عاد رواد الفضاء التابعون لكتيبة الفضاء إلى الأرض، بعدما كانوا على وشك التسبب بأزمة دبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، ليستقبلهم سكان الأرض كأبطال في الموسم الثاني من مسلسل "قوة الفضاء" (Space force) الذي صدر هذا الشهر على "نتفليكس"، من بطولة جون مالكوفيتش وستيف كارل.
يبدأ هذا الموسم بنهاية مهمة القمر التي تبدو أمام وسائل الإعلام ناجحةً، لكنها في السر، كادت أن تؤدي إلى حرب شبه عالمية، لولا اتفاق رواد الفضاء من الصين والولايات المتحدة على تجاهل ما يحصل، والعودة إلى الأرض في ذات المكوك. لكن المشكلة الأكبر أن هذه الكتيبة أُسست في زمن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتعرضت لسخرية جنرالات الجيش، لكونها بلا أي مهمة جديّة. لكن، حتى مع تغير الإدارة في البيت الأبيض، لم تنل هذه الكتيبة أي حظوة، بل ألغيت رحلة المريخ التي تشرف عليها، بسبب التقنين الذي تخضع له، وهُدد قائدها الجنرال "مارك نيرد" (ستيف كارل) بالتسريح، وفقدان كتيبته.
يحافظ المسلسل على النبرة الساخرة التي كانت في الموسم الأول، ويكشف لنا عن بيروقراطية وزارة الدفاع الأميركية، واضطرار كتيبة الفضاء إلى التعامل مع ممولين خارجيين يحاولون تحويل الجهود العلمية إلى مهزلة، خصوصاً أن الحرب الباردة الآن "هي السباق إلى الفضاء" الذي لم يعد حكراً على الحكومات و"ناسا"، فالشركات الخاصة أيضاً تسعى لاكتشاف المجرة، كـ "سبايس إكس" التي تغوي العلماء بالمال من أجل الانضمام إلى كوادرها، ما يجعل فرقة الفضاء أقرب إلى منافس صغير في سوق عالمي.
لا يوجد ما هو لافت في هذا الموسم. لا تهديدات هائلة ولا غزو فضائي. مجرد محاولات لتحقيق مهمات من أجل "دخول التاريخ"، وهذا ما يبرر سخرية باقي جنرالات الجيش الأميركي من هذه الكتيبة؛ إذ لا دور واقعياً لها، وحتى المهمة الجديدة التي وجدوا أنفسهم جزءاً منها، والمعنية باكتشاف المجرة، هم ضمنها مجرد لاعبين ثانويين، عليهم حرفياً استخدام مخيلتهم لاختراع أسلحة قادرة على مواجهة كائنات فضائية غير موجودة. بصورة أخرى، كتيبة الفضاء لا تمتلك أي حرب لتخوضها، ولا عدو لتواجهه.
تكشف لنا الحلقات الأخيرة من الموسم عن طبيعة الحروب "المستقبليّة"؛ إذ يتعرض المقر لهجمة من قراصنة إلكترونيين روس، يحاولون إسقاط أحد الأقمار الصناعية. وبخديعة لغوية لن نفصح عنها، يتراجع القراصنة، لنكتشف أن الهدف من الهجوم السيبراني استعراض القوة، وليس بدء حرب، ليبدو الأمر أشبه بتعليق على طبيعة الدبلوماسية الدولية الآن، وهي محاولة للحفاظ على حالة التأهب، وليس الخوض في حرب فعلية تقسم العالم إلى خاسر وفائز.
لا يمكن النظر إلى "قوة الفضاء" سوى كشكل من أشكال "كوميديا المكتب"، تلك التي يتربع على رأسها مسلسلا The Office وParks and Recreation اللذان يركزان على المفارقات والابتذال الذي يعيشه الموظفون في مؤسسات لا تمتلك أدواراً كبيرة في الواقع، كما هو الحال في "قوة الفضاء". مع ذلك، هناك أبطال في هذه السياقات، كحالة رائدة الفضاء السوداء، أنجيلا علي، التي أصبحت أول امرأة سوداء تحط على القمر. لكن، وهنا المفارقة، هي لا ترى نفسها بطلة، بل شخصاً تمكن من الوصول إلى القمر عبر جهود كل مَن حوله من "أبطال"، وكأن في ذلك رسالة مفادها أن أولئك الذين تنتشر صورهم بوصفهم أبطالاً شجعاناً، ليسوا إلا واجهة مصطنعة لمؤسسات وعلماء وفنيين يعملون على تحقيق أحلام البشريّة.
يركز هذا الموسم على مواهب الممثلين وقدرتهم على خلق الدعابة أكثر من المواضيع التي يتناولها. هذا ما أكسب المسلسل حيوية لم تكن موجودة في الموسم الأول، فضلاً عن أن الغرابة والحماقة التي تتبناها بعض الشخصيات تخلق نوعاً لطيفاً من الضحك، كحالة ليزا كودرو، التي تؤدي دور زوجة الجنرال "نيرد". وعلى الطرف المقابل، هناك المونولوغات الغاضبة والشتائم المبتدعة التي يتفوه بها جون مالكوفيتش، والتي لا تقدم جديداً سوى متعة الاستماع إلى قدرته على الإلقاء والسخرية من إيلون ماسك، وآلة الصفارة الموسيقية، ومنكري الهبوط على سطح القمر.