تعيش الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا)، وهي الهيئة الدستورية المكلفة بإدارة الملف السمعي البصري في تونس وتعديله، حالةً من التجاذب بين أطراف سياسية ومجتمعية تحاول السيطرة عليها وتوجيه قراراتها، بما يخدم أهدافها وأجنداتها وضرب استقلاليتها. هذا ما أكده رئيس "الهايكا"، النوري اللجمي، اليوم، في العاصمة التونسية أثناء انعقاد ندوة صحافية حضرها أعضاء مكتب الهيئة على خلفية دعوة رئيسها ومراقبين عاملين فيها إلى التحقيق من قبل الأمن التونسي في محافظة زغوان (60 كيلومتراً جنوب العاصمة التونسية) بسبب شكوى تقدم بها النائب في البرلمان التونسي سعيد الجزيري مالك إذاعة "القرآن الكريم" ورئيس حزب الرحمة.
وادعى الجزيري فيها أنه تعرض إلى السرقة ومحاولة اغتيال من قبل رئيس الهايكا ومراقبين فيها. وهي التهمة التي أثارت ردود فعل غاضبة من قبل العديد من الجمعيات المدنية في تونس التي أصدرت، مساء أمس الاثنين، بيانا وقعته 45 منظمة وجمعية تونسية، ذكّرت فيه بسياق الحملات الإعلامية والسياسية والبرلمانية التي استهدفت الهايكا طيلة السنوات الماضية وتهديد وتكفير أعضائها، في ظل الصمت المطبق للقضاء والسلطة التنفيذية، وصولاً إلى محاولة الائتلاف الحكومي تمرير مبادرة تشريعية تستهدف استقلالية الهيئة.
واعتبرت هذه الجمعيات والمنظمات ما يحصل "قراراً سياسياً صرفاً مغلفاً بإجراءات قانونية خاطئة يستهدف وجود الهيئة وأدوارها، خدمة للوبيات مالية وسياسية، لم يعد يخفى على أحد سعيها لنشر الفوضى في قطاع الإعلام لتجيير المؤسسات السمعية البصرية لخدمة أجندات لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بأهداف الاتصال السمعي البصري وقيمه في خدمة الجمهور وإعلاء الديمقراطية".
وحذرت الحكومة والائتلاف الحكومي من "مخاطر سياسة المرور بقوة في ملف الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وإحداث فراغ حولها في إطار سياسة مكشوفة لوضع اليد على الإعلام"، مؤكدةً أنها "ستوظف كل إمكانياتها للتصدي لهذا المخطط البائس والديكتاتوري وستفوت الفرصة مرة أخرى على أعداء الحرية والديمقراطية".
"العربي الجديد" اتصل بعضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وواحد من أبرز الفاعلين، هشام السنوسي الذي أكد أن "الوضع الإعلامي في تونس خطر ويزداد خطورة من خلال البث المباشر لقنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية من دون الحصول على الإجازة القانونية، ومن دون تحرك السلطات العمومية (الرسمية) لتطبيق القانون".
وأضاف السنوسي "اليوم نشهد في تونس مسّا بالأمن القومي من خلال استيراد أجهزة بث إيطالية وإسبانية من دون الحصول على التراخيص القانونية، ويتمّ تركيزها في أراضٍ تابعة للدولة، وهو أمر غاية في الخطورة سيضطر الهايكا إلى اللجوء إلى القضاء العسكري للحسم فيه، لأن الأمر يتعلق بالأمن القومي".
أما عن المؤسسات الإعلامية غير القانونية، فقال "هذه المؤسسات وراءها أحزاب سياسية لها أجندات سياسية تستغل وسائل إعلام لبثها، كما أن هذه المؤسسات تمويلها غير واضح، ويكفي أن أذكر لك أن قنوات تلفزيونية تستأجر حيزا في قمر النايل سات ويتم دفع المستحقات لشركة نايل سات من دون المرور عبر الأجهزة الرسمية التونسية، وهي البنك المركزي التونسي في الوضعية الحالية، وهو ما يطرح تساؤلاً عن الطرف الذي قام بخلاص هذه المستحقات المالية ومن يموّل هذه المؤسسات التي لا تبث إعلانات تجارية".
يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) أكدت في أكثر من مرة أن قنوات "نسمة تي في" و"الزيتونة" و"حنبعل تي في" وإذاعة "القرآن الكريم" مؤسسات إعلامية غير قانونية، لارتباطها بشخصيات سياسية، وهو ما يمنعه القانون التونسي. لكن أصحاب هذه القنوات ينفون ذلك ويطالبون بتسوية وضعيتهم القانونية، في حين تطالب الهايكا السلطات التونسية بإغلاقها، لكن الحكومات المتعاقبة لم تستجب لهذا الطلب، وهو ما فسره السنوسي بـ "ضعف الدولة التونسية التي باتت رهينة أحزاب سياسية تمنحها شرعية الوجود مقابل الصمت عن بعض التجاوزات".