تُحافظ "أيام بيروت السينمائية" ـ المهتمّة بصناعة الأفلام العربية المستقلّة، أو الخارجة على النظام الإنتاجيّ السائد في العالم العربي ـ على ابتعادها المطلق عن المنافسة والجوائز والنجوم.
تكتفي بأن تكون مساحةً سينمائية لأفلامٍ لا تعثر على صالاتٍ تجارية بسهولة، ولا تملك شعبيةً كبيرة، ولا تُقْنِع غالبية المحطات التلفزيونية العربية بأهمية ما تصبو إليه، من تجديد في شكل الصورة، وأسلوب المعالجة، وآليات الإنتاج، وطرح المواضيع، وإدارة التمثيل، وغيرها من الفنون والتقنيات.
لكن هذا كلّه لن يقف حائلاً دون قدرة "الجمعية الثقافية للإنتاج السمعي البصري ـ بيروت دي. سي."، مُنظّمة الـ "أيام" منذ عام 2001 (ضمن مهرجان سينمائيّ شبابي، أطلقته حينها "جمعية شمس")، على تشكيل "جمهور"، معنيّ بصناعة الصورة العربية، ومتابعٍ لنتاجاتها المختلفة، وساعٍ إلى مواكبة تحوّلاتها واختباراتها وأنماط اشتغالها. والتشكيل يجتهد، في كلّ دورة، لمنح الـ "جمهور" ثقافة الـ "مُشاهدة"، فيُصبح متابعو الـ "أيام" (التي تُقام مرة واحدة كلّ عامين) مشاهدين فاعلين ومؤثّرين، يتابعون العروض، ويحضرون الندوات، ويناقشون ما يُطرح في الأفلام واللقاءات من أفكار وأنماط وحكايات ومواقف وتأمّلات.
ورغم أن المقارنة بين جمهور "أيام بيروت السينمائية" وجمهور المهرجانات الأخرى، التي تُقام في العاصمة اللبنانية، كما في مدنٍ عربية عديدة، لن يكون صائباً، لأسباب عديدة، منها: العدد، والعلاقة الجامعة بين المشاهدين والسينما، ونوعية المُشاهدة وكيفيتها، والسلوك داخل الصالة وأثناء المُشاهدة، وغيرها (وهذا يكاد يكون متشابهاً في سلبيته، إذْ نادراً ما تعثر على مشاهدين يمتلكون حساسية المُشاهدة وأخلاقياتها وفنها)؛ إلا أن مشاهدي هذا المهرجان البيروتيّ، والذين لا يختلفون كثيراً عن مشاهدي "مهرجان السينما الأوروبية" مثلاً، أو بعض التظاهرات التي تجمع السينما بالثقافة، وتمتلك حدّاً من مصداقية التواصل السينمائيّ مع الناس، يبدون اهتماماً بما يُقدَّم لهم من أفلامٍ، يغلب عليها الإنتاج الحديث.
وإذْ تتراوح انطباعات مشاهدين كثيرين بين المتداول والبسيط (هذا مهرجانٌ يُقدِّم ما لا يُشَاهد في الصالات التجارية)، والثقافي السجاليّ (هذا مهرجان يُتيح للراغبين فرصة التنبّه إلى بعض أبرز النتاجات الحديثة والتجديدية في السينما العربية، فيُقدّمها ضمن إطار ثقافي)؛ فإنّ "الاستماع" إلى ما يُقال ويُتَدَاول في أروقة المهرجان البيروتيّ الذي تُقام عروضه ونشاطاته في أكثر من صالة سينمائية (بالإضافة إلى مراكز ثقافية وفنية معروفة في بيروت، كـ "دواوين" و"متحف سرسق")، يكشف جوانب من علاقةٍ تتخطّى المتداول والسجاليّ، إلى ما يُمكن وصفه بالإنسانيّ والحميم.
فبعض هؤلاء يقول بحيوية الـ "أيام"، في ارتباطها الوثيق بالتجديد السينمائيّ؛ وبعضٌ آخر يجد فيها مساحة تواصل مع لغة وجماليات تتفنّن في ابتكار المختلف، في معالجاتها مواضيع، وإنْ يكن معظمها متشابهاً. هناك من يُكرِّر أهمية الابتعاد عن النجومية والأضواء، مشيراً إلى أولوية السينما، أفلاماً وعروضاً ولقاءاتٍ وملتقياتٍ وندوات. فالبساطة في التنظيم والإدارة تبدو كأنها سمة أساسية للـ "أيام"، من دون أن يعني هذا تغييباً للجماليّ والسجاليّ والصادم، شكلاً وروحاً ومعاينة وجوهراً سينمائياً.
و"أيام بيروت السينمائية" تمتلك، أيضاً، ميزةً تتفوّق، بفضلها، على مهرجاناتٍ محلية/ عربية، متخصّصة بالسينما الغربية مثلاً، وتتمثّل بخياراتها العربية، التي يصعب، غالباً، الحصول على نسخ "دي. في. دي." (وإنْ تكن مقرصنة) منها. وهذا يؤدّي إلى نوعٍ من تحريضٍ على الذهاب إلى صالة سينمائية، لمُشاهدة فيلمٍ سينمائيّ فيها، ضمن إطار مهرجانٍ سينمائيّ.
وإذْ تُضاف هذه الميزة إلى ابتعاد المهرجان عن "ثقافة" النجوم والأضواء والفعل الاستعراضيّ، يُصبح مُحقِّاً القول إن ما تصبو "جمعية بيروت دي. سي." إليه يتجاوز الظاهر إلى ما هو أهمّ وأعمق: مُشاهدة عددٍ من الأفلام، ذات القيم الفنية والدرامية والجمالية والإنسانية المتنوّعة والمهمّة.
اقــرأ أيضاً
لكن المهرجان "مستقلٌّ"، وتمويله لا يحصل على ميزانية كبيرة، والدعم الماليّ يأتيه من مصادر مختلفة، لعلّ أبرزها يكمن في التبرّعات. فعشيّة افتتاح الدورة الـ 9 (15 ـ 24 مارس/ آذار 2017)، توجّهت إدارة الـ "أيام" إلى "جمهورها"، مُقدِّمةً له 3 أنواع من التبرّعات المالية، لقاء امتيازاتٍ مختلفة: ففي مقابل 50 دولارا أميركيا، يحصل المتبرّع على دعوتين لحضور فيلمي الافتتاح ("ربيع" لفاتشي بولغورجيان، و"اصطياد أشباح" لرائد أنضوني)، و20 بطاقة لشخص واحد، تخوّله مشاهدة 20 فيلماً (علماً أن هناك حفلاتٍ تضمّ، كل واحدة منها، أفلاماً وثائقية قصيرة، وأخرى تجريبية أو روائية قصيرة، في حين أن ثمن بطاقة الدخول الواحدة يساوي 5 آلاف ليرة لبنانية، أي أكثر من 3 دولارات أميركية بقليل). وفي مقابل 100 دولار أميركي، يحصل المتبرّع على الامتيازات نفسها، بالإضافة إلى "شكرٍ خاص في كاتالوغ المهرجان". أما الـ 150 دولارا أميركيا، فتتيح للمتبرّع الحصول على دعوتي الافتتاح والختام، ودعوة ثالثة مفتوحة لكامل المهرجان، لشخص واحد، بالإضافة إلى "شكرٍ خاص في كاتالوغ المهرجان" و"عشاء مع فريق المهرجان والمخرجين".
هذا يؤكّد شفافية السلوك العمليّ لفريق المهرجان (المديرة الفنية: زينة صفير)، التي تُضيف إلى العمل برمّته مصداقية التعامل مع جمهور الـ "أيام"، المُضافة أيضاً على مصداقية اختيار أفلامٍ، تعكس (الأفلام المختارة) شيئاً كثيراً من حيوية النبض الإنساني العربي الراهن.
اقــرأ أيضاً
تكتفي بأن تكون مساحةً سينمائية لأفلامٍ لا تعثر على صالاتٍ تجارية بسهولة، ولا تملك شعبيةً كبيرة، ولا تُقْنِع غالبية المحطات التلفزيونية العربية بأهمية ما تصبو إليه، من تجديد في شكل الصورة، وأسلوب المعالجة، وآليات الإنتاج، وطرح المواضيع، وإدارة التمثيل، وغيرها من الفنون والتقنيات.
لكن هذا كلّه لن يقف حائلاً دون قدرة "الجمعية الثقافية للإنتاج السمعي البصري ـ بيروت دي. سي."، مُنظّمة الـ "أيام" منذ عام 2001 (ضمن مهرجان سينمائيّ شبابي، أطلقته حينها "جمعية شمس")، على تشكيل "جمهور"، معنيّ بصناعة الصورة العربية، ومتابعٍ لنتاجاتها المختلفة، وساعٍ إلى مواكبة تحوّلاتها واختباراتها وأنماط اشتغالها. والتشكيل يجتهد، في كلّ دورة، لمنح الـ "جمهور" ثقافة الـ "مُشاهدة"، فيُصبح متابعو الـ "أيام" (التي تُقام مرة واحدة كلّ عامين) مشاهدين فاعلين ومؤثّرين، يتابعون العروض، ويحضرون الندوات، ويناقشون ما يُطرح في الأفلام واللقاءات من أفكار وأنماط وحكايات ومواقف وتأمّلات.
ورغم أن المقارنة بين جمهور "أيام بيروت السينمائية" وجمهور المهرجانات الأخرى، التي تُقام في العاصمة اللبنانية، كما في مدنٍ عربية عديدة، لن يكون صائباً، لأسباب عديدة، منها: العدد، والعلاقة الجامعة بين المشاهدين والسينما، ونوعية المُشاهدة وكيفيتها، والسلوك داخل الصالة وأثناء المُشاهدة، وغيرها (وهذا يكاد يكون متشابهاً في سلبيته، إذْ نادراً ما تعثر على مشاهدين يمتلكون حساسية المُشاهدة وأخلاقياتها وفنها)؛ إلا أن مشاهدي هذا المهرجان البيروتيّ، والذين لا يختلفون كثيراً عن مشاهدي "مهرجان السينما الأوروبية" مثلاً، أو بعض التظاهرات التي تجمع السينما بالثقافة، وتمتلك حدّاً من مصداقية التواصل السينمائيّ مع الناس، يبدون اهتماماً بما يُقدَّم لهم من أفلامٍ، يغلب عليها الإنتاج الحديث.
وإذْ تتراوح انطباعات مشاهدين كثيرين بين المتداول والبسيط (هذا مهرجانٌ يُقدِّم ما لا يُشَاهد في الصالات التجارية)، والثقافي السجاليّ (هذا مهرجان يُتيح للراغبين فرصة التنبّه إلى بعض أبرز النتاجات الحديثة والتجديدية في السينما العربية، فيُقدّمها ضمن إطار ثقافي)؛ فإنّ "الاستماع" إلى ما يُقال ويُتَدَاول في أروقة المهرجان البيروتيّ الذي تُقام عروضه ونشاطاته في أكثر من صالة سينمائية (بالإضافة إلى مراكز ثقافية وفنية معروفة في بيروت، كـ "دواوين" و"متحف سرسق")، يكشف جوانب من علاقةٍ تتخطّى المتداول والسجاليّ، إلى ما يُمكن وصفه بالإنسانيّ والحميم.
فبعض هؤلاء يقول بحيوية الـ "أيام"، في ارتباطها الوثيق بالتجديد السينمائيّ؛ وبعضٌ آخر يجد فيها مساحة تواصل مع لغة وجماليات تتفنّن في ابتكار المختلف، في معالجاتها مواضيع، وإنْ يكن معظمها متشابهاً. هناك من يُكرِّر أهمية الابتعاد عن النجومية والأضواء، مشيراً إلى أولوية السينما، أفلاماً وعروضاً ولقاءاتٍ وملتقياتٍ وندوات. فالبساطة في التنظيم والإدارة تبدو كأنها سمة أساسية للـ "أيام"، من دون أن يعني هذا تغييباً للجماليّ والسجاليّ والصادم، شكلاً وروحاً ومعاينة وجوهراً سينمائياً.
و"أيام بيروت السينمائية" تمتلك، أيضاً، ميزةً تتفوّق، بفضلها، على مهرجاناتٍ محلية/ عربية، متخصّصة بالسينما الغربية مثلاً، وتتمثّل بخياراتها العربية، التي يصعب، غالباً، الحصول على نسخ "دي. في. دي." (وإنْ تكن مقرصنة) منها. وهذا يؤدّي إلى نوعٍ من تحريضٍ على الذهاب إلى صالة سينمائية، لمُشاهدة فيلمٍ سينمائيّ فيها، ضمن إطار مهرجانٍ سينمائيّ.
وإذْ تُضاف هذه الميزة إلى ابتعاد المهرجان عن "ثقافة" النجوم والأضواء والفعل الاستعراضيّ، يُصبح مُحقِّاً القول إن ما تصبو "جمعية بيروت دي. سي." إليه يتجاوز الظاهر إلى ما هو أهمّ وأعمق: مُشاهدة عددٍ من الأفلام، ذات القيم الفنية والدرامية والجمالية والإنسانية المتنوّعة والمهمّة.
لكن المهرجان "مستقلٌّ"، وتمويله لا يحصل على ميزانية كبيرة، والدعم الماليّ يأتيه من مصادر مختلفة، لعلّ أبرزها يكمن في التبرّعات. فعشيّة افتتاح الدورة الـ 9 (15 ـ 24 مارس/ آذار 2017)، توجّهت إدارة الـ "أيام" إلى "جمهورها"، مُقدِّمةً له 3 أنواع من التبرّعات المالية، لقاء امتيازاتٍ مختلفة: ففي مقابل 50 دولارا أميركيا، يحصل المتبرّع على دعوتين لحضور فيلمي الافتتاح ("ربيع" لفاتشي بولغورجيان، و"اصطياد أشباح" لرائد أنضوني)، و20 بطاقة لشخص واحد، تخوّله مشاهدة 20 فيلماً (علماً أن هناك حفلاتٍ تضمّ، كل واحدة منها، أفلاماً وثائقية قصيرة، وأخرى تجريبية أو روائية قصيرة، في حين أن ثمن بطاقة الدخول الواحدة يساوي 5 آلاف ليرة لبنانية، أي أكثر من 3 دولارات أميركية بقليل). وفي مقابل 100 دولار أميركي، يحصل المتبرّع على الامتيازات نفسها، بالإضافة إلى "شكرٍ خاص في كاتالوغ المهرجان". أما الـ 150 دولارا أميركيا، فتتيح للمتبرّع الحصول على دعوتي الافتتاح والختام، ودعوة ثالثة مفتوحة لكامل المهرجان، لشخص واحد، بالإضافة إلى "شكرٍ خاص في كاتالوغ المهرجان" و"عشاء مع فريق المهرجان والمخرجين".
هذا يؤكّد شفافية السلوك العمليّ لفريق المهرجان (المديرة الفنية: زينة صفير)، التي تُضيف إلى العمل برمّته مصداقية التعامل مع جمهور الـ "أيام"، المُضافة أيضاً على مصداقية اختيار أفلامٍ، تعكس (الأفلام المختارة) شيئاً كثيراً من حيوية النبض الإنساني العربي الراهن.