صباح الثالث والعشرين من يوليو/ تموز، فارقت الفنانة مي سكاف الحكاية السورية بظروف يُقال عنها إنّها غامضة، ليُشكّل غيابها رحيل مشعلٍ آخر للثورة السورية في نظر الناشطين والمعارضين الذين حوّلوا صفحاتهم إلى مساحات رثاء مليئة بالمشاعر الحزينة.
تفاصيل ذكرها كثيرون عن صوت مي العابر عبر الهاتف لآذانهم، عن وقفة مي على المسرح ونصائحها للممثلين المبتدئين على خشبة معهد تياترو في ريف دمشق. ولم ينسَ الأصدقاء التذكير بجراح مي الدامية في بعدها عن سورية، ويؤكد ذلك منشور على صفحتها في أيار/ مارس الفائت حين كتبت: "بس ما بدي موت برا سورية".
على الطرف المقابل، كانت الصفحات الموالية للنظام السوري ومن يقف لتخوين أي معارض للسلطة، ملعباً لتراشق الاتهامات بالوطنية وكيفية الترحم على من أهانت الجيش ورموز الدولة، على حد وصفهم، وخاصة أن مي تمسكت بمطلب رحيل الأسد حتى آخر أيام حياتها وظهر ذلك في منشورها الأخير، قبل يومين من رحيلها.
حياة صعبة عانتها مي خلال سنوات الثورة، من تعثر في الظهور على الشاشة، وظروف مادية ونفسية صعبة، فشاخت ملامحها بسرعة وبدت ابنة التسعة والأربعين عاماً وكأنها عاشت حروباً وليس حرباً واحدة، في الوقت الذي اختارت فيه الطرف الأقصى معارضة للنظام عبر السخرية من تهكم السلطة على الشعب ورموز الفساد وطريقة التعامل الوحشية مع الناشطين.
إذاً كثر من نسوا مي الفنانة، وتحولت بنظرهم إلى "ثائرة" أو "خائنة"، لكن مكتبة مي الدرامية حافلة بعشرات الأدوار. انطلاقاً من أبرز أدوارها، تيما بنت المنذر في رائعة "العبابيد" للمخرج السوري الراحل نبيل المالح. الفارسة التي اختارها المالح شكلت حالة جماهيرية تشبه كساندرا في العمل المكسيكي المدبلج، لكن بصبغة محلية. لتقف مي أمام كاميرا الكبار وتساهم بإطلاق الفنانة الأردنية صبا مبارك للأضواء عبر دور ما زال الأهم في مسيرة صبا ضمن مسلسل "الشمس تشرق من جديد" للمخرج هيثم حقي. وبين أهل الغرام وسيرة الحب بدا وجه عاطفي دفين لمي، حتى تقدم صورة الأم السورية بكامل معاناتها في ثالث أجزاء "الولادة من الخاصرة". أما الدراما التاريخية، فشكلت متعة خاصة لمي، فبعد العبابيد، عادت لتكون زرقاء اليمامة، وتقدم دوراً من أصعب الأدوار التاريخية، وتعود بعد قرابة العقد وتكون عرافة مملكة أوركيديا وترسم بالمشهد الأول من المسلسل خط الأحداث.
هكذا كانت مي ملهمة لكل من كتب لها مشهداً أو قدم معها عرضاً، وليس غريباً أن تختم مسيرتها بالجزء الثاني من مسلسل أمل بعدما ورثت البطولة من الراحلة فدوى سليمان. وحيث قدر الفن السوري أن يخسر أحراره، تقف مجموعة من أبطال المسلسلات على صفيح ساخن، فلم يسلم كل من ترحم على مي من حملات التخوين والسباب بشكل أظهر حجم الكراهية لمي من قبل مؤيدي النظام من ناحية، والقلق الذي ينتاب نجوم الدراما السورية من ناحية أخرى. فما زال معيار الوطنية بعرف مملكة الأسد هو التأييد المطلق وقذف كل من قال "لا" وطرده خارج المزرعة.
اقــرأ أيضاً
تفاصيل ذكرها كثيرون عن صوت مي العابر عبر الهاتف لآذانهم، عن وقفة مي على المسرح ونصائحها للممثلين المبتدئين على خشبة معهد تياترو في ريف دمشق. ولم ينسَ الأصدقاء التذكير بجراح مي الدامية في بعدها عن سورية، ويؤكد ذلك منشور على صفحتها في أيار/ مارس الفائت حين كتبت: "بس ما بدي موت برا سورية".
على الطرف المقابل، كانت الصفحات الموالية للنظام السوري ومن يقف لتخوين أي معارض للسلطة، ملعباً لتراشق الاتهامات بالوطنية وكيفية الترحم على من أهانت الجيش ورموز الدولة، على حد وصفهم، وخاصة أن مي تمسكت بمطلب رحيل الأسد حتى آخر أيام حياتها وظهر ذلك في منشورها الأخير، قبل يومين من رحيلها.
حياة صعبة عانتها مي خلال سنوات الثورة، من تعثر في الظهور على الشاشة، وظروف مادية ونفسية صعبة، فشاخت ملامحها بسرعة وبدت ابنة التسعة والأربعين عاماً وكأنها عاشت حروباً وليس حرباً واحدة، في الوقت الذي اختارت فيه الطرف الأقصى معارضة للنظام عبر السخرية من تهكم السلطة على الشعب ورموز الفساد وطريقة التعامل الوحشية مع الناشطين.
إذاً كثر من نسوا مي الفنانة، وتحولت بنظرهم إلى "ثائرة" أو "خائنة"، لكن مكتبة مي الدرامية حافلة بعشرات الأدوار. انطلاقاً من أبرز أدوارها، تيما بنت المنذر في رائعة "العبابيد" للمخرج السوري الراحل نبيل المالح. الفارسة التي اختارها المالح شكلت حالة جماهيرية تشبه كساندرا في العمل المكسيكي المدبلج، لكن بصبغة محلية. لتقف مي أمام كاميرا الكبار وتساهم بإطلاق الفنانة الأردنية صبا مبارك للأضواء عبر دور ما زال الأهم في مسيرة صبا ضمن مسلسل "الشمس تشرق من جديد" للمخرج هيثم حقي. وبين أهل الغرام وسيرة الحب بدا وجه عاطفي دفين لمي، حتى تقدم صورة الأم السورية بكامل معاناتها في ثالث أجزاء "الولادة من الخاصرة". أما الدراما التاريخية، فشكلت متعة خاصة لمي، فبعد العبابيد، عادت لتكون زرقاء اليمامة، وتقدم دوراً من أصعب الأدوار التاريخية، وتعود بعد قرابة العقد وتكون عرافة مملكة أوركيديا وترسم بالمشهد الأول من المسلسل خط الأحداث.
هكذا كانت مي ملهمة لكل من كتب لها مشهداً أو قدم معها عرضاً، وليس غريباً أن تختم مسيرتها بالجزء الثاني من مسلسل أمل بعدما ورثت البطولة من الراحلة فدوى سليمان. وحيث قدر الفن السوري أن يخسر أحراره، تقف مجموعة من أبطال المسلسلات على صفيح ساخن، فلم يسلم كل من ترحم على مي من حملات التخوين والسباب بشكل أظهر حجم الكراهية لمي من قبل مؤيدي النظام من ناحية، والقلق الذي ينتاب نجوم الدراما السورية من ناحية أخرى. فما زال معيار الوطنية بعرف مملكة الأسد هو التأييد المطلق وقذف كل من قال "لا" وطرده خارج المزرعة.
إذاً غادرت مي الوسط الفني السوري بعيدة عن وطنها، بوجه مقشعر في باريس الباردة. عصية على الفرح لتأصل الجرح داخلها، رحلت بشكل مفاجئ من دون أن تنتظر من محبيها دعوات الشفاء، ورغم أن الشائعة هذه المرة كانت حقيقة، لكن الكثير من أصدقاء مي حسدوها على الرحيل، وأكدوا أنهم في طابور الانتظار أمام ما يشاهدونه أمام أعينهم.. فإذا حقاً رحلت مي.. فمن بقي؟