أمورٌ كثيرة يُثيرها "دانكيرك" لكريستوفر نولان، "يفرض" أحدها إجراء مقارنة بين علاقة غربيين بتاريخهم، وعلاقة عربٍ بتاريخهم. العلاقتان متناقضتان تماماً، وإنْ يستمرّ عربٌ كثيرون في العيش في ماضيهم، بل في الحالات المظلمة منه، بدلاً من مواكبة كلّ تطوّر ممكن، لبلوغ راهنٍ يُمكن أن يكون مختلفاً، لولا التعلّق الغرائزي بسلبيات الماضي، كما بأعمال عنفٍ وتراجع وهزائم، مستمرة من ذاك الماضي إلى هذا الراهن.
في الغرب، يغرف كثيرون من تاريخهم ما يُعين على مزيدٍ من التنبّه والوعي والنقاش والتفكيك، وتفعيل ارتباط إنساني راقٍ براهنٍ يريدونه حصانةً لهم من كلّ سقوط في الجنون والجريمة والخراب. في الغرب، يقرؤون تاريخهم بهدوء وانفتاح، ويبحثون فيه عن كلّ مُخبّئ ومجهول، فيزيلون عنه بعض الغبار، ويُقدّمونه إلى أنفسهم وأبنائهم وأحفادهم، كي يرتقي بهم الوعيُ المعرفيُ إلى مراتب أعلى وأعمق وأمتن في المعنى الأسمى للإنسانية والانفتاح والتواصل والسجال. في الغرب، يكترثون بكل ما يحمله تاريخهم من أفعال وحكايات، تروي كتبٌ بعضَها، ويحتفظ أناسٌ بمرويّاتها الشفهية، فيُنقّيها باحثون من شوائب وأعطاب، ويستند سينمائيون على فصولٍ منها، كي يصنعوا من لغة الصورة تمريناً إضافياً لهم على ابتكار كلّ جديد ممكن، وكي يجعلوا صنيعهم مرايا ذات بيئة ومناخات وعلاقات، فيجتهدون في دفع التعبير السينمائيّ إلى آفاق جديدة.
لن يقف الغربيون عندّ حدّ. تاريخهم القريب حاضرٌ، كذاك البعيد. يحتفلون بحدثٍ تاريخي قريب أو موغل في الزمن، ويستفيدون من دورسٍ تُنتجها حروب وقصص وأحداث وشخصيات، يُشرّحونها غير آبهين بمحرّمات، ويغوصون في تشعّباتها ومتاهاتها بأدوات مختلفة، منها "الصورة المتحركة"، غير مكترثين بموانع أو قيود. يعودون إلى أزمنة سحيقة في القدم، ويُعيدون صوغ المشهد بحسب متطلبات صناعة الصورة، وإنْ يستفزّوا بهذا ـ أحياناً ـ "متعصّبين" لحقائق ووقائع، أو مؤرّخين وباحثين ومنقّبين ينتبهوا إلى أن الفنّ أكبر من أن يحصره علم التاريخ، لكنهم يستنفرون معارفهم كي يناقشوا ويحلِّلوا وينتقدوا صنيعاً سينمائياً "يُخالف" معارفهم التاريخية تلك، بينما ينتبه بعضهم الأقلّ إلى أن السينما لن تكون، أبداً، "درساً في التاريخ"، بل فعلاً إبداعياً، له حرية مطلقة في مقاربة كلّ شيء، بلغة خاصّة به.
لن يهدأ سينمائيون غربيون عديدون. لن يكترثوا بـ "حجم" الحكاية أو الشخصية أو الحدث. همّهم محصورٌ بمدى ما تحمله تلك الحكاية أو هذه الشخصية أو ذاك الحدث من أبعادٍ درامية، قابلة للتحوّل إلى صنيع بصري يحمل إسقاطات السينمائيّ الذي يبتكره، وعلاقته الانفعالية والذاتية والتأمّلية بماضٍ وراهنٍ، كما بالسينما والحياة والتفكير.
هذا غائبٌ في العالم العربي، المسحور بالمُحرَّم والممنوع، والعاجز عن السجال والتنقيب والتفكيك، والرافض لكلّ خروجٍ من سلبيات ماضيه، رغم أن في ماضيه إيجابيّات يبرع العربيّ، دائماً، في تشويهها وتمزيقها وإلغائها.
اقــرأ أيضاً
لن يقف الغربيون عندّ حدّ. تاريخهم القريب حاضرٌ، كذاك البعيد. يحتفلون بحدثٍ تاريخي قريب أو موغل في الزمن، ويستفيدون من دورسٍ تُنتجها حروب وقصص وأحداث وشخصيات، يُشرّحونها غير آبهين بمحرّمات، ويغوصون في تشعّباتها ومتاهاتها بأدوات مختلفة، منها "الصورة المتحركة"، غير مكترثين بموانع أو قيود. يعودون إلى أزمنة سحيقة في القدم، ويُعيدون صوغ المشهد بحسب متطلبات صناعة الصورة، وإنْ يستفزّوا بهذا ـ أحياناً ـ "متعصّبين" لحقائق ووقائع، أو مؤرّخين وباحثين ومنقّبين ينتبهوا إلى أن الفنّ أكبر من أن يحصره علم التاريخ، لكنهم يستنفرون معارفهم كي يناقشوا ويحلِّلوا وينتقدوا صنيعاً سينمائياً "يُخالف" معارفهم التاريخية تلك، بينما ينتبه بعضهم الأقلّ إلى أن السينما لن تكون، أبداً، "درساً في التاريخ"، بل فعلاً إبداعياً، له حرية مطلقة في مقاربة كلّ شيء، بلغة خاصّة به.
لن يهدأ سينمائيون غربيون عديدون. لن يكترثوا بـ "حجم" الحكاية أو الشخصية أو الحدث. همّهم محصورٌ بمدى ما تحمله تلك الحكاية أو هذه الشخصية أو ذاك الحدث من أبعادٍ درامية، قابلة للتحوّل إلى صنيع بصري يحمل إسقاطات السينمائيّ الذي يبتكره، وعلاقته الانفعالية والذاتية والتأمّلية بماضٍ وراهنٍ، كما بالسينما والحياة والتفكير.
هذا غائبٌ في العالم العربي، المسحور بالمُحرَّم والممنوع، والعاجز عن السجال والتنقيب والتفكيك، والرافض لكلّ خروجٍ من سلبيات ماضيه، رغم أن في ماضيه إيجابيّات يبرع العربيّ، دائماً، في تشويهها وتمزيقها وإلغائها.