تستمر الليرة التركية في تحسّنها البطيء أمام العملات الأجنبية، بعد تراجعها بين 8.5 و8.6 ليرات للدولار خلال الأشهر الماضية، لتسجل، أمس الأربعاء، 8.3 ليرات أمام العملة الأميركية، وسط توقعات باستمرار الانتعاش، رغم تثبيت البنك المركزي التركي معدل الفائدة عند 19 بالمائة، والتأكيد على الحفاظ على السياسة النقدية المتشددة.
ويصنّف الاقتصادي التركي أوجان أويصال، أسباب تعافي الليرة إلى تحسّن العلاقات التركية مع الولايات المتحدة والإمارات ومصر، معتبراً أن هذا السبب النفسي له دور كبير في استقرار سعر الصرف، وتبديد المخاوف من هزات سياسية قد تأتي على الاقتصاد التركي وتنال من سعر الصرف المحلي.
ورأى أويصال، أن زيارة طحنون بن زايد، مستشار ولي عهد أبوظبي لتركيا مؤخرا، وإجراء اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، يعد بمثابة طي لصفحة الخلافات التي عصفت بالعلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي دفع شركات إماراتية كبرى كالشركة العالمية القابضة في أبوظبي إلى الإعلان عن الاستثمار في السوق التركي.
ويأتي السبب الثاني في تحسّن سعر الليرة، برأي الاقتصادي التركي، من خلال عودة السياحة إلى تركيا بعد عام كورونا، متوقعاً أن يزيد عدد السياح هذا العام عن 30 مليون سائح رغم جائحة كورونا، ولهذا برأيه زيادة إنفاق من قبل السياح وحركة للأسواق المحلية، تساعدان في توازن العملات ودعم سعر صرف الليرة التركية.
والسبب الثالث، وفق الاقتصادي التركي، هو الارتفاع الكبير في صادرات تركيا هذا العام، إذ تعدت خلال الأشهر السبعة الماضية حاجز 120 مليار دولار. وهناك توقعات بأن يتجاوز الرقم 200 مليار دولار بنهاية العام الجاري، عادة ما تدعم حصيلة الصادرات دخل العملات الصعبة وميزان الحساب الجاري للدول.
ويضيف أويصال، لـ"العربي الجديد"، أن السبب الرابع لتسحن العملة التركية يكمن في زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي في المصرف المركزي، خاصة بعد ما قالته أحزاب معارضة عن تبديد جزء من الاحتياطي لدعم سعر الصرف، لأن الاحتياطي مؤشر قوة، وعامل مهم في استقرار سعر الصرف، ومؤشر يعتمده المضاربون.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد، أول من أمس، أن احتياطي البنك المركزي التركي تجاوز 118 مليار دولار، اعتبارا من 27 أغسطس/آب الماضي، وأن بلاده تهدف إلى رفع الدخل القومي الإجمالي إلى أكثر من 800 مليار دولار خلال العام الجاري.
وأضاف أردوغان أن بلاده تسعى إلى خفض عجز الميزانية للعام الجاري إلى 3.5 في المائة، كاشفاً أن إيرادات قطاع السياحة ارتفعت 31 بالمائة، اعتبارا من يونيو/حزيران 2021، والهدف تحقيق 33 مليار دولار، ما يساهم بشكل كبير في تحسين الحساب الجاري.
كما أشار محافظ البنك المركزي التركي، شهاب قاوجي أوغلو، الأربعاء إلى أن احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي تراوح بين 115 - 120 مليار دولار، مضيفا: "أعتقد أننا سنبلغ موقعا أقوى عبر زيادة كمية الاحتياطي".
وأضاف قائلا: "من حيث المديونية، تميز تركيا نفسها بوضوح عن البلدان المتقدمة في جميع الفئات، وعندما ننظر إلى وضع تركيا مقارنة بالدول النامية، يمكنني القول إننا في وضع جيد نسبيا من حيث المديونية العامة والداخلية".
من جهته، يعتبر أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو، أن ثنائية عودة السياحة وضخ العملات الأجنبية وتحسن العلاقات التركية السياسية الخارجية، بعثت نوعاً من الارتياح في الأسواق المحلية، وأدت إلى توازن المعروض النقدي، وبالتالي تحسّن سعر الليرة التي وصلت، قبل أيام، إلى 8.22 مقابل الدولار الواحد.
ويتوقع شعبو، خلال تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تتحسن الليرة أمام العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار واليورو خلال الفترة المقبلة، نتيجة تحسن العلاقات التركية مع مصر ودول خليجية منها السعودية والإمارات، وما يقال عن تناغم تركي أميركي في ملفات عدة، منها أفغانستان، لأن العامل السياسي، برأي أستاذ المالية، هو أهم أسباب تراجع سعر صرف العملة التركية، لأن المؤشرات الاقتصادية حتى خلال عام كورونا لم تكن سيئة، بل سجلت تركيا ثاني نسبة نمو في العام الماضي.
وحول تراجع سعر الليرة أمس، بعد أسبوع من التحسن، يرجّح شعبو أن لتصريحات محافظ المصرف المركزي الدور الأهم، لكن التراجع سيتوقف وتعاود الليرة تعافيها.
وكان محافظ البنك المركزي التركي، قد أعلن، يوم الأربعاء، عن تحسّن في أرقام التضخم، بما يلمح إلى اقتراب البنك المركزي من خفض معدل الفائدة، رغم التضخم الخارج عن السيطرة.
وقال شهاب أوغلو، أثناء الاجتماع الاقتصادي لغرفة التجارة والصناعة الألمانية التركية، "عند مقارنة الاقتصاد التركي بغيره من الاقتصادات الناشئة، نرى أن هناك مجالا لتحسن التضخم والاحتياطي وعلاوة المخاطرة في تركيا، وجاءت لغة أوغلو واثقة في الاقتصاد التركي ومدللة على تعافيه".
كما أعلن محافظ المركزي التركي، أن البلاد كانت بين اقتصادات أحرزت تقدما في السياسات المالية والنقدية الداعمة وبرامج التحصين، وحققت نجاحات باحتواء جائحة كورونا، الأمر الذي انعكس إيجابًا على الإنتاج والاستثمار والتوظيف.
وقال إن التطورات أظهرت زيادة عائدات شركاء تركيا التجاريين، ما كشف عن تحسن توقعات الطلب الخارجي، وأضاف: "الانتعاش الاقتصادي لشركائنا التجاريين تطور إيجابي يساهم في زيادة صادراتنا".
وأعرب محافظ البنك المركزي عن اعتقاده بأن ثمة متسعا للتحسن في الاقتصاد التركي من حيث التضخم والاحتياطيات وعلاوات المخاطرة.
وأكد أن العوامل المؤقتة المؤثرة على توقعات التضخم ستفقد تأثيرها على المدى القصير وسيدخل التضخم في اتجاه الهبوط خلال الربع الأخير من العام الجاري.
وتابع: "إضافة إلى التحسن في ميزان الحساب الجاري، ستستمر عملية التحسن في علاوة المخاطر التي تؤثر على تكاليف الاقتراض طالما أننا نحرز تقدما في جهودنا المتعلقة بالتضخم وتراكم الاحتياطي".