يرتاب سينمائيون وسينمائيات عرب من إرسال روابط لأفلامٍ جديدة لهم إلى ناقدٍ، يرغب في مُشاهدة كلّ جديدٍ، لكنّ صعوبات السفر إلى مهرجانات، وانعدام عرضٍ تجاري لهذا الجديد في وقتٍ قريبٍ، وفي بلد الناقد تحديداً، تحول دون مُشاهدة مطلوبة. ارتياب هؤلاء نابعٌ من إصرارٍ على مُشاهدةٍ في صالة سينمائية، وبعض المهرجانات السينمائية العربية يحتاج إلى صالاتٍ حديثة لمُشاهدة متوافقة مع رغبة هؤلاء. تقنيات الراهن تمنح المهتمّ مُشاهدةً، تتفوّق أحياناً ـ بجودتها الفنية والبصرية والجمالية ـ على ما تمنحه صالات سينمائية، في مدنٍ عربية، تفتقر معظمها إلى تقنيات حديثة.
يطلب ناقدٌ رابطاً لفيلمٍ حديث الإنتاج، فيُواجَه غالباً بتنظير عن طقوس المُشاهدة في الصالة. يقول المعنيّ بالفيلم إنّ على الناقد أنْ يُشاهد الفيلم في المكان الأصلي للمُشاهدة، الذي (المكان الأصلي) يمنحه مُشاهدة متكاملة، صورةً وصوتاً واشتغالات. يغيب عن بال المعنيّ أنّ التقنيات الحديثة كفيلةٌ بمنح المهتمّ مُشاهدة تليق بالسينما في منزله، وأنّ المنصّات تُقدّم مُشاهدة كهذه على شاشةٍ صغيرة بجودة فنية رائعة، وأنّ الخبرة المديدة للناقد تنبّهه دائماً إلى الاشتغالات الفنية والتقنية، وأنّ العالم يتغيّر، وطقوس المُشاهدة السينمائية تتغيّر أيضاً.
الخوف من تسريب نسخة مُقرصنة من الفيلم إهانة لناقد محترف، يُدرك أصول المهنة، ويحرص على سلامة الفيلم أكثر من حرص أصحابه عليه، أحياناً، علماً أنّ تقنيات عدّة تُحصِّن الأفلام من قرصنتها عبر روابط. حِرفية الناقد في مهنته تحول دون تورّطه في قرصنةٍ، رغم إدراك الناقد أنّ القرصنةَ فرصةٌ لمُشاهدةٍ، لن تُتيحها ظروفٌ كثيرة، في عالمٍ عربيّ غارق في مآزق اقتصادية واجتماعية وحياتية كثيرة، وغارق أيضاً في قرصنةٍ، يعجز العالم برمّته عن إلغائها كلّياً، عربياً ودولياً. حِرفية الناقد تمنعه من ممارسة فعلٍ، يرفضه صُنّاع الفيلم، ويرفضه هو نفسه، رغم ميلٍ لديه إلى اعتبار قرصنة الأفلام، الأجنبية والعربية، درباً إلى مُشاهدة سينمائية، غير متوفّرة في صالاتٍ عربية كثيرة، لاعتباراتٍ مرتبطة بالتوزيع والإنتاج والتواصل والرقابات المختلفة في العالم العربي.
لكنْ، ألن تكون مواقع عدّة، متخصّصة بالقرصنة، أداة مُشاهدةٍ مطلوبة؟
والناقد ـ إذْ يسعى إلى مُشاهدة أفلامٍ عربية في أي ظرف وضمن أي قواعد، لرغبته في متابعة الجديد، وفي ممارسة مهنةٍ ـ يتغاضى أحياناً عن طقوس المُشاهدة، من دون تناسيه أنّ طقوساً كهذه تتغيّر في زمنٍ يشهد تطوّراً تكنولوجياً هائلاً، ويعيش أزمة ناتجة من وباء كورونا، الذي يصنع تغييرات جذرية في شتّى أمور الحياة اليومية، منذ عامين تقريباً. الناقد ـ إذْ يجهد في إتمام مهنته، خصوصاً في جانبها العربيّ ـ يُدرك تماماً ارتياب سينمائيين وسينمائيات من مُشاهدة الفيلم عبر رابطٍ، لكنّه واثقٌ من أنّ حِرفيته وكفاءته وثقافته كفيلةٌ بتحصينه من "أخطاء" ناجمةٍ عن مُشاهدة رابطٍ، فجماليات منجز سينمائي، مصنوعة بفضل براعة صانع الفيلم، تُساهم في إزالة كلّ شائبة تُنتجها مُشاهدة كهذه. انعدام الجماليات يسهل إدراكه، في صالةٍ أو عبر رابطٍ.
عوائق عدّة تحول دون حضور الناقد مهرجاناتٍ سينمائية، تُقام في مدنٍ عربية وغربية. مهنته تُحتّم عليه متابعة كلّ جديد، قدر الإمكان. طلبه روابط لمُشاهدةٍ، أولى على الأقلّ، لن تنتقص من قيم جمالية، يُتقن التنبّه إليها في مُشاهدة خارج الصالة وطقوسها. سينمائيون وسينمائيات غير مُدركين هذا. يظنّون أنّ تمسّكهم بمُشاهدة "سليمة" (أي في الصالة) يحميهم من نقدٍ غير متوقّع، فالناقد يُتقن تفكيك فيلمٍ، يُشاهده في صالة أو عبر رابط، لخبرة مديدة له في المُشاهدة والقراءة والتحليل والحوار.