وجدت منصات التواصل الاجتماعي، وتحديداً "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تيك توك"، نفسها متورطة في أنشطة ترتبط بجرائم اتجار بالبشر واستغلال أطفال جنسياً. طبعاً هذه الورطة ليست جديدة تماماً، إذ سلّطت تحقيقات صحافية، منذ عام 2018 على الأقل، الضوء على نشاط تجار المخدرات وعصابات الاتجار بالبشر على المنصات، وتعرضت شركات التكنولوجيا لانتقادات حادة، تتهمها بالتغاضي عن هذه الأنشطة، أو على الأقل عدم بذل الجهد الكافي للتصدي لها.
هذا الأسبوع، عادت هذه القضية إلى الواجهة مجدداً، بعدما رفعت صناديق تقاعدية واستثمارية شكوى ضدّ شركة ميتا، تتّهمها فيها بـ"غضّ الطرف" عن أنشطة تتمّ عبر منصّتي فيسبوك وإنستغرام التابعتين لها، وترتبط بجرائم اتجار بالبشر واستغلال أطفال جنسياً. ووفقاً لنصّ الدعوى، فإنّه "على مدى العقد الماضي، ساعدت منصتا ميتا ودعمتا وسهّلتا عمل المجرمين المسؤولين عن القوادة والاتجار بالبشر وجرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال".
وقُدّمت الدعوى التي رفعتها صنادق تمتلك أسهماً في "ميتا" الإثنين، أمام محكمة في ديلاوير الأميركية متخصّصة في قانون الأعمال.
وتضيف الدعوى أنّ "أدلّة جوهرية تشير إلى أنّ مجلس الإدارة غضّ الطرف رغم علمه، تماماً كما فعلت إدارة الشركة، بهذه الظاهرة المتنامية بقوة". ووفقاً للمدّعين، فإنّ مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي للأطفال يستخدمون "فيسبوك" و"إنستغرام"، لتصيّد وتجنيد واستغلال ضحاياهم، وهُم قاصرون وبالغون من مستخدمي المنصّتين "تدمّرت حياتهم إلى الأبد".
لكنّ المتحدث باسم "ميتا" أندي ستون قال، الثلاثاء، لوكالة فرانس برس إنّ الشركة "تحظر بوضوح استغلال البشر والاستغلال الجنسي للأطفال".
عام 2021، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال وثائق مسربة من "ميتا" أثارت جدلاً حول العالم. ومن ضمن ما جاء في هذه الوثائق المسربة أن موظفي "فيسبوك" نبهوا مراراً إلى نشاط تجار المخدرات وعصابات الاتجار بالبشر على الموقع، ولكن تعامل الشركة مع القضية كان "ضعيفاً". وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2019، نشرت "بي بي سي عربي" تقريراً عن بيع خادمات البيوت على منصة إنستغرام. ووفقاً للوثائق المسربة، فإن "فيسبوك" كان على علم بالقضية. وأفادت "وول ستريت جورنال" بأن الموقع لم يتخذ إلا إجراءات محدودة، بعدما هددت شركة آبل بسحب منتجاته من متجر تطبيقاتها.
وعبّر مؤلف كتاب "أثر فيسبوك"، ديفيد كيركباتريك، حينها عن شعوره بأن "فيسبوك" لا حافز لديه "لعمل أي شيء لتخفيف الضرر" خارج الولايات المتحدة. وقال كيركباتريك، لـ"بي بي سي"، إن "فيسبوك" اتخذ إجراءات كثيرة، من بينها توظيف عشرات الآلاف من المراجعين، لكن "الرقم البارز في وثائق وول ستريت جورنال هو أن 13 في المائة فقط من إجراءات مكافحة التضليل وصناعة الكذب في 2020 كانت خارج الولايات المتحدة". وأضاف أن "90 في المائة من خدمات فيسبوك هي خارج الولايات المتحدة. وكان لها تأثير كبير سلبياً على سياسات دول مثل الفيليبين وبولندا والبرازيل والمجر وتركيا، ولكن الموقع لا يفعل أي شيء لتصحيح ذلك". ورأى أن "فيسبوك" يخضع "لضغوط العلاقات العامة" في الولايات المتحدة فقط، لأنها تؤثر على قيمة أسهمه في السوق.
أما بالنسبة لـ"تيك توك"، فقد كشف تحقيق استقصائي نشرته وكالة فرانس برس الخميس أن التطبيق يستخدمه مجرمون لديهم إلمام واسع بالتكنولوجيا في عمليات تهريب المهاجرين على الحدود الأميركية المكسيكية، وكذلك في غواتيمالا وكولومبيا والإكوادور. ينتهك هؤلاء القواعد الرسمية لـ"تيك توك" التي تحظر "الترويج للأنشطة الإجرامية وتسهيلها".
وقال متحدث باسم التطبيق لـ"فرانس برس": "الحفاظ على سلامة مجتمعنا مسؤولية نأخذها على محمل الجد". وأضاف: "لا نتسامح مع المحتوى الذي يروج لاستغلال البشر، بما في ذلك الاتجار بهم". وأفادت "تيك توك" بأنها أزالت، في الربع الثالث من عام 2022، 82 في المائة من مقاطع الفيديو المرتبطة بالممارسات الإجرامية، وذلك بمبادرة منها.
وفي هذا السياق، شكلت السلطات في المكسيك خلايا متخصصة لمواجهة التهديد الذي يشكله مهربو البشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي غرفة مليئة بأجهزة الكمبيوتر في مكسيكو سيتي، يراقب عشرات الخبراء من وكالة التحقيقات الجنائية الحكومية حسابات وسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2017. وقال رئيس مركز الاتصالات في الشرطة الوزارية الفيدرالية، رولاندو روساس، لـ"فرانس برس"، إن هذه الوحدة المتخصصة شاركت في نحو 300 تحقيق بشأن الاتجار بالبشر.
وفقاً لتقرير نشرته المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، في فبراير/ شباط الماضي، فإن المهربين يستخدمون "تيك توك" كوسيلة للترويج لحالات العبور غير الشرعية الناجحة. ويستخدم المهاجرون "تيك توك" في تبادل النصائح مع بعضهم البعض حول كيفية النجاة في رحلتهم المحفوفة بالأخطار نحو الولايات المتحدة. وحذرت المنظمة الدولية للهجرة من أن هؤلاء المجرمين فتحوا الباب أمام مجرمين آخرين لممارسة أنشطتهم عبر التطبيق، وبينهم من يستغلون القاصرين جنسياً.