البودكاست شريكاً في فوز دونالد ترامب

09 نوفمبر 2024
جو روغان مقدم برنامج البودكاست الأكثر شعبية في العالم دعم ترامب (مايكل شوارتز/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت شعبية البودكاست تزايدًا ملحوظًا، خاصة بين اليمين واليمين المتطرف، حيث استغل دونالد ترامب هذه الظاهرة لتعزيز حملته الانتخابية، مستهدفًا الناخبين الشباب الذكور عبر مقابلات مع شخصيات مؤثرة مثل جو روغان ولوغان بول.
- أظهرت استطلاعات الرأي أن الشباب يميلون للابتعاد عن جو بايدن، مما دفع مستشاري ترامب للتركيز على هذه الفئة التي تفضل البودكاست ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث نصف برامج البودكاست الأكثر شعبية على سبوتيفاي كانت تدعم حملة ترامب.
- يعتبر البودكاست وسيلة مثالية لليمين المتطرف لنشر رسائله بفضل طبيعته غير المنظمة، مما يعزل المستمعين عن وجهات النظر المعارضة، بينما تراجعت شعبية وسائل الإعلام التقليدية.

تشير إحصاءات إلى أن الأشخاص أكثر تعلقاً بمحتوى البودكاست من أي وقت مضى، خصوصاً من اليمين واليمين المتطرف، وهم يميلون إلى الثقة في مقدمي تلك البرامج، وبناء ألفة معهم، ما يترجم إدماناً وملايين من المشاهدات. لم يفت هذا فريق الجمهوري دونالد ترامب الذي استغل هذه الوسيلة للمساعدة في تعبيد الطريق نحو البيت الأبيض.

وقال الملياردير الأميركي المثير للجدل إيلون ماسك، الداعم لترامب، إن حضور الأخير في برامج البودكاست أحدث "فرقاً كبيراً" في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وزعم، في حديثه إلى تاكر كارلسون الخميس، أن فوز ترامب تحقق جزئياً بفضل استعداده للظهور في مقابلات طويلة مع مقدمي بودكاست مشهورين مثل جو روغان (لقاء ترامب مع روغان، الشهر الماضي، دام 3 ساعات).

لم يكن أقرب المقربين من دونالد ترامب يدركون أن مقابلات البودكاست التي تركز على الرجال ستصبح طريقاً لعودته إلى البيت الأبيض. خلال مناظرته مع منافسته الديمقراطية كامالا هاريس ارتكب ترامب أخطاء عدة. تنقل مجلة تايم عن مسؤول كبير في حملة ترامب قوله: "كان هناك الكثير من القلق من أنها كانت خصماً أقوى مما كنا ندرك"، لكن استطلاعات الرأي أظهرت أن المناظرة لم تغير السباق تقريباً وأن المرشحين لا يزالان متعادلين في الشعبية. فعاد ترامب إلى شعاره: تسريع الدفع للفوز بأصوات الناخبين الشباب الذكور.

وفي أواخر يوليو/تموز، كلّف وايلز أليكس بروزويتز، وهو مستشار جمهوري شاب يبلغ من العمر 27 عاماً، بتقديم قائمة بشخصيات تقدم برامج بودكاست لإجراء مقابلات، وفقاً لما نقلته "تايم" عن مطلعين. وكانت البداية في أغسطس/آب الماضي مع بودكاست أدين روس، المحرّض المعروف بالتعاون مع المشاهير في جلسات البث المباشر لألعاب الفيديو، وهي الحلقة التي انتشرت على نطاق واسع وحققت ملايين المشاهدات.  وهكذا صارت استراتيجية البودكاست قيد التنفيذ، وقد تميزت الأسابيع التالية بسلسلة من المقابلات مع نجوم البودكاست شباب: لوغان بول، وثيو فون، وجو روغان صاحب البودكاست الأكثر شعبية في العالم. بينما اتخذت الحملة قراراً متعمداً بتجنب معظم المقابلات الإعلامية التقليدية.

أما المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس فقد أجرت سلسلة من المقابلات المماثلة في ما أُطلق عليه بالفعل اسم "انتخابات البودكاست"، وفقاً لـ"بلومبيرغ". وتوضح "بلومبيرغ" أن جو روغان، مذيع البودكاست الأكثر شعبية في العالم، كان أول من سيّس هذه المنصة، فالمستمعون عرفوه مذيعاً يجري مقابلات مع الكوميديين أو رياضيي الفنون القتالية، لكنه انتقل إلى لقاءات سياسية مع أمثال بيرني ساندرز وتولسي غابارد وأندرو يانغ. روغان أعلن تأييده لترامب قبل يوم الانتخابات مباشرة، وساعد في إيصال رسالة المرشح الجمهوري إلى جمهور كبير معظمه من الذكور، من خلال سلسلة من المقابلات المطولة، فقد استضاف ترامب وزميله المرشح جيه دي فانس وداعمه الثري إيلون ماسك.

جمهور البودكاست كان جاهزاً لترامب

توضح مجلّة تايم أن استطلاعات الرأي وجدت أن الرجال، وخاصة الشباب، كانوا أكثر من ابتعدوا عن جو بايدن، خاصة في ما يتعلّق بالاقتصاد. وقد ركز مستشارو ترامب على حشد هذه الفئة التي رأت في بايدن إلى حد كبير رجلاً مسناً لا ينبغي أن يكون رئيساً. لم يكن هؤلاء الشباب الذكور يحصلون على أخبارهم من وسائل الإعلام الرئيسية، وكانوا أقل اهتماماً بالحقوق الإنجابية أو التراجع الديمقراطي. وعندما كانوا يتفاعلون مع السياسة، كان ذلك في الغالب من خلال البودكاست ووسائل التواصل الاجتماعي. كانوا يقدّرون صفاقة ترامب. هذا ووجد ترامب ساحة البودكاست جاهزة لمرشح يميني.

نصف برامج البودكاست الأكثر شعبية في تطبيق الاستماع سبوتيفاي تقدّمها شخصيات صديقة لحملة ترامب، بينها برنامج المذيع اليميني تاكر كارلسون، الذي يحتل المرتبة الرابعة ضمن أكثر البرامج استماعاً على المنصة، ورجل الأعمال المناهض لحركة اليقظة اليسارية باتريك بيتو ديفيد، على بعد مراكز قليلة من كارلسون، وكانديس أوينز التي تحتل مرتبة بينهما. هذا بالإضافة طبعاً إلى روغان الذي يحتل المرتبة الأولى. في المقابل، نجوم البودكاست الليبراليون قلة ومتباعدون في المراتب.

ووفقاً لبيانات مركز بيو للأبحاث، يقول 46% من مستمعي البودكاست المحافظين إنهم يثقون في الأخبار التي يسمعونها في البودكاست أكثر من الأخبار من مصادر أخرى. وتنقل مجلة سليت عن رئيس منظمة المراقبة غير الربحية ميديا ماترز، أنجيلو كارسوني، أن اليمينيين "كانوا مهيمنين في التسعينيات على البرامج الإذاعية الحوارية وفوكس (شبكة الأخبار اليمينية)، ثم كرّروا ما كان لديهم مع وسيلة مختلفة".

الباحث في الحركات اليمينية المتطرفة واستجابات مكافحة التطرف العنيف، ويليام أولكورن، ركّز على جاذبية البودكاست لليمين المتطرف على الخصوص. يقول في ورقة بحثية نشرها موقع الشبكة العالمية للتطرف والتكنولوجيا إن البودكاست "يوفر مزيجاً فريداً من الألفة وإمكانية الوصول والمساحة غير المنظمة، والتي استولى عليها اليمين المتطرف لنشر رسائله". ويوضح أنه على عكس وسائل الإعلام التقليدية، يتطلب البودكاست حداً أدنى من الاستثمار المالي والتقني، وهذا يسمح لشخصيات اليمين المتطرف بتجاوز حراس البوابة الإعلامية السائدة وإنشاء منصاتهم الخاصة. ويستغلون طبيعة البودكاست المطولة لشرح أفكارهم بإسهاب. كما أن البودكاست يخلق شعوراً بالألفة بين المذيع والجمهور، ويبني الثقة فيه بمرور الوقت.  هذا ويشير الباحث إلى "غرف الصدى"، وهي عملية تضخيم للرسائل تستغل طريقة عمل مواقع التواصل، إذ "بمجرد أن يبدأ شخص ما في الاستماع إلى بودكاست يميني متطرف (...) تقترح منصات مثل سبوتيفاي ويوتيوب برامج أخرى ذات صلة". وهذا يعزل المستمعين عن وجهات النظر المعارضة. وأظهرت الأبحاث أن الخوارزميات على المنصات الرئيسية، المصممة في الأصل لإبقاء المستخدمين منخرطين، تدفع المستخدمين عن غير قصد نحو محتوى أكثر تطرفاً.

ويعرج أولكورن على التكتيكات التي يستغلها اليمين المتطرف للترويج لمحتواه، وهي تصوير المذيع لنفسه بطلا للشعب، يقاتل ضد النخبة "الفاسدة" و"القمعية"، ونشر نظريات المؤامرة، التي تشكل محوراً أساسياً لبرامج بودكاست عدة متطرفة، مثل الترويج لـ"النظام العالمي الجديد"، ونخبة عالمية "تتآمر" لإخضاع الناس العاديين، وحصار مزعوم يتعرّض له الرجل الأبيض. هذا وتتجنّب هذه البرامج الرقابة المفروضة في المنصات على التضليل من خلال استخدام كلمات مشفرة، أو إضافة صفير إلى الكلمات المرفوضة. وأخيراً لا يكتفي البودكاست اليميني المتطرف بالترويج للمحتوى، بل يخلق شعوراً بالانتماء إلى مجتمع من الغرباء عن المجتمع السائد. يقول أولكورن إن هذه المدونات الصوتية تقدّم لجمهورها هوية، مما يعزز فكرة أنهم جزء من مجموعة حصرية تفهم "الحقيقة".

"وحش قديم يحتضر"

لم تفلح الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (NPR) وصحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وكذلك شبكة بي بي إس (PBS)، في إجراء مقابلة مع دونالد ترامب أو كامالا هاريس خلال حملة الانتخابات العامة، وكلها مؤسسات إعلامية عريقة. في المقابل، اختارت هاريس مقابلة أليكس كوبر في بودكاست Call Her Daddy. كما أطلت في بودكاست Club Shay Shay. ورفض ترامب الظهور في برنامج "60 دقيقة"، لكنه أطل في بودكاست Bussin’ With the Boys وبودكاست Flagrant.

هناك استثناءات بالتأكيد. لكن الكاتب السياسي جون هيلمان من صحيفة بوك لاحظ ما سمّاه "وحشاً قديماً يحتضر ويشتكي من تراجع مكانته في العالم الجديد". فشبكات التلفزيون لا تستقطب المشاهدين كما في السابق. على سبيل المثال، وصلت شبكة سي إن إن إلى 1.24 مليون مشاهد في المساء خلال الربع الثالث من عام 2016، عندما ترشح ترامب لأول مرة، و924 ألفاً هذا العام، وفقاً لشركة نيلسن. والوضع أصعب في الصحف الأميركية التي بلغ مجموع توزيعها 37.8 مليون نسخة يوم الأحد عام 2016، وانخفضت إلى 20.9 مليوناً بحلول عام 2022، وفقاً لمركز بيو للأبحاث. في المقابل، تضاعف عدد مستمعي برامج البودكاست بشكل أساسي منذ عام 2016.

المساهمون