استمع إلى الملخص
- منذ 2014، شهدت الصين تسارعًا في تأسيس شركات فضائية خاصة، مع تطوير قدراتها في إطلاق الأقمار الصناعية وتكنولوجيا لخفض التكاليف.
- تخطط لإرسال رحلات مأهولة للقمر والمريخ بحلول 2030 و2033، مع تطوير تقنيات جديدة وتعزيز مكانتها كقوة فضائية رائدة عالميًا.
يشكل الإنجاز غير المسبوق في العالم الذي حققته الصين خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائتة، والمتمثل في جمع مسبارها عينات من الجانب البعيد من القمر، مؤشراً إلى التقدم الكبير الذي حققته في المجال الفضائي الدولة الآسيوية التي تأمل أن تصبح شركاتها الخاصة قادرة على منافسة "سبايس إكس" الأميركية المملوكة لإيلون ماسك.
ولا شك في أنّ الشركات الناشئة الصينية متأخرة جداً عن الشركات الأميركية العملاقة من أمثال "سبايس إكس"، التي نفذت الخميس الرحلة التجريبية الرابعة لصاروخها "ستارشيب" الأكبر في العالم. لكنّ الفارق بين الجهتين آخذ في التقلّص، لأنّ الصين تدعم بشكل نشط راهناً قطاعها الفضائي الخاص، وتسمح له بتعزيز قدراته، على ما يؤكد خبراء لوكالة فرانس برس.
ويقول المتخصص في البرنامج الفضائي الصيني تشين لان، في حديث إلى وكالة فرانس برس: "في غضون خمس سنوات، ستبدأ سبايس إكس باستشعار الضغط". ويوضح أنّ "الوضع الحالي في سوق السيارات الكهربائية قد يتكرّر في قطاع الفضاء"، في إشارة إلى شركة تِسلا المملوكة أيضاً لإيلون ماسك، والتي تفوّقت عليها من حيث المبيعات أخيراً منافستها الصينية "بي واي دي". ويرى أنّ "الأسد" الكبير "سبايس إكس" قد يضطر، كما حصل مع "تِسلا"، إلى مواجهة "قطيع من الذئاب" متمثلة في الشركات الصينية الخاصة.
فتحت الصين قطاعها الفضائي أمام رؤوس الأموال الخاصة في نهاية عام 2014. ومُذّاك، سارعت مئات الشركات نحو هذا المجال. على سبيل المثال، أطلقت شركة غالاكتيك إينرجي، الخميس الماضي، صاروخها "سيريس 1" محمّلاً بثلاثة أقمار اصطناعية إلى المدار، وهي واحدة ليس إلاّ من عشرات عمليات الإطلاق المماثلة المرتقبة خلال هذا العام في الصين.
ويقول مؤسس شركة أوربيتال غيتواي كونسالتينغ بلين كورسيو: "إنّ قطاع الفضاء التجاري الصيني مدهش من حيث الحجم والعمق". ويشير إلى أنّ "سبايس إكس في حال بقيت متقدمة بفارق كبير" عن القادة الرئيسيين في القطاع الخاص الصيني، "فيُحتمل أن تكون الصين متقدمة" بين الشركات الثانوية.
تمتلك الصين محطة فضائية، كما سبق أن أنزلت مركبات على القمر والمريخ، في حين تخطط لإرسال رحلات مأهولة إلى القمر بحلول عام 2030 وإلى المريخ بحلول 2033. ونجحت الأحد في سحب عينات من الجانب البعيد للقمر، وهو إنجاز غير مسبوق عالمياً. ويُرتقب أن يعود المسبار الذي أنجز هذه المهمة إلى الأرض في نهاية يونيو/حزيران. ويصب القطاع الخاص الصيني حالياً اهتمامه على إطلاق أقمار اصطناعية في المدار. وتتمتع الشركات الصينية بقدرة كبيرة في ما يتعلق بعمليات الإطلاق، وهو أمر ضروري لتمكين المشاريع الحكومية من إنشاء مجموعات ضخمة من الأقمار الاصطناعية، على ما ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون المركزية الصينية في إبريل/نيسان. وتبتكر الصين شبكتين من هذا النوع، هما "غوانغ" و"جي 60 ستارلينك". ويُفترض أن تضم الأولى 13 ألف قمر اصطناعي والثانية 12 ألفاً. ويصل عدد الأقمار الاصطناعية الصينية الموجودة راهناً في المدار إلى مئات الآلاف. وأشارت هيئة الإذاعة والتلفزيون المركزية الصينية إلى أنّ سرعة نشر الأقمار الاصطناعية مسألة مهمة جداً، لأنّ المشاريع الصينية تواجه منافسة من دول أخرى وقيوداً تتعلق بعدد المركبات الفضائية في المدار والترددات المتاحة. فصواريخ "فالكون 9" من شركة سبايس إكس تُستخدم حالياً من وكالة الفضاء الاميركية (ناسا)، فيما تغطي كوكبة الأقمار الاصطناعية "ستارلينك" عشرات البلدان.
ويشكل الفضاء موضوع تنافس حاد بين واشنطن وبكين، إذ تتهم كل منهما الأخرى بالرغبة في إخفاء أهداف عسكرية وراء تطوير هذا المجال. وكان مسؤول أميركي سابق قال أخيراً إنّ العقد المقبل سيكون "الأكثر أهمية" في التاريخ من ناحية المنافسة مع الصين في المجال الفضائي. وقال: "يجب ألاّ نسمح بالخسارة".
ويشير كورسيو إلى "روابط وثيقة" بين الدولة والشركات الخاصة في الصين، لأنّ عدداً كبيراً من هذه الشركات أسسها موظفون سابقون في وكالات رسمية أو باحثون في معاهد حكومية. ويؤكد أن العلاقة لم تكن دائماً بسيطة، "لأنّ الدولة مترددة في التخلي عن احتكارها" هذا القطاع، كما أن لنطاق عمل الشركات الخاصة حدوداً. لكن خلال اجتماع لكبار القادة الصينيين في ديسمبر/كانون الأول، دعا هؤلاء إلى "تنمية" قطاع الفضاء الخاص، واصفين إياه بـ"الاستراتيجي".
ونفذت شركات تجارية صينية ما مجموعه 26 عملية إطلاق في 2023، بحسب وسائل إعلام رسمية، من بينها العملية التي نفذها صاروخ Zhuque-2 من تصميم شركة لاند سبايس الخاصة، وهو أول صاروخ في العالم يصل إلى المدار بمحركات تعمل بالميثان السائل، وهي تكنولوجيا واعدة تساعد على خفض التكاليف. ويشير تشن لان إلى أن "الخطوة الكبيرة التالية" للشركات الصينية الخاصة "ستكون تصميم صاروخ من نوع فالكون 9 وإتقان تقنية إعادة استخدام الطبقة الأولى" من الصاروخ. ويتوقع أنّ يحقق عدد كبير من الشركات هذين الهدفين خلال العام الحالي.
ومن المنتظر أن ينفّذ القطاع الخاص سنة 2024 نحو 30 من قرابة مائة عملية إطلاق مخطط لها في الصين. وعلى سبيل المقارنة، نفذت "سبايس إكس" خلال السنة الفائتة 98 من أصل 109 عمليات إطلاق أميركية، بحسب عالم الفيزياء الفلكية جوناثان ماكدويل، ما يؤكد التفوق الأميركي في هذا القطاع خلال المرحلة الراهنة.
(فرانس برس)