يترك العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، آثاراً نفسية على الكثير من الناس في كلّ دول العالم، خاصة بالنسبة للأهل، الذين قد يجدون أنفسهم عاجزين عن متابعة روتين حياتهم اليومية التي من المفترض أن تكون طبيعية أقله أمام أطفالهم.
وبالتالي، يصير السؤال: كيف يمكن للأهل أن يوفقوا بين السيطرة على القلق والتوتر والضغط النفسي المواكب للعدوان من جهة، وإتمام واجباتهم اليومية في المنزل من دون الشعور بالذنب من جهة ثانية؟
تقول عالمة النفس أورسولا طقشي رزق الله، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ الحالة النفسية للأهل تنتقل إلى الأطفال وتؤثر بهم بأشكالٍ مباشرة وغير مباشرة، ما يعني ضرورة أن يتحكم الأهل بردات فعلهم لعدم نقل التوتر المرتبط بالحرب إلى الأبناء.
وتقدم رزق الله عدداً من النصائح التي قد تساعد في تحقيق هذا الهدف:
- بتأمين بيئة آمنة ومشجعة للأطفال، من خلال التحكم بردات الفعل السريعة والعصبية ونقل حقيقة الأحداث بشكل مبسط بعيداً عن التفاصيل.
- توفير الدعم العاطفي للأولاد من خلال تشجيعهم على التحاور مع الأهل حول العدوان الإسرائيلي، من دون إحراجهم في نقل مشاعر الخوف والقلق لديهم.
- متابعة الروتين اليومي مع الأولاد وعدم التوقف عن أيّ نشاط يوفر لهم الشعور بالاستقرار والأمان.
- تجنب الحديث عن التفاصيل المروعة للعدوان الإسرائيلي أمام الأطفال ومراقبة ما يطّلعون عليه في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
- الحفاظ على الروابط الاجتماعية في المدرسة ومع الأصدقاء، الأمر الذي يساعد الأولاد على تخطي شعور القلق.
- إشراك الأطفال في أنشطة فنية وموسيقية ورياضية وغيرها عند الأولاد، ومحاولة التركيز عليها في الأوقات العصيبة.
وترى رزق الله، أنّ من واجب الأهل إدراك حقيقة القلق الذي يشعرون به وإبقاءه بعيداً عن الأطفال، وتنصحهم بالمحافظة على الهدوء عبر تحديد الأولويات. كذلك تشير إلى ضرورة تقسيم الأهل لمهامهم، والتركيز على تحقيق الهدف الأول قبل الانتقال إلى الهدف الثاني، ما يخفف من التوتر ويساعد على تبسيط مجريات حياتهم اليومية، وبالتالي حياة أطفالهم.
تنصح عالمة النفس الأهل بالبحث عمّا يساعدهم على الاسترخاء والتفكير بهدوء، وتؤكد أن الذين لا يستطيعون مساعدة أنفسهم والسيطرة على حالتهم النفسية، لن يتمكنوا من تعليم ذلك لأولادهم.
تترك الحرب آثاراً على الحالة النفسية للأطفال وسلوكياتهم. وغالباً ما يكون للأهل دور مهم في الحدّ منها. على سبيل المثال، يتسبب تعرض الأطفال المتكررّ للصور المروعة، أو المقاطع الدموية، بتداعيات شديدة السلبية عليهم. تنصح رزق الله الوالدين بمتابعة تغطية العدوان، ولكن من دون الانجراف التام فيها، وتخصيص وقت أطول لتمضيته مع الأولاد.
وتكشف رزق الله في حديثها مع "العربي الجديد" عن مؤشرات مهمة تسمح للأهل بمعرفة ما إذا كانوا بحاجة لاستشارة اختصاصيين:
- عدم القدرة على السيطرة على المشاعر والتفاعل بغضب وانفعال مع تصرفات الأطفال
- الشعور بالتعب الدائم الذي قد يؤثر على روتين النوم أو الأكل
- صعوبة الالتزام بشكل إيجابي بالدور الفعال للأب أو الأم في حياة الأطفال.
وتؤكد رزق الله، أنّ سيطرة الأهل على شعورهم بالخوف على مستقبل الأطفال، نتيجة متابعتهم العدوان الإسرائيلي على غزة، تحدٍ كبير ومن الصعب تجاوزه، لكنّها تشدّد على ضرورة تقبله، والسعي إلى تجاوزه من خلال النشاطات اليومية، التي تؤمن للأطفال بيئة آمنة مدعومة نفسياً وعاطفياً.
كذلك، ترى رزق الله أنّ الشعور بالذنب في ظلّ ما يعانيه أطفال قطاع غزة أمرٌ طبيعي، لكنّه لا يجب أن يدفع بالأهل إلى حرمان أطفالهم من التسلية أو الفرح. وتنصح العائلات بالجمع بين الاحتفال بالمناسبات الخاصة أو العامة من جهة، والمشاركة في أعمالٍ خيرية أو فعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك للحفاظ على التوازن النفسي للطفل.