استمع إلى الملخص
- المحاكمات ضد الصحافيين تتوالى بناءً على المرسوم 54 لسنة 2022، في سياق يعكس رغبة السلطة في تدجين القطاع الإعلامي، خاصة خلال عام الانتخابات الرئاسية، مما يثير قلق منظمات حقوقية.
- نقيب الصحافيين التونسيين يحذر من التراجع المخيف في حرية الصحافة والتعبير، مؤكدًا على ضرورة الدفاع عن هذه الحريات كعماد للديمقراطية ورفض المحاكمات التي تستهدف الصحافيين بسبب آرائهم.
تواصل السلطات حبس الصحافيين التونسيين ومعاقبتهم بالتوقيف وملاحقتهم بالدعاوى القضائية، في ظروف لم يسبق أن شهدتها البلاد في أيّ وقتٍ سابق.
ومثل مدير تحرير موقع انحياز الصحافي غسان بن خليفة أمام المحكمة الابتدائية في تونس، الثلاثاء، مع استمرار محاكمته بتهم تتعلّق بـ"الإرهاب".
واتهم القضاء بن خليفة بإدارة صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهو ما نفاه الصحافي الذي أكد أن التهم المنسوبة له لا أساس لها من الصحة. بعد الاستماع إلى الصحافي ومحاميه قرّرت المحكمة تأجيل النطق بالحكم في القضية حتى استكمال الاطلاع على المؤيدات التي قدمها محاموه.
وكانت محكمة في محافظة بن عروس قد قضت بسجن غسان بن خليفة لمدة ستة أشهر في 14 مارس/ آذار الماضي، بتهمة الإساءة للغير عبر شبكات الاتصالات.
من ناحية أخرى، مثلت المحامية والمعلقة في البرنامج الصباحي "مهمة مستحيلة" (Emission impossible) الذي يبث على إذاعة إي أف أم الخاصة، سنية الدهماني، أمام قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في تونس بملفين منفصلين استناداً إلى المرسوم 54 لسنة 2022 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال.
واستُجوبت الدهماني في ملفين جديدين حول آرائها في معالجة الدولة ملف الهجرة غير النظامية والأداء الحكومي، يضاف ذلك إلى ثلاثة ملفات تحاكم فيها المحامية، بناءً على المرسوم 54، الذي تطالب منظمات حقوقية ونقابية بإلغائه أو نزع الطابع الزجري عنه. أودعت سنية الدهماني السجن في 13 مايو/ أيار الماضي، وقرر قاضي التحقيق إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضدها في قضية جديدة.
كذلك، يقضي الصحافي محمد بوغلاب عقوبة بالسجن لمدة ستة أشهر منذ مارس الماضي في انتظار محاكمته في قضية أخرى بسبب منشورات له على منصات التواصل الاجتماعي، كما تقبع الصحافية شذى الحاج مبارك في السجن منذ عشرة أشهر من دون محاكمة في القضية المعروفة إعلامياً بقضية "إنستالينغو".
وتتواصل عملية سجن الصحافيين التونسيين وتوقيفهم، حيث حكم على الصحافيين مراد الزغيدي وبرهان بسيس بالسجن لمدة سنة في 22 مايو الماضي، مع إمكانية التحقيق معهما ومحاكمتهما في قضايا أخرى، وفقاً لما أعلنه محمد زيتونة الناطق الرسمي باسم محكمة تونس.
وتتعلّق جميع هذه المحاكمات بممارسة المتهمين عملهم الصحافي، وهو ما اعتبرته العديد من المنظمات الحقوقية والنقابية، ومنها النقابة الوطنية للصحافيين، سابقة لم تعرفها تونس، تترجم رغبة من السلطة في تدجين القطاع الإعلامي في عام الانتخابات الرئاسية، التي تقام في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بالاعتماد على الفصل 24 من المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والذي سنّه الرئيس التونسي قيس سعيد في 13 سبتمبر/ أيلول 2022 .
وأكد نقيب الصحافيين التونسيين زياد دبّار، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سلسلة محاكمات الصحافيين في تونس سابقة لم تعرفها تونس من قبل، مما يترجم التراجع المخيف في حرية الصحافة والتعبير. كذلك، يعكس اعتماد المرسوم 54 والفصل 96 من مجلة الاتصالات لمعاقبة الصحافيين والمعلقين السياسيين بدلاً من اعتماد المرسوم 115 المنظم للقطاع الإعلامي، رغبةً من السلطة في إخراس كل الأصوات المعارضة لها".
وأضاف دبّار: "اليوم نحن أمام مفترق طرق، إما الدفاع عن حرية الصحافة وحرية التعبير باعتبارهما عماد كل مشروع ديمقراطي أو قبول سياسة الأمر الواقع. يعني ذلك العودة بالصحافة التونسية إلى مربع التدجين الذي خلصته منه الثورة التونسية".
وأشار نقيب الصحافيين إلى أنّ "النقابة وقوى المجتمع المدني ستعمل على صون حرية الصحافة والتعبير بكل الوسائل المشروعة ضماناً لحق المواطن التونسي في إعلام حرّ ونزيه وتعددي وذي جودة"، كما جدّد رفضه وإدانته "لكل المحاكمات التي تلاحق الصحافيين على خلفية آرائهم والتي تساهم في خلق مناخ غير ديمقراطي وحر لعمل وسائل الإعلام في تونس، ووضعها تحت الضغط لتوجيه عملها لمصلحة جهات بعينها".