"سيكانا" سعاد ماسي... إعادة تشكيل قناع الشمع

24 أكتوبر 2022
تغني عن الغارقين في البحر بحثاً عن وطن جديد (ستيفان دو ساكوتين/ فرانس برس)
+ الخط -

أخيراً، أصدرت المغنية الجزائرية، سعاد ماسي، ألبوماً جديداً يحمل اسم "سيكانا" (Sequana)، وهو الإصدار الرسمي العاشر في مسيرة المغنية الجزائرية. يضم العمل 11 أغنية، تؤديها ماسي باللغتين العربية والفرنسية.

"سيكانا" هي إلهة نهر السين، التي كانت تؤمن بها شعوب الغال. بالنسبة لهم، هي الإلهة التي تتمتع بالخير، وتسكن في منابع النهر الشهير. هكذا كان اسم "سيكانا" موجوداً منذ العصور القديمة، ومرتبطاً بإلهة كانت لديها موهبة مزدوجة، تتمثل بالقدرة على الشفاء ومنح الأمنيات، لكن لم يكن للإلهة "سيكانا" شكل معين.

أدى ذلك إلى خلط المثيولوجيا بمأساة حدثت في نهاية القرن التاسع عشر لفتاة جميلة مجهولة الهوية، عُثر على جثتها غريقة في مدينة باريس على ضفاف نهر السين، وطبعت ملامح وجهها بقناع شمعي؛ ليصبح فيما بعد رمزاً للإلهة "سيكانا". هذا القناع تعيد سعاد ماسي تشكيله -بطريقةٍ ما- في غلاف ألبومها الجديد؛ إذ يظهر على الغلاف وجه سعاد ماسي، وعيناها مغطّاتين بزهرتي أقحوان؛ الزهور الحرة البرية التي تنمو في حالة فوضى أينما تشاء.

هكذا تبدأ رحلة تلقي الألبوم، مع الصورة التي تحيلنا إلى أيقونة الفتاة الغريقة التي ترتقي إلى مرتبة الآلهة. لتغني ماسي بالأغنية الافتتاحية، Dessine-moi un pays (ارسملي بلاد)، عن الغارقين في البحر في رحلة البحث عن وطن جديد: "ارسملي بحر يكونشي غامق، شحال من واحد غامر وغرق، خاطر بحياتو وفارق دموع يماه للمماة تحر... ارسملي بلاد حدودها جنة، لا حاكم ظالم فيها ولا حرب. جنة على الأرض عامرة بالورد، ودراري صغار تجري وتلعب. ارسملي بلاد من الشرق للغرب، وارسم ويدان تجري فيها ناس حفيان تمشى فوق ذهب. اشتاقت اللي يرويه".

ومن خلال هذه الصور، تستعيد سعاد ماسي جزءاً من تاريخها وحاضر الآخرين، كمهاجرة جزائرية استقرت بعد الترحال على ضفاف نهر السين، تتابع حكايات رحلات الموت والغرق التي يخوضها الآخرون الذين يسيرون على ذات الطريق.

هكذا، يبدو أن قراءة الألبوم ترتبط، نوعاً ما، برحلة سعاد ماسي الذاتية؛ الفنانة التي نفيت عن موطنها، الجزائر، بسبب ارتكابها جرم "تقديم أغاني سياسية"، وحققت نجاحاً مع ألبوماتها الفردية المبكرة في بداية الألفية، خصوصاً "الراوي" (2001) و"ديب" (2003)، خفت سحرها بعض الشيء مع مضي الوقت، لكن من دون أن يختفي أثرها؛ إذ ظلت تقدم على فترات متباعدة أغاني تستعيد فيها بريقها بين كوكبة الأعمال التي بدت فيها ماسي تائهة، تحاول التقاط مساحة خاصة تعبر عن هويتها.

التخبط قادها لإنتاج ألبوم "المتكلمون" عام 2015 مثلاً، الذي عادت فيه إلى إرث العرب الشعري، في محاولة للبحث عن الجذور والأرض. لقد كانت الأغاني التي تبدو فيها الهوية مسألة قصدية هي الإنتاجات الأضعف في مسيرة ماسي. الألبوم الجديد ليس سوى محاولة قصدية جديدة لإنتاج أغان تلتقط بها هويتها وترتبط بجذورها. لكن يمكن وصف "سيكانا" بأنه أفضل محاولات ماسي في هذا السياق.

"في بعض الأحيان، يضطر الإنسان إلى محو نفسه ومحو الكبرياء"، هذا ما تقوله ماسي في الأغنية الفرنسية الرئيسية في الألبوم، Une seule étoile. لكن تنحية الذات لا تعني الاستسلام. كل ما تغنيه ماسي على مدار الألبوم لا يوحي أبداً بالاستسلام؛ فالكلمات هي تعبير صارخ عن المقاومة والأمل. وفي الأغنية التي تحمل اسم الألبوم، Sequana، ستعلو هذه الصرخات: "ستستمر المحاولة، وستمكن الطائر الصغير من الطيران أخيراً. وعند الفجر، سينتهي الليل ويتبدد، والشمس سترتفع في النهاية".

المساهمون