فرّت الإعلامية الأفغانية فيروزه عزيز في الأسبوع الأول من سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، منتصف أغسطس/ آب الماضي، وتمكّنت من الذهاب إلى فرنسا لتعيش مع أهلها، تاركةً الكثير من أحلامها في كابول.
تقول فيروزه عزيز لـ"العربي الجديد"، في حديث عبر الهاتف، بنبرة مليئة بالحزن والأسى: "تخرجت قبل عامين من كلية الإعلام في جامعة كابول، وما كنت أظن أنني سأترك كابول مسقط رأسي، لكن فجأة تغير كل شيء، واضطررت مع أسرتي لترك المدينة التي كنت أريد أن أصنع فيها الكثير، وفيها كل الأحلام وكل ما اكتسبته خلال عقدين من الزمن".
كانت فيروزه عزيز تشتغل في "إذاعة أميركا" في كابول مراسلة لها. وتضيف في حديثها: "العيش في فرنسا جيد، لكني أصبحت بلا وطن، بلا أحلام، بلا أمل. لم أكن أعيش في أفغانستان فقط من أجل نفسي وأسرتي بل من أجل البلاد، من أجل النساء اللواتي عانين كثيرًا طيلة الأعوام الماضية. بعد سيطرة طالبان على كابول سادت أحوال استثنائية. كنت مترددة في الخروج، غير أن أسرتي أرغمتني على ذلك. الآن وبعد مضي شهرين من سيطرة طالبان على كابول، تيقنت أن بقائي ما كان ليكون صائباً، إذ إن الشهرين الماضيين أثبتا أن طالبان لم تتغير، تحديداً حيال ملف وسائل الإعلام والنساء".
على هذا المنوال أيضاً، خرجت هيلي أسد من كابول وهي لا تعرف ماذا سيحل بها، وإلى أن أين يسير مستقبلها، كان قلقها، بالإضافة إلى الوطن، على أسرتها، لأنها كانت تتركها خلفها لتمضي إلى جمهورية التشيك، لتنضم إلى فريق عمل "إذاعة أميركا" في القسم الروسي منها. ذهبت هيلي مع والدها أسد الله خان إلى مدينة براغ، وهي تعمل هناك منذ أكثر من شهر، لكن قلبها معلق بكابول وبحالة أسرتها التي تعيش في مدينة جلال أباد، شرقي البلاد.
70 في المئة من وسائل الإعلام الأفغانية توقفت عن العمل
أما الإعلامي المخضرم عزيز أحمد تسل، وهو رئيس "كابول برس كلوب" (نقابة للإعلاميين الأفغان)، فيفكّر ويتحدث ليس فقط عن معاناته، بل أيضاً عن معاناة كثيرين من رفاقه وزملائه الذين يعيشون في وضع خطير تحت وطأة حكم طالبان في كابول، إذ تعرض بعضهم لعمليات اعتداء.
يقول عزيز أحمد تسل، الذي يعيش في أميركا حالياً، والذي تمكن مع أسرته من الذهاب إلى هناك خلال عملية الإجلاء التي تبعت سيطرة طالبان على كابول، لـ"العربي الجديد": "تركت ورائي الكثير، مكتبي في منطقة شهرنو حيث كنت أرى فيه يومياً العشرات من الإعلاميين، وأخطط فيه من أجل مستقبل زاهر، رفاقي الذين لم أتمكن من وداعهم، إذ كنت مشغولا في تغطية ما حدث في كابول وفجأة اتصلت بي الإدارة وطلبت مني الخروج مع أسرتي. فكّرت في مستقبلي ومستقبل أولادي، فأخذت ما كان يمكن أن آخذه معي من كابول وجئت بعد رحلة طويلة إلى أميركا، لا أعرف كيف سيكون مستقبلي، لكنّي أعرف أنني على الأقل أكون أنا وأسرتي في مأمن من ضغوط طالبان والتهديدات الأمنية التي يعايشها أقراني الموجودون في أفغانستان".
أما الباقون في أفغانستان فيواصلون "مهنة المتاعب" تحت وطأة تهديدات مختلفة وتحدّيات جمة، أبرزها الضغوطات من قبل طالبان وعدم السماح لوسائل الإعلام بالتغطية. تذكر مراسلة تلفزيون "طلوع" في كابول آمنة حكيمي، في حديثها لـ"العربي الجديد" حول معاناتها في العمل الصحافي تحت حكم طالبان، قصة تغطيتها لتظاهرة نسائية قبل أسابيع، قائلةً "ذهبنا إلى موقع التظاهرة قبل الموعد، حينما بدأنا التغطية جاءت قوات طالبان ومنعتنا، أخذت مني الجوال وفتشت كل ما في داخله من صور وحذفتها. كنت تحت مراقبتهم لمدة ساعة. أما مصوري فأخذوه مع الكاميرا، وإلى الآن لا نعرف مصيره. تواصلت مع وزير الثقافة والإعلام الملا خير الله خيرخواه، ووعدني بأن يعمل من أجل الإفراج عنه، لكن لم يحصل حتى الآن أي شيء".
تمنع طالبان التصوير وتعتقل مصورين وتصادر كاميراتهم
وحول تعامل طالبان قانونياً، يقول الإعلامي مبين مهدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المشكلة أن لا قانون حالياً لوسائل الإعلام في أفغانستان"، مؤكداً أنّ "على طالبان أن تراجع سياساتها مع وسائل الإعلام لأنها بمثابة جسر بين الحكومة والشعب، بالتالي لا يمكن لطالبان أن تواصل سياساتها الحالية مع وسائل الإعلام".
وكان "اتحاد الصحافيين الأفغان" قد أكد في مؤتمر، قبل أسبوعين، أن 70 في المائة من وسائل الإعلام الأفغانية توقفت عن العمل بسبب التطورات الأفغانية والوضع الاقتصادي والأمني في البلاد، مشيراً إلى أن ما تبقى من وسائل الإعلام تواجه مخاطر مدوية وتحديات جمة، مطالباً طالبان بالعمل معه من أجل وضع آلية للعمل في المستقبل.
وقال المسؤول الإعلامي في الاتحاد، ويدعى مسرور لطيفي، إن 67 في المائة من الإعلاميين والصحافيين خسروا وظائفهم بسبب التحديات الأخيرة والوضع الراهن، فيما 33 منهم لا يزالون يملكون الوظائف. وحيال التحديات، تؤكد إحصائية أن 40 في المائة يواجهون مخاطر أمنية، وبعضهم واجهوا التهديدات والبعض الآخر يخشون من مواجهة التهديدات، فيما 30 في المائة آخرون يواجهون مشاكل اقتصادية، و30 في المائة آخرون يخشون على وظائفهم في المستقبل، نظرًا للوضع السائد.
وفي تعليق لها على ما يتعرض له الإعلاميون، تقول الإعلامية الأفغانية أنيسه بشاي، التي تعرضت لعملية اعتداء مع أفراد من أسرتها من قبل طالبان في كابول، لـ"العربي الجديد"، إن "مهنة الإعلام في أفغانستان مهنة صعبة، ومواصلتها بمثابة عملية انتحار، لكن لا مفر لنا غير أن نستمر فيها رغم كل التهديدات والتحديات".