لم ييأس العلي وراح يتصل بكل أقاربه وأصدقائه، علّه يجد لدى أحدهم قارورة غاز احتياطية، إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل، بل منهم من كان محرجاً أن يسأله السؤال ذاته، متابعاً حديثه لـ"العربي الجديد": "قررت أن أبحث في السوق السوداء عن قارورة غاز، وكنت أعتقد أن سعرها ما بين خمسة آلاف ليرة سورية وسبعة آلاف ليرة(سعر صرف الدولار الواحد نحو 1200 ليرة)، لكن وجدت أن السعر قد وصل إلى 20 ألفاً في حين سعرها الرسمي 2700 ليرة"، معرباً عن أسفه "بالطبع لا يمكنني دفع مثل هذا المبلغ".
وفي القرى والمدن إن لم يكن لدى العائلة غاز منزلي، فهذا يعني أنها لن تستطيع أن تطهو طعامها، في وقت يعيش معظم السوريين في حالة اقتصادية سيئة تصل إلى حد العوز والفقر المدقع، بسبب توقف الأعمال وارتفاع جنوني للأسعار، اللذين ترافقا مع استمرار الحرب منذ العام 2011، إضافة إلى الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا الجديد، ولا يبدو أن العائلات لديها ترف وجود بدائل مناسبة عن الغاز، بحسب أم عمران أحمد، التي تعاني أيضاً من نفاد الغاز في منزلها، موضحة في حديث مع "العربي الجديد" أن "البدائل عن الغاز محدودة جداً".
ومضت قائلة: "ذهبت إلى السوق، أمس الخميس، بعدما عجزت عن تأمين قارورة غاز لأشتري فرناً يعمل على الكهرباء، وبعد جولة واسعة من البحث عن محال مفتوحة، إذ إن معظمها أغلق جراء فيروس كورونا، نجحت في العثور على أحد محال بيع الأدوات المنزلية، لأجد أن سعر الفرن الكهربائي يبدأ من 25 ألف ليرة ويصل إلى 48 ألف ليرة".
وتابعت: "طبعاً ألغيت الفكرة وسألت عن سخانة هيكلها مؤلف من معدن الألمنيوم والفخار، وجدت واحدة ثمنها 6 آلاف ليرة، كذلك الأمر إنها مرتفعة الثمن بالنسبة لي، لم تعد لدي خيارات أخرى فتوجهت عائدة إلى المنزل أجمع ما أجد بطريقي من ورق مقوى وأخشاب، حتى أستطيع أن أحضر وجبة غداء اليوم"، مضيفةً: "لا يوجد لدينا كذلك خبز يكفي، بعد أن أصبح على البطاقة الذكية".
وتحدد البطاقة الذكية اسم وعنوان المعتمد الذي يجب أن يحصل المواطن على قارورته منه، دون أي مراعاة إن كان المواطن يتنقل بين محافظتين، كأن يكون من ريف دمشق مثلاً ويسكن في دمشق، كحال أبو عثمان عبد اللطيف، الذي فرغت قارورة الغاز في منزله ببلدته بريف دمشق، وهو لا يستطيع حالياً الذهاب إلى دمشق لاستلام القارورة من المعتمد المحدد في البطاقة الذكية، جراء توقف وسائل النقل بين المحافظات، وبالتالي خسر دوره في الحصول على قارورة حتى إشعار آخر.
وتساءل مستغرباً في حديث مع "العربي الجديد"، "من وضع آلية توزيع الغاز عبر البطاقة الذكية، ألم يفكر بأن ملايين من سكان دمشق هم بالأصل من محافظات أخرى ويتنقلون في ما بينها؟ كيف سيحصل المواطن على الغاز في بلدته إذا كان مسجلاً في دمشق أو العكس؟".
وتابع: "البديل الوحيد الذي وجدناه هو صنع موقدة على الحطب، والحمد لله أنني في القرية، فهنا يتوفر القليل من الحطب والمساحة، ولكن لو كنت في دمشق فلا أعلم كيف سأتدبر أمري خاصة أنني أعيش في شقة سكنية لا توجد فيها شرفة".
وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام عاطف النداف، قد تحدث، قبل أيام، في مقابلة على الفضائية السورية الرسمية، عن وجود مشكلة في توزيع الغاز جراء نقص المادة، نتيجة "العقوبات والحصار الاقتصادي المفروض على سورية"، قائلاً: "لم يعد لدينا سوى 36% من احتياجات المواطنين بسبب نقص التوريدات".
وتعتمد حكومة النظام آلية توزيع قارورة الغاز عبر البطاقة الذكية، حيث يحصل المواطن على قارورة كل 23 يوماً، إلا أن غالبية العائلات لم تكن تحصل على حصتها في الوقت المحدد، بل كانت تنتظر أكثر من 50 يوماً ليأتي دورها، واليوم بعدما رُفعت المدة إلى شهرين، هناك مخاوف من أن ينتظر المواطن أكثر من 3 أشهر، للحصول على قارورة غاز.