ابتكر متحف ماورتشهاوس في لاهاي طريقة فريدة لملء الفراغ الذي خلفه غياب لوحته الأيقونية "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" (Girl With a Pearl Earring)، للتشكيلي الهولندي يوهانس فيرمير (1632 – 1675). انتقلت اللوحة الشهيرة في العاشر من فبراير/ شباط الماضي إلى متحف ريجكس في أمستردام على سبيل الإعارة، للمشاركة في أكبر معرض من نوعه لأعمال فيرمير. لذا، سيظل متحف ماورتشهاوس من دون أشهر أعماله الفنية حتى انتهاء هذا المعرض في 4 يونيو/ حزيران المقبل.
في مُبادرة إبداعية وتفاعلية لتعويض هذا الغياب، دعا المتحف جمهوره ومحبي أعمال فيرمير إلى تقديم تصوراتهم الخاصة لهذا العمل الشهير. هذه المشاركات التي سيقدمها الجمهور تعرض حالياً بالتناوب في المساحة الفارغة التي خلفتها اللوحة أثناء فترة غيابها عن المتحف.
تعد لوحة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي" واحدة من أبرز اللوحات وأكثرها شهرة في العالم، وقد رسمها فيرمير في منتصف القرن السابع عشر. تصور اللوحة امرأة شابة ترتدي ربطة شعر وتضع قرطاً كبيراً من اللؤلؤ. وقد جذب التعبير الغامض على وجه المرأة المشاهدين لقرون، وجعل اللوحة واحدة من الأيقونات الفنية في تاريخ الفن العالمي. وهي إحدى أهم معروضات متحف ماورتشهاوس الذي يضم عدداً كبيراً من الأعمال المنتمية للعصر الذهبي للفن الفلمنكي.
كانت استجابة الجمهور لدعوة المتحف كبيرة، فقد استقبلت الصفحة التي خُصصت لهذا الغرض على تطبيق إنستغرام عدداً كبيراً من المشاركات من جميع أنحاء العالم، تجاوزت حتى الآن 4 آلاف مشاركة. وتضمنت مجموعة متنوعة من الوسائط، من الرسم والتصوير إلى النحت وحتى أعمال الفيديو. الأعمال المقدمة تُنشر أولاً بأول على الصفحة، وهي أعمال تراوح بين الالتزام بالعمل الأصلي وإعادة صوغه بشكل إبداعي، فقد فضل بعضهم تقليد اللوحة الأصلية والالتزام بالتفاصيل الفنية الكلاسيكية التي تميزها، بينما ذهب آخرون إلى تناول العمل بأسلوب تجريدي أو مفاهيمي أو حتى بأسلوب طريف وساخر.
إحدى هذه المشاركات، على سبيل المثال، كانت عبارة عن منحوتة مصنوعة بالكامل من قطع الليغو، بينما وظف عمل آخر أحد التطبيقات الرقمية لإنشاء الصور. فضل بعضهم صنع نسخهم بواسطة التطريز على القماش أو الكولاج، بينما صنع آخر نسخته على شريحة من البيتزا، كما استبدلت إحدى المشاركات وجه الفتاة في اللوحة بوجه جدتها.
الفنانة المصرية الشابة بسمة حسام شاركت في هذه المبادرة بعمل كارتوني لصورة فيرمير. قالت حسام إن الصورة التي أرسلتها من مشروع تخرجها عام 2018 في قسم الرسوم المتحركة، وكانت عبارة عن بوستر لشخصية شهيرة، ووقع اختيارها حينها على هذه اللوحة الشهيرة لفيرمير.
عبرت إدارة المتحف عن سعادتها بالتجاوب مع المبادرة، فقد فاق عدد الأعمال المقدمة توقعاتها، كما قالت مديرة المتحف إيميلي غوردينكر، في مقابلة مع "دوتش نيوز".
المشروع الذي دشنه المتحف في مطلع فبراير كان وسيلة مبتكرة للتواصل مع الجمهور وإشراك فئات جديدة لمتابعة نشاط المتحف. من خلال دعوة الناس لإنشاء تصوراتهم الخاصة لعمل فيرمير الشهير، فتح المتحف حواراً مُباشراً مع الجمهور وشجعهم على المشاركة في العملية الإبداعية. ساهمت المبادرة من ناحية أخرى في تأكيد الحضور والتأثير اللافت لمثل هذه الأعمال الأيقونية لدى شرائح واسعة من الناس في جميع أنحاء العالم.
ينوي المتحف عرض هذه المشاركات المقدمة داخل المتحف بترتيب استلامها نفسه مع إضافة الطلبات الجديدة فور وصولها. يمثل هذا العرض المتغير احتفالاً بالإبداع والخيال وشهادة على القوة الدائمة لتحفة فيرمير الشهيرة. يخطط المتحف أيضاً لإنشاء عرض رقمي مستمر لهذه الأعمال المشاركة، ليس هذا فقط بل يوفر المتحف أيضاً تذاكر مجانية لأصحاب الأعمال التي سيتم اختيارها لمشاهدة أعمالهم وهي معروضة داخله.