أواخر شهر يونيو/ حزيران الماضي، شرع أهالي بلدة بتّير، وهي بلدة أدرجت على لائحة التراث العالمي قبل خمس سنوات، وتقع غرب بيت لحم جنوب الضفة الغربية، بشق طريق كرم حديدون بشكل سري من دون علم الاحتلال الإسرائيلي الذي يمنعهم من شق هذا الطريق الحيوي والاستراتيجي، والذي سيخدم السكان البالغ عددهم خمسة آلاف نسمة؛ لكن جيش الاحتلال اكتشفهم بعد أيام من تلك المحاولات التي أفنوا فيهم جل جهدهم لإتمام المشروع، وهو ما يوضح طبيعة الاعتداءات المتكررة لجيش الاحتلال والمستوطنين بحق البلدة الصامدة في وجه المحاولات الاستيطانية.
ويوضح الصحافي مصطفى بدر، وهو من قرية بتير لـ"العربي الجديد"، أن المهندس المسؤول عن شق الطريق أنشأ شبكةً سرية من أصحاب سيارات الأجرة العمومية؛ لمراقبة المدخل الرئيسي لبتير، وإخبار سائق الجرافة بالانسحاب الفوري حال مشاهدته أي جيب إسرائيلي في المكان، ورغم ذلك، تم إيقاف المشروع حينما اكتشفهم جيش الاحتلال بعد بدء العمل بأيام.
في بتير كان الأهالي يعملون بكل جهد كي يتم شق الطريق الحيوي الذي سيخفف الأزمة المرورية الخانقة في الشارع الرئيسي القديم وسط البلدة، ولا سيما خلال المناسبات الاجتماعية، "خلال شق الطريق، عمل سائق الجرافة على إغلاق الطريق وراءه بالحجارة والسواتر الترابية كي يتم تمويه عمله في شق الطريق، ويُضعف أية فرصة أمام جيش الاحتلال للعبور منها، لكن الجنود جاؤوا للمنطقة مشياً على الأقدام، وحجزوا من تم ضبطه في المنطقة، ثم احتجزوا البطاقة الشخصية لرئيس البلدية، إضافة إلى مصادرة الجرافة"، يوضح بدر.
لم يستسلم أهالي بتير بعدما تم وقف شق طريق قريتهم، إذ تحاول بلدية بتير استئناف العمل في الطريق، غير مكترثة لحجة الاحتلال، ألا وهي وقوع الطريق ضمن أراضي المنطقة المصنفة (ج). يقول رئيس بلدية بتير، تيسير قطوش، لـ"العربي الجديد": "نحن نواجه الاحتلال على أساس واحد، هو أن هذه الأرض أرضنا رغم ما يدعيه الاحتلال، والذي يحاول الاستيلاء على الأراضي الواقعة شرق بتير، وبالتحديد الواقعة بين بتير وبيت جالا، ضمن سعي إسرائيلي لإقامة مخطط القدس الكبرى بربط مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس، بمجمع غوش عتصيون جنوب الضفة الغربية". ويؤكد قطوش أن أهالي بتير والبلدية توجهوا للجهات المعنية من بينها الإدارة المدنية الإسرائيلية لإثبات ملكية تلك الأرض للأهالي، لكن الأمر غير مرتبط بالملكية، بل بمشروع القدس الكبرى الذي تسعى إسرائيل لإقامته، فيما يشير رئيس بلدية بتير إلى التواصل مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، لتوثيق كل انتهاك يقوم به الاحتلال والمستوطنون الذين يتصدى لهم الأهالي، متمنيا من الجهات الرسمية الفلسطينية أن تساند الأهالي حتى النهاية.
حينما كانت مدينة بيت لحم تتحضر للاحتفاء بليلة الميلاد في الرابع والعشرين من ديسمبر/ كانون أول العام المنصرم، كانت بتير تعيش ليلةً صعبة؛ إذ تسلل مئات المستوطنين المدججين بالسلاح بمركباتهم يصطحبون كلابهم المتوحشة إلى بتير، وذلك من أجل إقامة بؤرة استيطانية في منطقة الحرايق على جبل الخمار شرق القرية، ونصبوا كرفاناً هناك. لكن أهالي بتير لم يرضخوا لمخططات إسرائيل والمستوطنين، ولبوا نداءات الاستغاثة من مساجد البلدة للتصدي للمستوطنين، لكن جيش الاحتلال أغلق الطرق المؤدية للمكان، ومنعهم من الوصول. بعدها وصل الأهالي وحاول المستوطنون استفزازهم بالتهديد بإفلات الكلاب وإزعاجهم بمصابيح الإضاءة، لكن الأهالي بقوا ثابتين.
ويوضح الصحافي مصطفى بدر: "ما جرى محاولة خطرة ومنظمة للمستوطنين لسرقة أراضي بتير"، ويؤكد: "لقد احتج أهالي بتير وأبرزوا أوراق ملكيتهم للأرض (الطابو)، وظلوا مرابطين في المكان، حتى رضخ جيش الاحتلال لمطلبهم، وأمر المستوطنين بفك "الكرفان" والانسحاب من المكان، وطلب جيش الاحتلال من الأهالي إخلاء المنطقة لتفكيك الكرفان، كي لا يضعوا المستوطنين بصورة المهزوم".
وتكررت اعتداءات المستوطنين بحق بتير، فشقوا قبل أيام من حادثة نصب الكرفان، طريقاً زراعياً لمسافة 300 متر، لكنهم لم يفلحوا في إكماله وتصدى الأهالي لهم، وأغلقوا الطريق بعدها بما أُوتوا من صخورٍ وجذوع أشجار، كما تتعرض بتير لمضايقات يومية من الاحتلال عبر الحواجز الطيارة والاقتحامات الليلية والاعتقالات.