شارف مسلسل "بورتريه"، الذي يتم عرضه حالياً على قناة "بي إن دراما"، على نهايته. العمل الذي أنتجته شركة "إيمار الشام" بوجوه سورية جديدة، ليكون التجربة الثانية للمخرج باسم السلكا بعد مسلسل "العميد" الذي تم بثه بداية العام، والتجربة الأولى من نوعها للكاتب تيلد الخطيب، بدا مختلفاً عن كل ما تم طرحه في الدراما السورية في الأعوام الماضية؛ ففيه يتم تصوير الفساد المتفشي في مؤسسات النظام السوري، وتغيب لأول مرة البطولات المبتذلة لرجالات الجيش والمخابرات الشرفاء.
لكن ذلك لا يعني الكثير، لأن المسلسل ليس سوى محاولة لطرح حلول درامية جديدة تقدم ذات الفكر الأيديولوجي، والأسوأ من ذلك أنه يحمل في طياته دعوة مبطنة لتقبل النظام السائد بكل ما يحتويه من فساد. تتمحور حكاية المسلسل حول قصتي حب تنتميان لزمنين مختلفين؛ الأولى تعود للتسعينيات، وتجمع الرسام المتزوج (إياد) بالإعلامية رندة. يؤدي الشخصيتين أكثم حمادة ومديحة كنيفاتي. والثانية تجمع بين الإعلامي حازم (ابن إياد) والناشطة في حقوق الإنسان ريما (ابنة أخت رندة) في الزمن الحالي، ويؤدي الشخصيتين هافال طلحت حمدي، وشرف التقي.
وبالاستناد لتقنية الفلاش باك، تتداخل الحكايتان في الحلقات الأولى، قبل أن تنصهرا معاً وتسيرا بذات الزمن الخطي بعد انتصاف المسلسل. أعباء الحكاية الأولى تلقي بظلالها على الحكاية الثانية، لتعقد ظروفها وتجعلها تبدو حكاية حب مستحيلة. وعلى هامشها، يقدم المسلسل حكاية مؤدلجة عن الواقع السوري، تطفو على السطح بصورة فجة، من خلال بعض الحوارات الجانبية المباشرة، ومن خلال حضور بعض الشخصيات الزائدة عن حاجة الحكاية الرئيسية للمسلسل. ويمكن تلخيصها في الأفكار التالية:
علينا أن نكون جزءاً من الفساد
يتم تقديم شخصية حازم في بداية المسلسل، على أنه صحافي معارض يعيش داخل دمشق، ويكتب لمواقع وصحف عربية في الخارج؛ لكن هذا الوضع يتغير بعد أن تتوسط له رندة للعمل ضمن مؤسسة صحافية وطنية تنشط في الداخل. وهناك يبدأ بطرح الأسئلة حول الازدواجية التي وقع فيها، وإذا ما كان من الممكن العمل ضمن مؤسسات شريكة في الفساد الذي ينتقده بمقالاته. هذا الصراع الداخلي ينتهي بحوار مع رندة، عندما تقنعه بأن الواسطات والفساد قد تنتج ثماراً جيدة، وهما معاً يمثلان أحد هذه الجوانب الإيجابية للبيئة الفاسدة التي يعملان فيها. وفي هذا الحوار المباشر، الذي يبدو كدعوة لتوجيه الأقلام الشابة، تؤكد رندة أن أفضل الحلول هو الحل الثالث، والعمل من دون اتخاذ مواقف، والقبول بأن نكون جزءاً من الفساد؛ فما عدا ذلك، يعني أن دورنا سينتهي.
تخوين السوريين في الخارج
يقحم المسلسل بحكاياته الجانبية شخصيات سلبية بالمطلق، للاجئين سوريين تخلوا عن البلاد في "أزمتها"؛ وذلك من خلال نموذجين رئيسيين، هما: الأب الذي يشرد أسرته للحصول على أموال تؤمّن رحلته عبر البحر لأوروبا، والذي يؤدي دوره محمد خاوندي. والفتاة السورية الحاصلة على جنسية ألمانية بعد سنوات من اللجوء، والتي باتت تعتبر نفسها من جنس أعلى وتحتقر كل السوريين، وتؤدي دورها توليب حمودة. ومن خلال هذه النماذج، يحمّل العمل اللاجئين السوريين في الخارج جزءاً كبيراً من معاناة السوريين في الداخل. ومن خلال هاتين الحكايتين، يتم تقديم اللاجئ السوري كشخص وصولي وبلا قيم، باع أهله ووطنه للنجاة. ولا يشير المسلسل إلى أن حياة السوريين في الداخل باتت تقتصر على الركض المتواصل لتأمين لقمة العيش ومستلزمات الحياة اليومية، بل يصور سورية كبلد ينعم بالرفاهية، من خلال شخصيات سطحية وقصص حب مبتذلة لا تُعنى بالواقع أبداً.
هل هي دراما اجتماعية نظيفة من آثار الحرب؟
حاول صناع العمل الترويج للمسلسل باعتباره دراما نظيفة من آثار الحرب. لكن هل هي حقاً كذلك؟ إن تناول الحب كثيمة رئيسية لا يعني ذلك أبداً، خصوصاً أن اللقاء الأول بين العاشقين يتم في المستشفى، بعد تعرّض أحدهما لقذيفة أطلقها "الإرهابيون" لتصيب منزله. فعلياً إن الدراما التي يقدمها المسلسل هي مزيج من الأيديولوجية الرخيصة والمباشرة وقصص الحب المبتذلة التي تحط من قيمة المرأة وجسدها، رغم النفس المتعالي التحرري الذي تطرح فيه.