سعد العصامي مخرج عراقي، درس الإخراج في "كلية الفنون الجميلة" في جامعة بغداد. لاحقاً، درس الصحافة في "كلية الآداب". له أفلام روائية قصيرة، شاركت في مهرجانات سينمائية دولية مختلفة، وحاز بعضها على جوائز عدّة. آخر أفلامه بعنوان "الشيخ نويل". مؤخّراً، انتهى من تصوير آخر مشهدٍ في فيلمه الروائي الطويل "آخر السعاة"، بعد مرور أكثر من شهرين على بدء التصوير، الذي تمّ كلّه في كربلاء. بهذا، يُصبح أول فيلم سينمائي طويل يُصوّر في هذه المدينة، رغم ظروفٍ قاهرة، سببها الأساسيّ تفشّي كورونا.
في لقاءٍ مع "العربي الجديد"، تحدّث العصامي عن الفيلم وموضوعه، فقال إنّه كتَبَه مع السيناريست العراقي ولاء المانع، وتمّ تطوير السيناريو مع نقّادٍ سينمائيين.
تدور أحداثه حول ساعي بريد يُدعى أيوب، يعمل في منطقة ريفية، ثمّ يُفصَل من الوظيفة بعد أنْ توقّف الناس عن إرسال الرسائل البريدية، بسبب تطوّر وسائل الاتصال، إذْ قَضَت شركات الاتصال على هذه الخدمة؛ وبسبب استيلاء أحد المالكين على أرضه، فتبدأ رحلته في الحصول على أرضٍ، يستطيع أنْ يُشيّد عليها بيتاً يؤوي عائلته. لكن "الرياح تجري بما لا تشتهي السفن".
يشير العصامي إلى أنّ الخطوط الرئيسية في الفيلم مستوحاة من قصّة ساعي البريد الفرنسي، جوزف فردينان شوفال، الذي أمضى أكثر من 30 عاماً في تشييد منزله، جاعلاً إياه تحفة معمارية في قلب المدينة الفرنسية "لا دروم". عن الأسلوب المتّبع في تنفيذ الفيلم، قال العصامي إنّ السيناريو "هجين"، يقع بين الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية الجديدة؛ وإنّه مثلٌ حيّ على "سينما المؤلّف".
لهذا، سيجد البعض أنّ خطاب الفيلم قاسٍ في طرحه تساؤلات عمّا تودّ تفسيره شخصيات الفيلم: "هذا واجب السينما. السيناريو الجيد يُشير إلى أيّ خطر، كي ينتبه إليه المجتمع، وإلى أنّ الإنسان هو الأهمّ في معادلة الحياة". هذا نوع سينمائيّ، يُعتَبر صرخةً صريحة لكسر تابوهات تفرضها قيم عشائرية وعنصرية، واستشراء الفساد في هذا الزمن. أسلوب الاشتغال يعتمد على لقطات متوسّطة الطول، وتوظيف الكاميرا، التي قادها مدير التصوير محمد جواد، وفق احتمالية جمالية بصرية، محاولاً تقديم كوادر سينمائية مثيرة للاهتمام، تعكس ملامح الشخصيات من خلال الاشتغال على المضمون، بالقيمة نفسها للعناصر التشكيلية.
وبما أنّ السيناريو مكتوب بأسلوب الواقعية الإيطالية، لم تُستَخدم الديكورات، ولم يتمّ التصوير في الاستديو، بل في أماكن واقعية: "هذا كلّفنا تحضير مواقع كثيرة، لجعلها تناسب زمن الفيلم". شارك في الفيلم ممثّلون عراقيون عديدون. عن هذا، يقول سعد العصامي: "اشترك نجوم كبار، لهم حضور لافت للانتباه في العراق. البطولة لرائد محسن في دور أيوب، الذي قدّم أداءً عالياً. شاركته الفنانة الجميلة أيار عزيز خيون، التي أدّت دور بلقيس، زوجته. إنّه الظهور الأول لها أمام الكاميرا. بالإضافة إلى مقداد عبد الرضا وأياد الطائي، وعدد كبير من الممثلين العراقيين".
وعن جاهزية الفيلم للعرض، وعمّا إذا كان العرض سيبدأ في العراق، أو سيشارك في مهرجانات سينمائية، قال إنّ الفيلم "دخل إلى غرفة المونتاج، حيث سيتمّ العمل على التقطيع الأولي، ثم عملية ربط المَشاهد. بعدها، سيتمّ تحويله إلى هندسة الصوت، لصنع شريط الصوت والموسيقى التصويرية. هناك اتفاق أولي مع الموسيقار سامي نسيم لصنع التوليفة الموسيقية".
أمّا عن المهرجانات السينمائية، "فسنجرّب، ابتداءً من المهرجانات المهمّة، كـ"ساندانس" و"كانّ" و"برلين" و"فينيسيا" و"تورونتو". بعدها، هناك مهرجانات أخرى، كـ"كارلوفي فاري" و"لوكارنو" و"نيويورك" و"سان سيباستيان" وغيرها. فمشاركة الفيلم في أيّ مهرجان منها تُزيد من فرصه للوصول إلى أكثر دور العرض في العالم. إذا بقي وضع كورونا على حاله، سنؤجّل طرحه في الصالات، عسى أنْ يتخلّص العالم من هذا الفيروس اللعين". علماً أنّ الجهة المنتجة للفيلم تتمثّل بقنوات "كربلاء الفضائية"، والفيلم أول روائيّ طويل تُنتجته المجموعة، بعد إنتاجها أفلاماً قصيرة عدّة، نالت جوائز في مهرجانات عدّة في العالم، "أشاد بها نقّاد سينمائيون ومهتّمون بالسينما". كما ساهمت "شركة عراق سيل للاتصالات" بدعمه في مرحلة الإنتاج. عن رأيه في المشهد السينمائي العراقي، وأبرز المعوقات التي يواجهها، قال: "كما تعلم، للعراق تاريخ سينمائي عريق. لكنّ منجزاته السينمائية قليلة. هذا عائدٌ الى الوضع السياسي المتقلّب للبلد، خاصة في زمن النظام السابق، إذْ تمّ هدم البنية التحتية السينمائية بشكل كامل، وأصبح إنتاج الأفلام مُقتصراً على بعض المخرجين الموالين للنظام الحاكم". أضاف العصامي: "بعد سقوط النظام، انتظرنا الفرصة التي جاءت متأخرة، عبر مشاريع "بغداد عاصمة الثقافة"، التي كان يُمكنها أنْ تكون فرصة ذهبية للنهوض بالسينما العراقية. لكنّ أحلامنا ماتت، عندما شاهدنا العجب العجاب". أضاف: "في العراق، هناك غيابٌ للدعم الحكومي وللمنتج المحلي. لهذا، أصبحت صناعة السينما مهمّة شبه مستحيلة، وعجلة السينما لا تزال تسير ببطء، لأنّ غالبية المخرجين تريد الربح من الدولة، من دون الخوض في شبّاك التذاكر، وتحقيق أرباح مشروعة عبر عرض الأفلام على الجمهور. السينما في العراق محتاجة إلى منتج خاص، مُحترف ومُثقّف سينمائياً، يستطيع دفع فيلمه في السوق العربية والمحلية، لتحقيق الربح المنشود، وبالتالي يصبح لدينا اقتصاد سينمائي".
يستدرك العصامي قائلاً بضرورة "أنْ تساهم الدولة في منح قروض تجارية بفوائد ميسرة، لدعم الشباب وصنّاع الأفلام، بهدف تحقيق أفلامٍ روائية طويلة ودعمها، كما تفعل دول الخليج، التي تُساهم في صنعها". وانتهى إلى القول إنّ هذا المشروع "ليس صعباً، إذا تبنّته نقابة الفنانين العراقيين مثلاً".