خلال "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة، وصلت كمية التضليل والمحتوى الكاذب وخطاب الكراهية العنيف على منصات وسائل التواصل الاجتماعي إلى مستويات غير مسبوقة. تنشر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي محتوى لم يجرِ التحقق منه، أو مضللاً، وصوراً مفبركة ومستندات معدلة، وتضخّم الادعاءات التي لا أساس لها.
يحرّض هذا النوع من المحتوى على مزيد من العنف، ويؤيد جرائم الحرب، ويؤثر على قرارات السياسة العالمية الحقيقية، كما تؤكد ورقة نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن.
في الورقة، تؤكد نائبة المدير التنفيذي للمركز، تمارا خروب، أن مستوى المعلومات المضللة، خاصة على موقع إكس، لم يسبق له مثيل من قبل وينتشر بتسارع بسبب طبيعته القاسية والعاطفية، والتي بدورها توسّع نطاق انتشاره. ونقلت الورقة عن محللين أن 20 في المئة من الحسابات المشاركة في هذه المحادثات عبر الإنترنت مزيفة، وتعمل في الغالب على "إكس" و"تيك توك".
إضافة إلى ذلك، كان هناك عشرات الملايين من المنشورات حول الأحداث في إسرائيل وفلسطين التي لا يمكن التحقق منها، والسرعة التي تنتشر بها تفوق بكثير إجراءات مراجعة المحتوى من قبل المنصات، خاصة بعد موجات تسريح الموظفين التي شملت فِرَق المحتوى والسلامة.
وصحيح أن بعض المؤسسات تعمل على التحقق من صدقية المحتوى، إلا أنها غير قادرة على مواكبة كمية التضليل، كما أن خطر المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، الذي يبدو واقعياً، هو مشكلة حقيقية أخرى.
إضافة إلى ذلك، تُنشَر المقاطع الإشكالية في تطبيقات مشفّرة مثل "تيليغرام" و"واتساب"، وهنا يصعب التحقق من صحة المحتوى ومصداقيته ومصدره. ولم يجرِ تأكيد أو التحقق من قصة 40 طفلاً مقطوعة الرأس من قبل أي حساب رسمي، ومع ذلك فهي مستمرة في الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشوهدت القصة الكاذبة 44 مليون مرة، وحقّقت 100 ألف إعادة نشر، وتناقلتها وسائل الإعلام الرئيسية، حتى إن بايدن نفسه أشار إلى هذا الادعاء أثناء دعمه للقصف الإسرائيلي العشوائي لقطاع غزة المحاصر. الطبيعة الشنيعة لهذه القصة تساهم في التحريض وتبرير جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين في غزة، تقول خروب.
إضافة إلى المعلومات المضللة، انتشر محتوى الكراهية والعنف والمضايقات الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي. ورصدت بعض المنظمات الآلاف من حالات خطاب الكراهية، بما في ذلك معاداة السامية وكراهية الإسلام والعنصرية المعادية للفلسطينيين، وخاصة على منصة إكس.
هناك مخاوف بشأن ارتفاع المحتوى المعادي للسامية عبر الإنترنت، الذي ينشر نظريات المؤامرة ويبرّر العنف ضد اليهود في جميع أنحاء العالم، في حين أن الدعوات لقتل جميع الفلسطينيين وتسوية غزة، فضلاً عن لغة أخرى تجرّدهم من الإنسانية وتدعو إلى الإبادة الجماعية، تتجول بحُريّة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالنسبة للفلسطينيين، فإن التهديد ذو شقين. أولاً، أصبحت العنصرية المناهضة للفلسطينيين أمراً طبيعياً في النفسية الأميركية والغربية، إذ نادراً ما يعامَلون كبشر من قبل وسائل الإعلام أو السياسيين، وينعكس ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي ومعايير المراجعة في محتواها، ما يؤدي إلى انتشار مثير للقلق لخطاب خطير من دون بذل أي جهد للتصدي له.
كما يؤدي الخلط بين معاداة السامية والانتقاد المشروع للجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين إلى إسكات الأصوات الفلسطينية. وهناك بالفعل تقارير عن إزالة وحظر خفي للخطاب الفلسطيني على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أن اللغة المعادية للفلسطينيين والإبادة الجماعية لهم بشكل صارخ مسموح بها على نطاق واسع.
وخطاب الكراهية والتحريض ضد الفلسطينيين في مجال وسائل التواصل الاجتماعي العبري هو أكثر وضوحاً وانتشاراً، مع عدم وجود أي قيود تقريباً من قبل شركات وسائل التواصل الاجتماعي، تؤكد خروب. وهذا الاتجاه مثير للقلق بشكل خاص، لأن السكان المهمشين والمضطهدين مثل الفلسطينيين يعتمدون على منصات وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة مظالمهم وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ضدهم.
بينما تستمر وسائل الإعلام الرئيسية في تقديم روايات متحيزة، واستبعاد الأصوات والقصص الفلسطينية، وإدامة الروايات وممارسات إعداد التقارير التي تجرد الشعب الفلسطيني من إنسانيته وتقوض معاناته بينما تخرج الأحداث من سياقها.