كشفت استقالة نقيب الصحافيين الأردنيين راكان السعايدة، يوم الأربعاء الماضي، عن عمق الأزمة التي تعيشها نقابة الصحافيين بشكل خاصّ، والإعلام الأردني بشكل عام، والذي يعاني من أزمة مزمنة تتفرّع إلى شقّين: الأول متعلق بالحريات الصحافية، فبحسب التصنيف الأخير الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، حلّ الأردن في المرتبة 129 عالمياً، فيما هناك صعوبات مالية تعصف بالمؤسسات الصحافية، ويدفع ثمنها الصحافيّون. إذ إنّ الصحف الورقية الأردنية تواجه أزمات مالية خانقة، بعد التراجع الكبير في سوق الإعلانات، وعزوف المشتركين عن تجديد اشتراكاتهم السنوية، وتراجع قراءة الصحف أمام انتشار المواقع الإخبارية. ما وصل إلى حد تأخر دفع رواتب العاملين في مؤسسات صحافية كبرى لعدة أشهر مع الإغلاق العام بسبب فيروس كورونا.
من الواضح أن استقالة نقيب الصحافيين من منصبه، وإعلانه عدم نيته الترشح لهذا المنصب في المستقبل، هي نتاج لأزمة النقابة ذاتها والمؤسسات الصحافية الأردنية. فقد كتب السعايدة الذي تولى منصب النقيب منذ مايو/ أيار 2017 في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك": "أبلغكم استقالتي وهذا يعني حكماً استقالتي من عضوية مجلس إدارة مؤسسة الاذاعة والتلفزيون"، مضيفاً: "لقد اكتفيت من الظلم والإنكار والجحود والإساءات". وفق السعايدة، فإنّ "واجب مجلس نقابة الصحافيين محاربة الفساد والتصدي للترهل، لا حماية الفاسدين والمترهلين في مؤسساتهم لأسباب انتخابية، والأصل أن تحمي النقابة أصحاب الحق لا أصحاب الباطل"، مستطرداً "الحكومة التي تخضع لابتزاز أي نقابة ولا تقوم بما يجب القيام به بالعدل والحق وعدم الظلم، حكومة لا تستحق أن تبقى".
قرار استقالة السعايدة الذي كان يشغل بحكم منصبه كنقيب الصحافيين، منصب نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، جاء بعد اجتماع جرى الثلاثاء الماضي بين وزير الدولة لشؤون الإعلام الأردني صخر دودين، ورئيس مجلس إدارة التلفزيون الأردني غيث الطراونة، والمدير العام محمد بلقر، أسفر عن تجميد قرارات متعلقة بانتداب ونقل عدد من صحافيي التلفزيون إلى المكتبة الوطنية، وهو الأمر الذي يعني إلغاء قرار كان السعايدة جزءاً من الموافقة عليه بحكم منصبه الوظيفي.
أزمتان معيشيّة وحريّاتيّة تعصفان بالصحافيين الأردنيين
خلاف السعايدة لم يكن مع وزير الدولة لشؤون الإعلام فقط. ولتوضيح حجم التباين والاختلاف في مجلس نقابة الصحافيين الأردنين، أصدر 6 من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين بياناً، خالفوا فيه النقيب حول حيثيات نقل صحافيين من التلفزيون، مؤكّدين رفضهم قرارات الانتداب لغايات نقل عدد من الهيئة العامة للنقابة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى وزارات ومؤسسات حكومية أخرى، وعدم الاكتفاء بتجميد القرار. وقال نائب نقيب الصحافيين ينال البرماوي، وأعضاء المجلس فايز أبو قاعود، وزين الدين خليل، وهديل غبون، ومؤيد أبو صبيح، وعلي فريحات، في بيانهم: "إنّ القرار ينطوي على مخالفة لمبادئ العمل الصحافي ومنهجياته، فعضوية الصحافي في النقابة مرتبطة بعمله في مؤسسة صحافية أو إعلامية وبوظيفة صحافية وإعلامية داخل المؤسسة"، وطالبوا وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال صخر دودين بالتدخل لإلغاء القرار وعدم الاكتفاء بتجميده، وذلك حفاظاً على حقوق الزميلات والزملاء وتفادياً لإلحاق الأذى بهم.
وفي أول اجتماع لمجلس النقابة بعد استقالة السعايدة، يوم الخميس الماضي، جرت مناقشة موضوع الهيكلة في الإعلام الرسمي من أجل متابعتها مع الحكومة وإدارات الصحف من خلال لجنة الهيكلة التي شكلها المجلس، للوقوف إلى جانب أعضاء النقابة وعدم المساس بحقوقهم الوظيفية في ظل الظروف والتحديات الاقتصادية التي يمرون بها، ووضع خطوات للتصدي لأي قرارات غير عادلة تمسهم، حفاظاً على مصالحهم المهنية. بالإضافة إلى متابعة شؤون العاملين في مؤسستي الإذاعة والتلفزيون وكالة الأنباء الاردنية (بترا) من خلال إنجاز المسار المهني بالتنسيق مع إدارة المؤسستين وديوان الخدمة المدنية للأخذ بالتوصيات التي تتعلق برفع العلاوات المهنية لجميع أعضاء النقابة في المؤسستين ضمن الترتيبات التي تمت سابقاً مع ديوان الخدمة والجهات الحكومية المعنية واللجان النقابية ومجالس النقابات المهنية.
حول خلافة السعايدة، قال المستشار القانوني المحامي محمود قطيشات، في بيان صادر عن النقابة، الخميس الماضي، إنّه "بعد استقالة نقيب الصحافيين التي قدمها مكتوبة حرصاً على سلامة الإجراءات القانونية التي تنسجم مع قانون النقابة أوضح فيها، أنه حسب المادة 38 من قانون نقابة الصحافيين، إذا استقال النقيب أو توفي أو تعذر عليه القيام نهائياً بمهامه بسبب المرض أو لأي سبب آخر، يتولى نائبه القيام بأعماله وتنتخب الهيئة العامة خلال مدة لا تزيد على ستين يوماً من استقالة النقيب أو وفاته أو ثبوت تعذر استمراره في القيام بمهامه نقيباً يحل محله، وفقاً لأحكام هذا القانون للمدة المتبقية من ولاية المجلس إذا زادت هذه المدة المتبقية على سنة. كما أنّ إجراء الانتخابات مرتبط بقرار رئاسة الوزراء، وبناء على توصية لجنة الأوبئة، حرصاً على إدامة عمل النقابة لخدمة أعضاء الهيئة العامة، فإن نائب النقيب الزميل ينال البرماوي يبقى مستمراً في مهام النقيب إلى أن تجرى الانتخابات للنقيب وأعضاء المجلس". وأشار قطيشات إلى أنه "فيما يتعلق بمدى تأثير كون نائب الزميل ينال البرماوي يعمل مستشاراً لوزير الصناعة والتجارة بالقيام بمهامه كنقيب، فإن تولي نائب النقيب القيام بمهام النقيب رغم عمله مستشاراً في الحكومة يعتبر غير مخالف قانونياً ومنسجما مع قانون نقابة الصحافيين كونه ما زال في موقعه نائباً للنقيب ويقوم بمهام النقيب فقط وليس نقيباً".
لكن، وفق عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين خالد القضاة، فإن مشكلة نقابة الصحافيين أكثر عمقاً. إذ يقول لـ"العربي الجديد" إن "المجالس المنتخبة في الأردن لا يتم الترشح لها والانتخاب على أساس برامجي، ليكون الناتج مجالس بدون خطة وبرامج واضحة، وتبقى مقيدة بحكم القوانين التي تنظم عملها، في وقت تحاول مختلف القوى والجهات الرسمية السيطرة على هذه المجالس، من خلال القوانين التي تفرز مجالس ضعيفة". وأضاف "الحل هو تعديل القوانين بشكل جذري ليكون الترشح على أسس برامجية، وضمن قوائم لضمان مجالس قوية"، مشيرًا إلى أنّ "هناك قوانين تساهم بتفريغ هذه المجالس من دورها رغم الأسماء البراقة"، مضيفاً أنّ "القوانين الهزيلة تنزع من هذه المجالس دورها وجوهر عملها السياسي والوطني والفكري".
وحول المشاكل المادية التي تواجهها النقابة وتقف حائلاً دون تلبية مطالب الأعضاء، يرى القضاة أنّ "القوانين عاجزة وقاصرة عن تحصيل أموال النقابة من المؤسسات القائمة والناشئة، وكذلك تضعف قدرتها على إنشاء صندوق لدعم أعضاء النقابة والمؤسسات الصحافية، مما تسبب بضعف التدفق المادي خاصة في ظل ظروف جائحة كورونا". وقال: "يتم تحميل النقابة ومجالسها أسباب الفشل، رغم أنّ كل ذلك مرتبط بالقوانين الناظمة لعمل النقابة. والفشل ليس بالأشخاص بقدر ما هو بالقانون الذي جاء بهم فرادى دون برامج وتوجهات، ولا تربط بينهم رؤى مشتركة، فالنجاحات تكون فردية، والفشل يكون جماعياً، ولكن الحكومة ومؤسسات في الدولة من أسباب هذا الفشل".
مشكلة النقابة عميقة وتمتد إلى مجالسها والقوانين التي تحكمها
بدوره، قال عضو الهئية العامة، الصحافي وليد حسني لـ"العربي الجديد" إنّ "الأزمة في الأساس ليست أزمة حريات على أهميتها، لكنّ هناك أزمةً ترتبط بالأمان الوظيفي للصحافيين والحصول على عمل، والالتزام بتسليم الصحافيين حقوقهم من المؤسسات الإعلامية في نهاية الشهر. فالأزمة في الأساس أزمة معيشية، وهي جزء من الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد خاصة في جانبها الاقتصادي". وأضاف "هناك أيضاً أزمة المحافظة على المكتسبات. فهناك مؤسسات صحافية كانت تحقق أرباحاً في سنوات سابقة، لكنها الآن تمر بأزمة مالية، خاصة الصحف الورقية وأكبرها "الرأي" و"الدستور"، وحتى هناك صعوبات في صحيفة "الغد"، والصحافيون فقدوا الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها سابقاً وتشكل جزءاً مهماً من دخلهم، بسبب عدم تكيف بعض المؤسسات الصحافية مع التطورات الحديثة".
واعتبر أنّ "مشكلة النقابة هي النقابة نفسها. بمعنى أنها ليست لديها سلطة حازمة بتطبيق القانون أو تمرير موقفها، وليس لها تأثير على المؤسسات الإعلامية أو الحكومة، وهي تخضع لتهميش كبير من الجانب الحكومي، وتخضع لعدم احترام من المؤسسات الاعلامية. فالنقابة لها مئات آلاف الدنانير على المؤسسات الصحافية لكنها غير قادرة على تحصيلها". وأضاف أنّه "من أسباب ضعف المجالس النقابية المتعاقبة التدخل الرسمي بطرق غير مباشرة، وبالتالي أصبحت النقابة كمؤسسة، خلال الدورات الماضية، عنوانا ليس له معنى أو محتوى، وهذا بالنتيجة جاء ضمن مجالس ضعيفة ودخول أفراد إلى مجالس النقابة لا يستحقون هذا الموقع".
وأشار إلى أنه "منذ عام كان يجب إجراء انتخابات نقابة الصحافيين، لكن الحكومة أجّلت الانتخابات بحجة كورونا، وهذا القرار السياسي للحكومة كان له تأثير كبير، خاصة أنّ عدد أعضاء النقابة حوالي 1500 شخص ويمكن إجراء الانتخابات بيسر وسهولة وفي ظل الإجراءات الاحترازية المتعلقة بفيروس كورونا". وأضاف أنّ "آلية الاختيار مشكلة أيضاً، فالترشيح فردي، ويتشكل عنه مجلس بدون برنامج. وإذا لم تفرض النقابة سيادتها على جزء معين تفقد سيادتها على الكل. وعندما تفقد النقابة استقلاليتها بسبب التوجهات الرسمية، تعجز عن القيام بالدور المناط بها".
من جانبها، قالت الصحافية فلحة بريزات التي أعلنت ترشحها لانتخابات نقيب الصحافيين التي تمّ تأجيلها بسبب جائحة كورونا، لـ"العربي الجديد" إنّه "لا شك في أن نقابة الصحافيين شهدت تراجعاً تراكمياً ومتصاعداً في طريقة تعاملها مع ملفات رئيسية تقع في صلب دورها المهني. وقد غابت في كثير من الأوقات عن المعالجات المنسجمة مع حقوق وتطلعات منتسبيها، والتي تقع في صلب مسؤوليتها في حماية الحقوق المهنية للأعضاء والدفاع عن مصالحهم وتقديم الخدمات الاجتماعية لهم، بما يحقق لهم تطلعاتهم المشروعة ويحفظ أمنهم الوظيفي".
وأضافت: "للأسف، لمس أعضاء النقابة بشكل واضح ضعف دورها في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير باعتباره حقاً أصيلاً خاصة في ظل تشريعات مانعة لهذا الحق الذي كفله الدستور، والمفترض أنه يكرس دور ورسالة الصحافة كسلطة رابعة. فأصبح الجسم الصحافي يشهد غياباً ظاهراً لدور المظلة النقابية في مواجهة التبعية للقطاعات الاقتصادية والإدارية والأمنية والذي انعكس على مسيرة النقابة ودورها". وتابعت: "كما ساهم دورها المتراخي في بروز تحديات ضاغطة في بيئة عمل الصحافيين وآلية التعامل مع قضاياهم، مما أدى إلى فقدان بعضهم لوظائفهم مما تسبب في غياب الأمن الوظيفي الذي جعل الواقع المعيشي هو الهاجس المسيطر على معظم الصحافيين خاصة في ظل جائحة كورونا، وانصرفت بعض المؤسسات إلى الاستغناء عن عدد من الزملاء والزميلات في ظل تنفيذ أوامر الدفاع".
وأشارت بريزات إلى أنّ "هناك ملفات أخرى ألقت بظلالها على دور النقابة وحدَت من قدرتها لجهة معالجة بعض الملفات، كملف التأمين الصحي، وحقوق النقابة المستحقة على المؤسسات بعض المؤسسات الصحافية والإعلامية وغيرها". ولفتت إلى أنّ "تحديات ضاغطة تواجه مسيرة عمل النقابة سواء لجهة القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير أو لجهة ضعف دورها في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وحضورها في القضايا الوطنية".