تواجه وسائل الإعلام الروسية الموالية للكرملين، وعلى رأسها "سبوتنيك" و"آر تي"، حصاراً متزايداً في أوروبا، منذ اجتياح أوكرانيا الخميس الماضي. إذ أعلن موقع "يوتيوب"، اليوم الثلاثاء، وقف بث "آر تي" (روسيا اليوم) و"سبوتنيك" في أنحاء القارة العجوز، "نظراً للحرب الجارية في أوكرانيا". وأضافت المنصة: "نحجب قناتي آر تي وسبوتنيك عبر يوتيوب في كل أرجاء أوروبا مع مفعول فوري. تتطلب أنظمتنا بعض الوقت قبل أن تُفعّل كلياً. تستمر فرقنا بمراقبة الوضع على مدار الساعة، للتحرك بأسرع ما يمكن".
وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأحد، منع "آر تي" و"سبوتنيك" في الاتحاد الأوروبي، لإيقافهما عن بث "أكاذيبهما" عن الحرب التي تخوضها موسكو في أوكرانيا. وقالت المسؤولة الأوروبية: "سنمنع في الاتحاد الأوروبي الماكينة الإعلامية للكرملين. لن تتمكن وسيلتا الإعلام الحكوميتان آر تي وسبوتنيك- وكذلك فروعهما- من بث أكاذيبهما بعد اليوم لتبرير حرب بوتين وزرع الانقسام في أمتنا. إننا نطور إذاً أدوات لمنع تضليلهما الإعلامي السام والضار في أوروبا".
وتسعى المفوضية الأوروبية للحصول على موافقة دول الاتحاد الأوروبي على معاقبة "سبوتنيك" و"آر تي"، عبر تقييد وصولهما إلى سوق وسائل الإعلام الأوروبية بغضّ النظر عن قناة التوزيع الخاصة بهما. ووفق ما قاله رئيس الصناعة في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون، اليوم الثلاثاء، فإن العقوبة تعني حظر مشغلي الاتحاد الأوروبي من البث أو التسهيل أو المساهمة بطريقة أخرى في نشر أي محتوى من المؤسستين الإعلاميتين الروسيتين. يتضمن ذلك النقل أو التوزيع عبر الكابل، أو الأقمار الصناعية، أو منصات وتطبيقات مشاركة الفيديو عبر الإنترنت، سواء كانت جديدة أو مثبتة مسبقاً. ستطبق العقوبة أيضاً على التراخيص واتفاقيات التوزيع التي ستُعلق.
حظر المنظمون في بولندا وإستونيا في الأيام الأخيرة "آر تي" و"سبوتنيك"، وجددت المملكة المتحدة وفرنسا التدقيق في أنشطتهما. وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات، الأربعاء، على رئيسة قسم اللغة الإنكليزية في شبكة "آر تي" مارغريتا سيمونيان، وعلى رجل الأعمال يفغيني بريغوزين و"وكالة أبحاث الإنترنت" التي يمولها. وأعلن "التحالف الأوروبي لوكالات الأنباء"، الأحد، "التعليق الفوري" لعضوية وكالة "تاسّ" الروسية في ضوء "القواعد الجديدة التي تطبقها الحكومة الروسية وتقيد بشدة حرية الإعلام".
وكانت "غوغل" المالكة لـ "يوتيوب" قد منعت، مساء السبت، وسائل الإعلام الروسية من ممارسة أنشطة تدرّ عائدات عبر منصاتها. وعطلت مؤقتاً، الأحد، ميزات في "خرائط غوغل" توفر معلومات حية عن مدى ازدحام الأماكن مثل المتاجر والمطاعم في أوكرانيا، من أجل سلامة المجتمعات المحلية في البلاد، بعد التشاور مع مصادر عدة بينها السلطات الإقليمية.
وأعلن رئيس الشؤون العالمية في شركة "فيسبوك" نيك كليغ، الإثنين، حظر الصفحات الخاصة بـ "آر تي" و"سبوتنيك" من دول الاتحاد الأوروبي. وغرد كليغ: "تلقينا طلبات من عدد من الحكومات والاتحاد الأوروبي لاتخاذ مزيد من الخطوات في ما يتعلق بوسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة الروسية. نظراً للطبيعة الاستثنائية للوضع الحالي، سنقيد الوصول إلى آر تي وسبوتنيك حالياً، وسنواصل العمل من كثب مع الحكومات على هذا الشأن". كان كليغ قد أفاد، الأحد، بأنّ "فيسبوك" قيدت الوصول إلى عدد من الحسابات في أوكرانيا، و"بينها تلك الخاصة بمؤسسات إعلامية روسية مدعومة من الدولة". ومنعت الشركة وسائل الإعلام الروسية من نشر الإعلانات أو ممارسة أنشطة تدر عائدات عبر منصاتها، وحذفت شبكة من الحسابات الروسية التي تنشر أخباراً كاذبة عن اجتياح أوكرانيا.
وفي السياق نفسه، أعلنت شركة "تويتر"، الإثنين، أنها ستصنف وتقيد ظهور كل التغريدات التي تنشرها "آر تي" و"سبوتنيك" على منصتها. وأفادت بأنّ أكثر من 45 ألف تغريدة تتداول روابط من وسائل الإعلام الحكومية الروسية انتشرت يومياً، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا الخميس. منذ عام 2017، تحظر "تويتر" الإعلانات من "آر تي" و"سبوتنيك"، بعدما خلصت الاستخبارات الأميركية إلى أنّهما حاولتا التدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
وانضمت منصة "تيك توك"، المملوكة لشركة "بايتدانس" الصينية، إلى عمالقة التواصل، وحظرت الوصول إلى حسابات وصفحات "آر تي" و"سبوتنيك" في دول الاتحاد الأوروبي، وفق ما أكده متحدث باسمها لموقع "إنغادجت" الثلاثاء.
ووصفت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الثلاثاء، إجراءات "فيسبوك" و"غوغل" بـ"البروباغندا غير المقبولة المعادية لروسيا".
في الوقت نفسه، تتصدى صحيفة "نوفايا غازيتا" ورئيس تحريرها دميتري موراتوف لقمع الكرملين، وتكافح لتغطية الغزو الروسي للجارة أوكرانيا. وقد هددتها هيئة الرقابة على الاتصالات في البلاد "روسكومنادزور" الأسبوع الماضي، بحظر موقعها الإلكتروني ومصادرها الإعلامية، بسبب ما وصفته بـ "المعلومات المغلوطة عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا" وأمرتها بحذف "المعلومات المسيئة".
لكن دميتري موراتوف تعهد عبر مواقع التواصل بنشر العدد المقبل من "نوفايا غازيتا" باللغتين الروسية والأوكرانية. وأكد في مقابلة مع مجلة "نيو يوركر"، الإثنين، تلقيهم في الصحيفة تحذيراً من استخدام كلمات "حرب" و"غزو" و"احتلال" عند الحديث عن الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، لكنّهم "يواصلون تسمية الحرب باسمها، وينتظرون العواقب".
وأضاف موراتوف: "سنواصل العمل قدر الإمكان. لدينا 40 مليون قارئ على الشبكات الاجتماعية. خلال الأيام القليلة الماضية، استقطبنا أكثر من 4.5 ملايين مشاهدة على موقعنا الإلكتروني". وأكدّ قائلاً: "نحن لا نخدع قراءنا الذين يحتاجون إلى معلومات موثقة بشكل متواصل. لن نتحول إلى أداة للدعاية (بروباغندا). نحترم سيادة أوكرانيا. ونحترم سيادة (نوفايا غازيتا)". وعبّر في الوقت نفسه عن قلقه على سلامة صحافيي "نوفايا غازيتا" الذين يعملون في منطقة الحرب وفي المناطق الحدودية وأولئك الذين يغطون التظاهرات المنددة بالهجوم الروسي في العاصمة موسكو.
وكان موراتوف قد أعرب، في كلمة مسجلة الخميس عبر موقع "يوتيوب"، عن شعوره بالعار بسبب بدء روسيا حرباً مع أوكرانيا بأمر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ووقّع أكثر من 250 صحافياً وخبيراً في شؤون السياسة الخارجية بيان تنديد بغزو أوكرانيا، مؤكدين أن "الحرب لم تكن وسيلة لتسوية الخلافات، ولن تكون، ولا مبرر لها".
تقاسم دميتري موراتوف جائزة نوبل للسلام، العام الماضي، مع الصحافية الفيليبينية ماريا ريسّا، لجهودهما في الدفاع عن حرية التعبير في بلديهما. دافعت "نوفايا غازيتا" عن حرية الصحافة وحرية التعبير في روسيا لعقود، وقُتل ستة من صحافييها على خلفية عملهم الاستقصائي خلال السنوات الماضية، وبينهم آنا بوليتكوفسكايا.
وتصر "نوفايا غازيتا" التي تصدر ثلاث مرات أسبوعياً على مواصلة نشاطها وسط حملة قمع غير مسبوقة على المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة، مع سجن السلطات السياسي المعارض البارز أليكسي نافالني. وقد تعرضت لـ "هجوم كيميائي" في 15 مارس/آذار الماضي، لترهيب فريق تحريرها. وعام 2006، قُتلت آنا بوليتكوفسكايا التي غطت لسنوات عدة انتهاكات لحقوق الإنسان في جمهورية الشيشان الروسية بالرصاص في شقتها. وعام 2018، تلقت الصحيفة طرداً فريداً من نوعه: إكليل جنازة على رأس كبش مقطوع، وملاحظة موجهة إلى دينيس كوروتكوف الذي يكتب بشكل خاص عن أنشطة مجموعة "فاغنر" المبهمة للمقاتلين المرتزقة.