- الوثائقي "إليزابيث تايلور: الأشرطة المفقودة" على "إتش بي أو ماكس" يعتمد على تسجيلات ميرمان، ويستخدمها لرحلة وثائقية في حياة تايلور، مركّزًا على سنواتها في هوليوود حتى عام 1963.
- حياة تايلور كانت مليئة بالتقلبات، من زيجات متعددة وعلاقات حب معقدة، إلى إدمان المخدرات والكحول، ودورها في محاربة الإيدز. توفيت عام 2011 عن عمر 79 عامًا.
هل تكفي 40 ساعة من التسجيلات الصوتية المنسيّة لنجمة هوليوود إليزابيث تايلور لصنع وثائقي ناجح عنها؟ "الأشرطة المفقودة" يثبت أنْ: لا.
عام 1962، سجّل الصحافي وكاتب السير الأميركي ريتشارد ميرمان، المعروف بمقابلاته الصحافية اللافتة مع نجوم السينما العالمية لصالح مجلة لايف الأميركية، 40 ساعة من المقابلات الصوتية مع إليزابيث تايلور، في مادة لكتاب يروي سيرتها الذاتية، وهو ما نُشر بالفعل عام 1965 تحت عنوان "بقلم إليزابيث تايلور"، متضمّناً 56 صورة فوتوغرافية التقطها أقدم أصدقائها، الممثل رودي ماكدوال، فضلاً عن صور خاصة من ألبوم عائلتها.
في ذلك الوقت، كانت نجمة السينما الأميركية في أوج شهرتها، فقد نالت أوّل جائزة أوسكار لها عن دورها في فيلم "باترفيلد 8" (1960)، ما أَهّل "ليز"، أو "قطة هوليوود المدلّلة"، لأن تصبح أوّل ممثلة في تاريخ هوليوود قاطبة تحصل على أجر قياسي بلغ مليون دولار أميركي عن فيلم واحد، ولم يكن الفيلم بأقلّ من إنتاج هوليوود الضخم "كليوباترا" الذي سيظهر عام 1963، وستقع تايلور في أثناء تصويره في غرام ريتشارد بيرتون، ليصبح بعد شهور قليلة زوجها الخامس، وبعد ذلك بثلاث سنوات، تحصل تايلور على جائزة أوسكار للمرّة الثانية (إضافة إلى اعتراف نقدي بأدائها الرفيع) عن دورها الذي لا يُنسى في تحفة مايك نيكول "من الذي يخاف فيرجينيا وولف"؟ (1966)، الذي شاركها البطولة فيه أيضًا زوجها ريتشارد بيرتون، لكنه لم يحظ مثلها بجائزة أوسكار عن الفيلم نفسه، ما ترك في نفسه شرخًا لن يُمحى، ستظهر آثاره لاحقًا على علاقتهما الفضائحية.
في الوثائقي الجديد "إليزابيث تايلور: الأشرطة المفقودة"، الذي عرض أخيراً على منصة "إتش بي أو ماكس"، تستخدم المخرجة الأميركية نانيت بورستين التسجيلات الصوتية ذاتها التي سجّلها ريتشارد ميرمان في ستينيات القرن الماضي، كركيزة لرحلتها الوثائقية في حياة تايلور، تاركة النجمة تروي قصة حياتها بصوتها، لتتبعها المخرجة بتحويل الصوت إلى مشاهد مرئية، ولقطات أرشيفية من صورها الفوتوغرافية وأعمالها السينمائية وحواراتها التلفزيونية.
على مدى ساعة و40 دقيقة كاملة، تروي تايلور قصّتها بصوتها الطفولي وضحكاتها اللعوب، لم تنشأ في هوليوود بل في بيفرلي هيلز، ولدت في 27 فبراير/شباط 1932 في العاصمة البريطانية لندن، لأب بريطاني يعمل في تجارة التحف والأعمال الفنية، وأم أميركية مهووسة بالتمثيل. كان والدها يمتلك قاعة عرض فنية في فندق بيفرلي هيلز الشهير، وتتذكّر تايلور أنها كانت طفلة حين شاهدت لأوّل مرة معدّات تصوير سينمائية في هذا الفندق، من هنا نفهم كيف وجدت تايلور الطفلة خطواتها الأولى إلى عالم السينما، معترفة ببساطة بأن جمالها هو الذي جعل المنتجين السينمائيين يتكالبون عليها منذ طفولتها، وهو ما حاولت تغييره لاحقاً باختيارها أدواراً غير اعتيادية. وتقول: "كنت أشعر أنهم يتعاملون معي باعتباري قطعة لحم باردة، أو ديكوراً جميلاً بجوار رجال عجائز، لكن عندما تستطيع أن تطلب مليون دولار كاملة مقابل فيلم واحد وتحصل عليها، فأنت لست قطعة لحم عادية، بل قطعة لحم ضخمة" لترنّ ضحكاتها العائدة إلينا من 1963.
ظهرت إليزابيث تايلور على الشاشة الفضية طفلة في العاشرة من عمرها في فيلم "ثمّة من يولد كلّ دقيقة" (1942)، ثم في "ناشيونال فيلفيت" (1944)، وبعد نجاح الفيلم اللافت، وقّعت معها الشركة المنتجة عقدًا لسبع سنوات، أكدت تايلور خلالها حضورها القوي، ففي عام 1947 شاركت في فيلم "سينثيا"، وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وحين بلغت التاسعة عشرة ظهرت في فيلم "مكان تحت الشمس" (1951)، لتبدأ من خلاله بفرض حضورها واحدةً من جميلات السينما الأميركية لسنوات عديدة مقبلة. هالة الشهرة السريعة اكتملت بظهور إنتاج هوليوود الاستثنائي "كليوباترا" للمخرج جوزيف مانكيفيتس عام 1963، الذي كاد أن يتسبب بإفلاس الشركة المنتجة، لكن... هل توقفت مسيرة تايلور الفنية والحياتية إلى اللحظة التي سجّلت فيها هذه المقابلات الصوتية مع ريتشارد ماريمان عام 1963؟
هذا ما تناساه صنّاع الوثائقي تماماً، فجاء التركيز الأساسي على سنوات تايلور في هوليوود حتى عام 1963. أما مشوارها الطويل بعد ذلك، الذي امتدّ حتى 50 عاماً أخرى، فلم يحظَ باهتمام كافٍ، على الرغم من "كنز المواد الأرشيفية" الذي أتيح أمام المخرجة نانيت بورستين، وفقاً لما صرحت به في أكثر من لقاء بعد عرض الفيلم.
كانت إليزابيث تايلور نجمة ناشئة في بدايات الثلاثينيات من عمرها، عندما بدأ ريتشارد ماريمان تسجيل هذه المقابلات الحوارية معها، لكن حياتها الفنية "الحقيقية" هي ما تحقق بعد هذه التسجيلات، ففي الأعوام الخمسين اللاحقة شهدت مسيرتاها: المهنية والحياتية على حدّ سواء قمماً وسفوحاً، من زيجات متعددة وصلت إلى ثمانٍ "رسمية" من بينها اثنتان مع ريتشارد بيرتون وحده، التي ربطتها به علاقة حب مَرضية معقدة، يمكن تشبيهها بتعبيرات اليوم بأنها كانت واحدة من أكثر علاقات الحب المسمومة في هوليوود، وصولاً إلى إدمان المخدرات والكحول، ونهاية بدورها المبكر في محاربة مرض الإيدز.
ضمّت قائمة أزواج تايلور أثرياء ونجوماً ومشاهير، وعامل بناء مجهولاً، بدأتها وهي في التاسعة عشرة حين تزوجت وريث عائلة هيلتون المالكة لسلسلة الفنادق الشهيرة نيكي هيلتون، الذي لم تستطع تحمّله طويلاً، فهربت منه سريعاً إلى الممثل الإنكليزي مايكل وايلدنغ، ورغم إنجابهما طفلين، إلّا أنّ الفشل كان مصير هذه الزيجة أيضاً، لتتزوج تايلور بعدها المنتج الأميركي مايك تود، الذي أفرد له الوثائقي الكثير من المساحة. وأظهر عشقه لتايلور وهو يهديها المجوهرات الثمينة، خصوصاً الماس الذي تعشقه، فحين يهديها ماسة نادرة عيار 28 قيراطاً ونصف قيراط، يقول لها مازحاً: "نعم، لأن قطعة من الماس عيار 30 قيراطاً ستكون مبتذلة".
رحل مايك تود في حادث تحطّم طائرة مروع عام 1958، ولم تجد قطة هوليوود من يواسيها حينها سوى أقرب أصدقائها مع زوجها الراحل، المغنّي والممثل الأميركي إيدي فيشر، وزوجته النجمة ديبي رينولدز، التي كانت صديقة مقرّبة جداً من تايلور آنذاك، لكن سرعان ما تحوّلت لقاءات تايلور وفيشر إلى حديث هوليوود الصامت، وبدأت زوجة فيشر هي الأخرى تُبعد (أو تُستبْعد) من المشهد، حتى كشفت صحافة الباباراتزي عن "فضيحة" العلاقة الغرامية التي تجمع بين تايلور وفيشر "بعد شهور قليلة من مقتل زوجها" كما ردّدت الصحافة وقتها. وعلى الرغم من ذلك، نسمع صوت تايلور في الوثائقي يأتي واثقاً وهي تعترف: "لم أحبّ إيدي أبداً، لقد أعجبت به فقط".
لم تُبدِ إليزابيث تايلور أي ندم على انتشار "الفضيحة"، على الرغم من أنها أدّت إلى إلغاء برنامج إيدي فيشر التلفزيوني الناجح، ومع مطلع 1959، يعلن الحبيبان زواجهما، الذي يستمر حتى 1964، أي بعد شهور قليلة من انتهاء تصوير فيلم "كليوباترا". بعدها بدأت مرحلة جديدة من حياة إليزابيث تايلور، قوامها التمرد على كلّ شيء، وصولاً إلى عام 2011، حين توفيت إليزابيث تايلور عن عمر ناهز 79 عاماً، بعد رحلة طويلة امتدت بين مدّ وجزر، وحياة ثرية، لا يمكن تلخيصها بسهولة، حتى لو أتيحت لنا 40 ساعة من التسجيلات الصوتية.
لم تكن مصادفة أن تتصدّى إليزابيث تايلور بنفسها لإنتاج فيلم "ترويض النمرة" للمخرج فرانكو زيفيريللي عام 1967، وأن يكون البطل أمامها هو زوجها ريتشارد بيرتون نفسه (تشاركا الأدوار في 10 أفلام)، فالصراع الذي يدور بين النجمين الشهيرين في الحياة الواقعية، هو ذاته الصراع الذي يرويه شكسبير في إيطاليا القرن السادس عشر بين "كيت" المتمردة و"بيتروتشيو" العاشق الذي أراد أن يروّضها عنوة، فروّضته بمحبتها. وهو ذاته الصراع الذي نستشعره في صوت كليوباترا وهي تصرخ في مارك أنطونيو: "اركع على ركبتيك"، فيلتفت إليها مستنكراً: "أركع على ماذا"؟ فتأمره مجدّداً، ولكن بصوت تايلور هذه المرّة: "اركع على ركبتيك"، فيركع ريتشارد بيرتون.
في الوثائقي المبتسر "إليزابيث تايلور: الأشرطة المفقودة"، يتهدّج صوت النمرة في حنجرة تايلور، وهي تقول من دون ذرة ندم: "إنها لعبة خاسرة، أن تحاول تبرير أفعالك، لأنك تخسر نفسك إلى الأبد".