها المنطقة ستدفع مديري الصناديق الاستثمارية بدول الخليج لمزيد من التنويع في ظل حالة عدم اليقين بشأن مستقبل المنطقة.
وهددت إيران بالانتقام لمقتل سليماني، بينما توعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب برد قاس في حال تعرض الجنود أو المنشآت الأميركية في المنطقة لهجمات، مهدداً بضرب 52 موقعا في إيران، من بينها مواقع تراثية، بشكل قوي وسريع.
ويعد إغلاق مضيق هرمز، في الخليج العربي، أحد السيناريوهات التي قد تلجأ إليها طهران كإحدى أدوات الرد الاقتصادية على اغتيال سليماني، عبر تعطيل الإمدادات النفطية من دول الخليج إلى العالم. والمضيق أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن.
وبلغ معدل التدفق اليومي للنفط في المضيق 21 مليون برميل يوميا في 2018، ما يعادل 21 بالمائة من استهلاك السوائل البترولية على مستوى العالم، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ومنذ مايو/ أيار الماضي، تعرضت ناقلات نفط وطائرة تجسس أميركية للهجوم بالقرب من المضيق، الذي يدفع تعطيل الإمدادات من خلاله إلى ارتفاع تكاليف الشحن وصعود أسعار الطاقة العالمية.
ومرارا، هددت إيران بتعطيل شحنات النفط عبر مضيق هرمز، ما يحدث تداعيات صادمة للهند والصين وعشرات البلدان الأخرى التي تستورد النفط الخام في الشرق الأوسط بكميات كبيرة.
كذلك، يهدد اغتيال سليماني باحتمال قيام متظاهرين بتعطيل حقول لإنتاج النفط أو التصدير من العراق، المصنف كثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بعد السعودية، بمتوسط 4.6 ملايين برميل يوميا. وبالفعل طالب محتجون، يوم الأحد الماضي، بطرد شركة إكسون موبيل النفطية الأميركية من العراق، في احتجاج أمام مقر الشركة في البصرة، جنوب البلاد.
وقال أحمد الشطي، الخبير النفطي، لوكالة الأناضول، أمس الاثنين: "تبقى التطورات الجيوسياسية مهمه جداً، خصوصا أنها في مناطق الإنتاج التي لديها احتياطيات ضخمة ومستويات للإنتاج تضمن أمن الإمدادات، وتعمل صمام أمان في الأسواق".
وقال محللون إن تطورات الأحداث تضع المصالح الأميركية بالمنطقة في مرمى الخطر، كما تزيد أيضا مخاطر تعطل إمدادات النفط في الشرق الأوسط، سواء عن طريق تعطيل الإيرانيين لتدفقات النفط عبر مضيق هرمز، أو بالهجوم على البنية التحتية للطاقة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.