"البيمارستان" واحد من أهم معالم الحضارة الإسلامية التي امتدت شرقاً وغرباً لعدة قرون. وهي كلمة فارسية الأصل تعني المستشفى العام. وكان أول بيمارستان في العالم العربي قد أنشأه الوليد بن عبد الملك في دمشق سنة 707، وكان الهدف منه معالجة أصحاب الأمراض المزمنة كالجذام والعمى، حيث كانت الدولة تقدم لهم العلاج والإقامة مجاناً. تكاثر تشييد هذه المنشآت الصحية، حتى إنه لم تخلُ مدينة إسلامية من بيمارستان.
بلغ البيمارستان من الرقي في تقديم الخدمات الطبية مبلغاً عظيماً، وكان أشبه بالمستشفيات التعليمية الحديثة التي يتدارس فيها الأطباء الأنماط العلاجية والجراحية التخصصية كافة. ووفقاً للرحّالة القدامى، كان هناك نظامان للعلاج: داخلي وخارجي. إضافة إلى أن بعضها كان يتضمن أماكن مخصصة لمن يحتاجون إلى رعايات دائمة أو شبه دائمة مثل دور المسنين، أو من يحتاجون إلى رعاية خاصة، وعزل تام عن الأصحاء؛ كمرضى الجذام وأصحاب الأمراض العقلية والنفسية. ولكثرة إيوائها لهذه الفئة الأخيرة، أطلق اسم "البيمارستان" أو "المورستان" كما يسميه العامة على مأوى المجانين.
في أيام العباسيين، كان في بغداد وحدها أكثر من 60 منشأة صحية؛ أشهرها "البيمارستان المقتدري" المؤسس عام 918، وكان يقوم عليه 24 طبيباً مميزاً. و"البيمارستان العضدي" (981م)، وكان يضم 44 طبيباً في جميع تخصصات زمانهم، إذ اختيروا بدقة بعد اختبارهم. وممّن رَأَس هذا البيمارستان: أبو بكر الرازي وجبرائيل بن بختشوع وابن طفيل وغيرهم. وكانت أطقم الممرضين والممرضات يتناوبون أعمالهم ليلاً ونهاراً في نظام تام، ويقدّمون العقاقير والطعام مجاناً لجميع المرضى دون تمييز، وقد أشاد به الرحالة ابن جبير في أثناء زيارته لبغداد سنة 1184.
اقــرأ أيضاً
وفي القرنين الـ12 والـ13 كان "البيمارستان النوري" الذي أنشأه نور الدين زنكي سنة 1154م بدمشق مركزاً طبياً عالمياً وجامعة علمية، يأتيه الزوار لتلقي العلاج من البلدان المجاورة والبعيدة، وكان يضم 50 طبيباً مختاراً من الهند ومصر وفارس والشام، وكان يضم أيضاً مكتبةً ضخمة.
وانبهاراً بالنموذج النوري الذي شاهده في دمشق وقضى فيه وقتاً للاستشفاء حين مرض، قرر السلطان المنصور قلاوون إنشاء بيمارستان مماثل في القاهرة، فأمر بذلك سنة 1284م، واستمر العمل به لمدة عامين. كان البيمارستان جزءاً من مجموعة قلاوون التي تضم مدرسة وضريحاً وسبيلاً، وظل يقوم بدوره حتى سنة 1856، ثم تدهورت أحواله، فبات مقتصراً على استضافة أصحاب الأمراض العقلية والنفسية وحجر المرضى الخطرين. وفي سنة 1915 أقيم فيه مستشفى للرمد لا يزال يعمل حتى اليوم. وفي نص وثيقة وقف البيمارستان المؤرخة في أول إبريل/ نيسان 1286، ترد الكلمات الآتية: "وهذا البيمارستان الذي وقفه مولانا السلطان المنصور قلاوون، لمداواة مرضى المسلمين الرجال والنساء من الأغنياء والفقراء المحتاجين بالقاهرة ومصر وضواحيها، على اختلاف أجناسهم وأوصافهم وتباين أمراضهم".
وقد أشاد به الرحالة والمؤرخون كالمقريزي وابن بطوطة والقلقشندي وغيرهم. وفي كتاب "وصف مصر" لبعض علماء الحملة الفرنسية، يرد ما يأتي: "إن المريض الواحد في البيمارستان المنصوري في عصور ازدهاره كان يتكلف ديناراً في اليوم، وله في خدمته شخصان، كما أن المرضى المصابين بالأرق كانوا ينقلون إلى قاعات منفصلة حيث يستمعون إلى عزف جيد الإيقاع، أو يتولى رواة متمرنون تسليتهم بالحكايات، وفور أن يسترد المريض صحته، يتم عزله عن بقية المرضى، ويُمنَح عند مغادرته للبيمارستان خمس قطع ذهبية. كانت في البيمارستان المنصوري أقسام للرمد والجراحة والأمراض الباطنية، كما كانت فيه قاعة للأمراض العقلية، ملحقٌ بها حجرات لعزل الحالات الخطرة، وكان ينقسم إلى جناحين، أحدهما للنساء فيه كل ما في جناح الرجال، وكان فيه مدرسة للطب فيها صالة محاضرات زُوِّدت بمكتبة".
ولم يكن "البيمارستان المنصوري" أول ما بُني من مستشفيات في القاهرة، فقد اشتهر قبله "البيمارستان العتيق" الذي أنشأه صلاح الدين الأيوبي، و"البيمارستان الطولوني" الذي يعود لسنة 872. أما عن بيمارستانات الأندلس، فكان لها الفضل في نشأة فكرة المستشفيات العامة في أوروبا، أسوة بتلك المنشآت العامرة الموجودة في قرطبة وبلنسية وطليطلة وإشبيلية.
بلغ البيمارستان من الرقي في تقديم الخدمات الطبية مبلغاً عظيماً، وكان أشبه بالمستشفيات التعليمية الحديثة التي يتدارس فيها الأطباء الأنماط العلاجية والجراحية التخصصية كافة. ووفقاً للرحّالة القدامى، كان هناك نظامان للعلاج: داخلي وخارجي. إضافة إلى أن بعضها كان يتضمن أماكن مخصصة لمن يحتاجون إلى رعايات دائمة أو شبه دائمة مثل دور المسنين، أو من يحتاجون إلى رعاية خاصة، وعزل تام عن الأصحاء؛ كمرضى الجذام وأصحاب الأمراض العقلية والنفسية. ولكثرة إيوائها لهذه الفئة الأخيرة، أطلق اسم "البيمارستان" أو "المورستان" كما يسميه العامة على مأوى المجانين.
في أيام العباسيين، كان في بغداد وحدها أكثر من 60 منشأة صحية؛ أشهرها "البيمارستان المقتدري" المؤسس عام 918، وكان يقوم عليه 24 طبيباً مميزاً. و"البيمارستان العضدي" (981م)، وكان يضم 44 طبيباً في جميع تخصصات زمانهم، إذ اختيروا بدقة بعد اختبارهم. وممّن رَأَس هذا البيمارستان: أبو بكر الرازي وجبرائيل بن بختشوع وابن طفيل وغيرهم. وكانت أطقم الممرضين والممرضات يتناوبون أعمالهم ليلاً ونهاراً في نظام تام، ويقدّمون العقاقير والطعام مجاناً لجميع المرضى دون تمييز، وقد أشاد به الرحالة ابن جبير في أثناء زيارته لبغداد سنة 1184.
وفي القرنين الـ12 والـ13 كان "البيمارستان النوري" الذي أنشأه نور الدين زنكي سنة 1154م بدمشق مركزاً طبياً عالمياً وجامعة علمية، يأتيه الزوار لتلقي العلاج من البلدان المجاورة والبعيدة، وكان يضم 50 طبيباً مختاراً من الهند ومصر وفارس والشام، وكان يضم أيضاً مكتبةً ضخمة.
وانبهاراً بالنموذج النوري الذي شاهده في دمشق وقضى فيه وقتاً للاستشفاء حين مرض، قرر السلطان المنصور قلاوون إنشاء بيمارستان مماثل في القاهرة، فأمر بذلك سنة 1284م، واستمر العمل به لمدة عامين. كان البيمارستان جزءاً من مجموعة قلاوون التي تضم مدرسة وضريحاً وسبيلاً، وظل يقوم بدوره حتى سنة 1856، ثم تدهورت أحواله، فبات مقتصراً على استضافة أصحاب الأمراض العقلية والنفسية وحجر المرضى الخطرين. وفي سنة 1915 أقيم فيه مستشفى للرمد لا يزال يعمل حتى اليوم. وفي نص وثيقة وقف البيمارستان المؤرخة في أول إبريل/ نيسان 1286، ترد الكلمات الآتية: "وهذا البيمارستان الذي وقفه مولانا السلطان المنصور قلاوون، لمداواة مرضى المسلمين الرجال والنساء من الأغنياء والفقراء المحتاجين بالقاهرة ومصر وضواحيها، على اختلاف أجناسهم وأوصافهم وتباين أمراضهم".
وقد أشاد به الرحالة والمؤرخون كالمقريزي وابن بطوطة والقلقشندي وغيرهم. وفي كتاب "وصف مصر" لبعض علماء الحملة الفرنسية، يرد ما يأتي: "إن المريض الواحد في البيمارستان المنصوري في عصور ازدهاره كان يتكلف ديناراً في اليوم، وله في خدمته شخصان، كما أن المرضى المصابين بالأرق كانوا ينقلون إلى قاعات منفصلة حيث يستمعون إلى عزف جيد الإيقاع، أو يتولى رواة متمرنون تسليتهم بالحكايات، وفور أن يسترد المريض صحته، يتم عزله عن بقية المرضى، ويُمنَح عند مغادرته للبيمارستان خمس قطع ذهبية. كانت في البيمارستان المنصوري أقسام للرمد والجراحة والأمراض الباطنية، كما كانت فيه قاعة للأمراض العقلية، ملحقٌ بها حجرات لعزل الحالات الخطرة، وكان ينقسم إلى جناحين، أحدهما للنساء فيه كل ما في جناح الرجال، وكان فيه مدرسة للطب فيها صالة محاضرات زُوِّدت بمكتبة".
ولم يكن "البيمارستان المنصوري" أول ما بُني من مستشفيات في القاهرة، فقد اشتهر قبله "البيمارستان العتيق" الذي أنشأه صلاح الدين الأيوبي، و"البيمارستان الطولوني" الذي يعود لسنة 872. أما عن بيمارستانات الأندلس، فكان لها الفضل في نشأة فكرة المستشفيات العامة في أوروبا، أسوة بتلك المنشآت العامرة الموجودة في قرطبة وبلنسية وطليطلة وإشبيلية.