قبل عدة سنوات، في فترة ركود السينما المصرية بعد ثورة يناير، ومع موت كامل للمسرح الكوميدي التجاري، كان مشروع "مسرح مصر" الذي تبناه الممثل أشرف عبد الباقي، هو الوسيلة الوحيدة لخلق حراك ما، إذ يتم تصوير المسرحيات بدعواتٍ خاصة، ثم عرضها تلفزيونياً مباشرةً، وكانت نتيجة ذلك - وبنجاح أكبر كثيراً من المتوقع- هو خلق جيل جديد من الكوميديانات الجدد، الذين صاروا في ما بعد العنصر المشترك في أغلب الأفلام والمسلسلات التي أنتجت، وعلى رأس هؤلاء كان علي ربيع، الذي يعد أكثرهم شهرة وقبولاً، وكذلك محمد عبد الرحمن الذي عرفه المشاهدون أكثر من خلال مشاركته أيضاً في مسلسل "الكبير"، وشخصية المجنون الشهيرة.
نتيجة تلك المعطيات، فإن مشاركة الثنائي في فيلم سينمائي هي فرصة بكل تأكيد، تعيد إلى الأذهان ثنائيات الكوميديا في السينما المصرية والتي توقفت منذ فترة. وإذا أضفنا إلى ذلك أن السيناريو الذي يعتمدان عليه في فيلمهما من كتابة شريف نجيب، وهو السيناريست الذي كتب "لا تراجع ولا استسلام" (أشهر فيلم كوميدي مصري في العقد الأخير) ونجح في العام الماضي مع فيلم "كلب بلدي"، تعلو احتمالات أن تكون تلك الفرصة مستثمرة بشكلٍ جيد، وفيها شكل مختلف من الكوميديا. إلا أن النتيجة التي خرج عليها فيلم "خير وبركة" كانت إهداراً كاملاً لتلك الفرصة، وبدلاً من البحث عن مناطق جديدة للضحك وخلق تواصل مع الجمهور، فإن الفيلم كان يميل بالكامل نحو استنساخ الشخصيات التي سبق أن نجحا بها، مع شكل الإنتاج الفقير والصاخب للمنتج أحمد السبكي.
تدور أحداث العمل حول الشقيقين "خير وبركة"، اللذين يحمل الفيلم اسميهما، ويقرران الذهاب إلى حفلة تحييها المطربة اللبنانية هيفاء وهبي في القاهرة للحصول على صورة فوتوغرافية معها، بهدف الشعور برضا والدتهما، بعد أن شعرت مؤخراً بأنهما فاشلان وخذلاها، وأن الشباب الآخرين لأبناء أقاربهما أكثر نجاحاً منهما. لتصبح صورتهما مع وهبي هي وسيلة التأكيد على نجاحهما، قبل البدء في التورط في أمور أكبر منهما بكثير، مع ظهور تاجر مخدرات وعصابة سطو مسلح.
يعمل الفيلم على أكثر من خط لخلق الكوميديا، أحدها هو متلازمة "الغباء" وأن شخصين محدودي الذكاء يتورطان في مشاكل أكبر منهما من دون امتلاكهما القدرة على وقف تطور الأحداث، وكلما حاولا السيطرة والتصرف تسوء الأمور أكثر وتكبر تماماً ككرة ثلج. وهو شكل بناء معتاد جداً في الأفلام الكوميدية، ومن ضمنها مثلاً "الغبي والأغبى" من بطولة جيم كاري أو "غبي منه فيه" في السينما المصرية. كذلك يحاول الفيلم -على الورق أي في السيناريو - استغلال الشخصيات المساندة إلى أقصى درجة، والخطورة الشديدة المفترضة في شخصيات مثل تاجر المخدرات أو اللص وعصابته (الذي يظل قادراً على الإضحاك رغم تشابه شخصية وأداء بيومي فؤاد بين هنا وفيلم "بنك الحظ") وبين طريقة أدائهما وسط مواقف الفيلم، وأخيراً في هزلية الموقف نفسه الذي تصبح فيه صورة مع هيفاء وهبي هي الهدف الذي يسعى إليه بطلا الفيلم للحصول على رضا أمهما. ورغم كل مساعي سيناريو الفيلم (الذي كتبه إلى جانب "نجيب" الكاتب جورج عزمي في أول أعماله) إلا أن ذلك تحطم تماماً على ثلاث صخور:
أولاها هو الإنتاج، والشكل الصاخب الذي يفرضه السبكي (سواء كان محمد أو أحمد) على أفلامه، لتصبح الأغنية والرقص وحشو الممثلين هو السبيل الأضمن بالنسبة له لتحقيق الإيرادات، تحت فرضية أنه يعرف ما يريده الجمهور، حتى لو خرجت كل الأفلام متشابهة.
والصخرة الثانية، كانت المخرج سامح عبد العزيز، الذي ما زال مصراً على تقديم أفلام كوميدية، رغم فقدانه الواضح لـ"حس" وإيقاع وزمن الكوميديا، وفشله المتكرر في أفلام مثل "تيتة رهيبة" و"تتح" وصولاً إلى "حملة فريزر"، رغم التوفر الدائم لنجوم كوميديا ذوي شعبية (مثل هنيدي وسعد وشيكو وماجد) معه، ليتكرر الأمر هنا مع علي ربيع ومحمد عبد الرحمن.
أما الصخرة الثالثة، فهي بطلا الفيلم نفسيهما، فبدلاً من أن يحاولا استخدام نجوميتهما التلفزيونية وما حققاه من نجاح في الأدوار المساندة من أجل تقديم شكل مختلف في أولى بطولاتهما، فإنهما لا يفعلان إلا إعادة نفس النكات وأشكال الكوميديا (الحركية واللفظية) التي سببت نجاحهما في البداية، في داء التكرار ذاته الذي أدى إلى أفول نجوم كثر (وأشهرهم محمد سعد). هكذا لا نجد أي إضافة جديدة في شخوصهما في الفيلم: محدودية الذكاء والتلاعب اللفظي وطريقة استفهام عبد الرحمن التي فقدت تميزها القديم، ليخرج الفيلم في النهاية بقليل جداً من الإضحاك والابتكار، ويصبح فرصة مهدرة لمن يفترض أن يكونوا نجوم الكوميديا الجدد.
السينما والدراما
وكان نجوم مسرح مصر وبينهما بطلا فيلم "خير وبركة" قد انتقلا من نجاح المسرح إلى الدراما، في المواسم الرمضانية السابقة. وكان لبعض منهم تجارب درامية ناجحة، إذ شارك علي ربيع مثلا في أكثر من مسلسل مع إحدى أنجح نجمات الكوميديا المصرية، دنيا سمير غانم، فشارك في مسلسل "لهفة" (رمضان 2015) وكان له دور بارز أيضاً في مسلسلها الأخير "في اللا لا لاند" (رمضان 2017). لكن يبدو أنه كما غيره من الممثلين المصريين الكثر، لم ينعكس نجاحه الدرامي نجاحاً سينمائياً، وهي ظاهرة معتادة في عالم التمثيل. فنجد مثلاً العكس تماماً عند نجم بحجم أحمد السقا الذي يحقق أرقاماً قياسية في شباك التذاكر في السينما، بينما من النادر أن تنجح مسلسلاته.