أعادت واقعة هدم فيلا شيكوريل الأثرية بمحافظة الإسكندرية فتح ملف العقارات والمباني التراثية التي تتعرض لمذبحة على يد مقاولي الهدم واستبدالها بأبراج شاهقة، وهو ما يهدد بطمس المعالم المعمارية التي تتميز بها المدينة الساحلية عن كافة المحافظات، وتشكل أحد مقومات هويتها الجمالية.
وعلى الرغم من رفض أهالي المدينة الساحلية وصرخات عدد كبير من المهتمين بالثقافة والتراث والآثار، للمطالبة بسرعة التحرك لمواجهة أزمة التراث المعماري ووقف هذه التعديات وإنقاذه من أيدي المالكين والمقاولين، لم تفلح أغلبها أمام جشع المقاولين وغياب الرقابة وانفلات الأمن.
وتضم الإسكندرية مباني أثرية عدة ومتنوعة منتشرة في عدد من المناطق تتميز بروعة التصاميم والمصنفة تراثاً عالمياً أو وطنياً، وتشكل أحد مقومات هويتها وقيمتها التاريخية، بل وتاريخ مصر على جميع الأصعدة السياسية والفكرية.
فيما نظم عدد من الناشطين وقفات احتجاجية لوقف هذا النزيف المستمر لتراث المدينة العريق للحفاظ على تلك المباني ذات القيمة التراثية، التي تقلصت أعدادها في الفترة الأخيرة في غياب تام من الأجهزة التنفيذية.
وتعود ملكية "فيلا شيكوريل" إلى الثري اليهودي شيكوريل، الذي بناها في عام 1930، على طراز يسمى "Art Deco" وأدرجت في قائمة حفظ التراث برقم 278 لسنة 2008، وبصدور قوانين التأميم في الخمسينيات والستينيات تم نزع ملكية الفيلا لتصبح مقرا تابعا لرئاسة الجمهورية، ثم انتقلت تبعيتها إلى الشركة العربية للملاحة البحرية، إلا إنها تعرضت لتشويه معالمها وهدم أجزاء منها على مدار عام قبل أن يقوم مالك الأرض المبنية عليها الفيلا منذ أيام بهدمها بالكامل حتى سطح الأرض.
ولم يكن "شيكوريل" أول المباني التراثية التي لقت حتفها تحت عجلات البلدوزر، ويضيع تاريخها وعظمتها بل سبقتها مبانٍ عدة، منها فندق ماجيستك، وفيلا سباهي، وإمبرون، وغيرها كثير من العقارات التي شُيدت لتكون مناسبة لأرقى مدن العالم، وانتهت إلى الإهمال بين أصوات الكراكات التي تهدم يومياً تراثاً سعى أصحابه لتخليده.
وبحسب إحصائية للجنة الحفاظ على التراث بالإسكندرية، تمكّن ملاك 52 مبنى من إخراجها من مجلد الحفاظ على التراث، بعد الحصول على أحكام قضائية، وجرى هدم 33 منها خلال السنوات السبع الماضية، والباقي ينتظر قرار إعدامه ليصبح أكواما من الحجارة أو عمارة شاهقة تتحدى كل القوانين.
وأصدرت مبادرة "أنقذوا الإسكندرية" والتي تتولى مهمة التصدي لمحاولات طمس التراث المعماري بالإسكندرية، بيانا أشارت فيه إلى أن هدم فيلا شيكوريل يأتي ضمن عشرات المباني التراثية الهامة التي حذفت أو هدمت في الآونة الأخيرة.
وأكد البيان أن الأمر يستلزم توفير الإرادة السياسية والشعبية، وتضامن جميع مؤسسات الدولة والمجتمع لمواجهة هذا النزيف، وانتهاج سياسة عمرانية من شأنها معالجة المسألة بشكل جذري عن طريق تحويل المبنى من عبء على المالك والمدينة إلى فرصة يستثمرها الجميع.
وطالبت المبادرة بتعديل في الإطار الدستوري والقانوني للتغلب على الثغرات التي يستغلها البعض، خاصة نص المادة الثانية من القانون 144 لسنة 2006 لتتلاءم مع نص المادة الثانية من لائحته التنفيذية، وذلك لتجعل التميز العمراني سببًا في ذاته للإدراج في مجلد الحفاظ على التراث والمباني الأثرية، لتكون بمثابة خطوة أولى لحزمة قرارات وسياسات لحماية التراث العمراني.
كما طالبت المبادرة كافة مؤسسات الدولة والجهات المعنية بالاطلاع والتحرك الفوري بشكل متكامل واستخدام كافة الصلاحيات التي يوفرها القانون لمواجهة ما يتعرض له الوطن بصفة عامة والإسكندرية بصفة خاصة من خسارات متتالية وفادحة لمبانٍ ومنشآت ذات قيمة لا تعوض، بما ينذر بكارثة تواجه التراث العمراني والمعماري بالمدن المصرية.
بدوره، قال مدير مركز الدراسات في مكتبة الإسكندرية، رئيس لجنة حماية التراث المعماري الدكتور محمد عوض، إن فيلا شيكوريل تعرضت لتشويه متعمد خلال الفترة الماضية وتم هدم أجزاء منها لضياع ملامحها وتكوينها التراثي منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، عندما حاول مالك الفيلا التلاعب والعبث بالأساسات والأعمدة الإنشائية، وانضمت إلى العديد من المباني الأثرية التي فقدتها المدينة في الفترة الأخيرة على يد المقاولين الذين يسعون إلى الربح المادي وبناء عمارات وأبراج سكنية وهو ما يهدد تاريخ وتراث الإسكندرية. وأشار إلى إنه يوجد في الإسكندرية نحو ١١٣٥ مبنى تاريخياً ونادراً تحتاج للصيانة، باعتبارها "تراثا معماريا" لا يعرف الكثير من المسؤولين قيمتها التاريخية..
اقــرأ أيضاً
ولفت المدير العام السابق لإدارة التوثيق للآثار في الوجه البحري الأثري محمد نجم، إلى أن القانون لا يعطي للآثار الولاية على الفيلات والمباني الأثرية إلا إذا انتقلت ملكيتها إليها ودفعت تعويضات لأصحابها، منوها بأن الوزارة ليس لديها أموال تكفي لهذا الأمر، في المقابل يحرص أصحاب الفيلات على هدمها وإقامة مبانٍ شاهقة وتمليكها بأسعار مرتفعة، ولا يهمهم الحفاظ على التراث المعماري أو القيمة الأثرية للمبنى.
محمد عبد العزيز، المحامي والخبير القانوني، أكد أن القانون يمنع هدم أي عقار ذي طراز معماري مميز، إلا أن بعض مؤسسات الدولة التنفيذية في أحكام القضاء والثغرات القانونية تعطي مبرراً للسماح بهدم التراث الأثري للمدينة العريقة، وأكد أن هدم مبنى تراثي أو تشويهه جريمة قانونية تتم بطريقة ممنهجة لا تقل في خطورتها عن تقاعس وإهمال المسؤولين عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته وملاحقة مرتكبيها.
اقــرأ أيضاً
وعلى الرغم من رفض أهالي المدينة الساحلية وصرخات عدد كبير من المهتمين بالثقافة والتراث والآثار، للمطالبة بسرعة التحرك لمواجهة أزمة التراث المعماري ووقف هذه التعديات وإنقاذه من أيدي المالكين والمقاولين، لم تفلح أغلبها أمام جشع المقاولين وغياب الرقابة وانفلات الأمن.
وتضم الإسكندرية مباني أثرية عدة ومتنوعة منتشرة في عدد من المناطق تتميز بروعة التصاميم والمصنفة تراثاً عالمياً أو وطنياً، وتشكل أحد مقومات هويتها وقيمتها التاريخية، بل وتاريخ مصر على جميع الأصعدة السياسية والفكرية.
فيما نظم عدد من الناشطين وقفات احتجاجية لوقف هذا النزيف المستمر لتراث المدينة العريق للحفاظ على تلك المباني ذات القيمة التراثية، التي تقلصت أعدادها في الفترة الأخيرة في غياب تام من الأجهزة التنفيذية.
وتعود ملكية "فيلا شيكوريل" إلى الثري اليهودي شيكوريل، الذي بناها في عام 1930، على طراز يسمى "Art Deco" وأدرجت في قائمة حفظ التراث برقم 278 لسنة 2008، وبصدور قوانين التأميم في الخمسينيات والستينيات تم نزع ملكية الفيلا لتصبح مقرا تابعا لرئاسة الجمهورية، ثم انتقلت تبعيتها إلى الشركة العربية للملاحة البحرية، إلا إنها تعرضت لتشويه معالمها وهدم أجزاء منها على مدار عام قبل أن يقوم مالك الأرض المبنية عليها الفيلا منذ أيام بهدمها بالكامل حتى سطح الأرض.
ولم يكن "شيكوريل" أول المباني التراثية التي لقت حتفها تحت عجلات البلدوزر، ويضيع تاريخها وعظمتها بل سبقتها مبانٍ عدة، منها فندق ماجيستك، وفيلا سباهي، وإمبرون، وغيرها كثير من العقارات التي شُيدت لتكون مناسبة لأرقى مدن العالم، وانتهت إلى الإهمال بين أصوات الكراكات التي تهدم يومياً تراثاً سعى أصحابه لتخليده.
وبحسب إحصائية للجنة الحفاظ على التراث بالإسكندرية، تمكّن ملاك 52 مبنى من إخراجها من مجلد الحفاظ على التراث، بعد الحصول على أحكام قضائية، وجرى هدم 33 منها خلال السنوات السبع الماضية، والباقي ينتظر قرار إعدامه ليصبح أكواما من الحجارة أو عمارة شاهقة تتحدى كل القوانين.
وأصدرت مبادرة "أنقذوا الإسكندرية" والتي تتولى مهمة التصدي لمحاولات طمس التراث المعماري بالإسكندرية، بيانا أشارت فيه إلى أن هدم فيلا شيكوريل يأتي ضمن عشرات المباني التراثية الهامة التي حذفت أو هدمت في الآونة الأخيرة.
وأكد البيان أن الأمر يستلزم توفير الإرادة السياسية والشعبية، وتضامن جميع مؤسسات الدولة والمجتمع لمواجهة هذا النزيف، وانتهاج سياسة عمرانية من شأنها معالجة المسألة بشكل جذري عن طريق تحويل المبنى من عبء على المالك والمدينة إلى فرصة يستثمرها الجميع.
وطالبت المبادرة بتعديل في الإطار الدستوري والقانوني للتغلب على الثغرات التي يستغلها البعض، خاصة نص المادة الثانية من القانون 144 لسنة 2006 لتتلاءم مع نص المادة الثانية من لائحته التنفيذية، وذلك لتجعل التميز العمراني سببًا في ذاته للإدراج في مجلد الحفاظ على التراث والمباني الأثرية، لتكون بمثابة خطوة أولى لحزمة قرارات وسياسات لحماية التراث العمراني.
كما طالبت المبادرة كافة مؤسسات الدولة والجهات المعنية بالاطلاع والتحرك الفوري بشكل متكامل واستخدام كافة الصلاحيات التي يوفرها القانون لمواجهة ما يتعرض له الوطن بصفة عامة والإسكندرية بصفة خاصة من خسارات متتالية وفادحة لمبانٍ ومنشآت ذات قيمة لا تعوض، بما ينذر بكارثة تواجه التراث العمراني والمعماري بالمدن المصرية.
بدوره، قال مدير مركز الدراسات في مكتبة الإسكندرية، رئيس لجنة حماية التراث المعماري الدكتور محمد عوض، إن فيلا شيكوريل تعرضت لتشويه متعمد خلال الفترة الماضية وتم هدم أجزاء منها لضياع ملامحها وتكوينها التراثي منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، عندما حاول مالك الفيلا التلاعب والعبث بالأساسات والأعمدة الإنشائية، وانضمت إلى العديد من المباني الأثرية التي فقدتها المدينة في الفترة الأخيرة على يد المقاولين الذين يسعون إلى الربح المادي وبناء عمارات وأبراج سكنية وهو ما يهدد تاريخ وتراث الإسكندرية. وأشار إلى إنه يوجد في الإسكندرية نحو ١١٣٥ مبنى تاريخياً ونادراً تحتاج للصيانة، باعتبارها "تراثا معماريا" لا يعرف الكثير من المسؤولين قيمتها التاريخية..
ولفت المدير العام السابق لإدارة التوثيق للآثار في الوجه البحري الأثري محمد نجم، إلى أن القانون لا يعطي للآثار الولاية على الفيلات والمباني الأثرية إلا إذا انتقلت ملكيتها إليها ودفعت تعويضات لأصحابها، منوها بأن الوزارة ليس لديها أموال تكفي لهذا الأمر، في المقابل يحرص أصحاب الفيلات على هدمها وإقامة مبانٍ شاهقة وتمليكها بأسعار مرتفعة، ولا يهمهم الحفاظ على التراث المعماري أو القيمة الأثرية للمبنى.
محمد عبد العزيز، المحامي والخبير القانوني، أكد أن القانون يمنع هدم أي عقار ذي طراز معماري مميز، إلا أن بعض مؤسسات الدولة التنفيذية في أحكام القضاء والثغرات القانونية تعطي مبرراً للسماح بهدم التراث الأثري للمدينة العريقة، وأكد أن هدم مبنى تراثي أو تشويهه جريمة قانونية تتم بطريقة ممنهجة لا تقل في خطورتها عن تقاعس وإهمال المسؤولين عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته وملاحقة مرتكبيها.