- أبدى اهتمامًا بتاريخ مصر، خصوصًا في الحكم الفاطمي وعصر المماليك، مقدمًا تفسيرات جديدة للدولة الفاطمية مستندًا إلى مصادر نادرة ومخالفًا للآراء السائدة.
- في مقابلة بمناسبة تكريمه، تحدث عن تأثير والده على مسيرته وجهوده في إدارة دار الكتب المصرية، مؤكدًا على أهمية البحث العلمي في تقديم تفسيرات جديدة للتاريخ.
ولد المؤرخ والمحقق المصري أيمن فؤاد سيد في بيت علم، فوالده فؤاد سيد من أهم علماء المخطوطات العربية ومحققيها رغم أنه لم يحظ بتعليم عال.
أكمل أيمن ما عايشه في مجلس أبيه العلمي، فتخصص بالتاريخ وأنجز دارسات عن اليمن التي سافر إليها والده ضمن بعثة وزارة المعارف المصرية لتصوير المخطوطات العربية فيها.
حقق أيمن، كما فعل والده، العديد من المخطوطات، وأفرد كتابا لعلم المخطوطات العربية، وأعد، كما فعل أبوه من قبله، الكثير من الفهارس للمخطوطات العربية.
لا يستريح ولا يستكين باحثنا للآراء الشائعة، فيبحث في ما قد قُتل بحثا لينتهي إلى خلاصات جديدة تضيف جديدا، كما فعل في كتابه (الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد).
اهتم الرجل اهتماما خاصا بمدينته القاهرة، فأرخ للحكم الفاطمي ثم (دولة سلاطين المماليك في مصر) ثم خصص كتابا لوصف (القاهرة، خططها وتطورها العمراني) ثم ترجم عنها (وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل) وهو أحد أجزاء كتاب (وصف مصر).
حاورنا أيمن فؤاد سيد على هامش تكريمه بجائزة الدوحة للكتاب، وكان واسع الصدر وكريما بوقته وعلمه.
إليكم الحلقة الأولى للمقابلة:
* ترعرعت منذ طفولتك بين المخطوطات وعلمائها. كيف أثر ذلك عليك؟
كان والدي أول أمين لمخطوطات دار الكتب المصرية، حيث عين أميناً للمخطوطات في الدار عام 1952 بعد فصل المخطوطات عن المطبوعات.
* لاحقا، ألفت كتابا عن دار الكتب المصرية. هل السبب كون الوالد كان يعمل بها؟
لا، لقد ألفت كتابي (دار الكتب المصرية: تاريخها وتطورها) بسبب تكليفي عام 1992 بإدارة مشروع تطوير دار الكتب المصرية التي كانت قد دمجت مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، والمؤسستان تختلفان بطبيعة عملهما.
عهد إلي وزير الثقافة حينها فاروق حسني تولي هذه المسؤولية، فكتبت هذا الكتاب لأشرح تاريخ الدار وتطورها وكيف يجب أن تكون.
*كيف يمكن تلخيص تاريخ هذه الدار؟
كانت هذه أول دار كتب وطنية تنشأ في الشرق، افتتحت هذه الدار للاستفادة العامة من كتبها عام 1870 في زمن الخديوي إسماعيل باشا، والذي اقترح تأسيسها هو وزير المعارف حينها علي باشا مبارك.
كان علي مبارك قد أوفد سنة 1844 إلى باريس لدارسة العلوم العسكرية، حيث شاهد المكتبة الوطنية في باريس وأعجب بها، واقترح بعد عودته على الخديوي إسماعيل إنشاء (الكتبخانة الخديوية) على نمط دور الكتب الاوروبية، وبالفعل استصدر قرارا من الخديوي "بجمع المخطوطات النفيسة التي لم تصل إليها يد التبديد مما حبسه السلاطين والأمراء والعلماء والمؤلفون عن المساجد والأضرحة ومعاهد العلم، ليكون من مجموع هذا الشتات نواة لمكتبة عامة".
* كم كان فيها من الكتب والمخطوطات؟
الكتب المطبوعة تعدت المليونين، ولكن المخطوطات وصلت إلى ستين ألفا.
* هذه كل المخطوطات في مصر؟
لا، تبلغ المخطوطات العربية في مصر نحو 125 ألف مخطوط، وتأتي بالمرتبة الثانية بعد تركيا بمجموع المخطوطات العربية.
في دار الكتب نحو 60 ألف مخطوط، منها مصاحف شريفة وبعضها مكتوب على الرق ويرجع أقدمها الى عام 77 هجرية وهو مصحف منسوب للإمام الحسن البصري، كذلك يوجد في الدار المصحف الذي كان محفوظا في جامع عمرو بن العاص ويعود للقرن الثاني الهجري، وهو مكتوب بالخط الكوفي على رق غزال من غير تشكيل ولا تنقيط.
* حدثنا عن جهود الوالد في حفظ المخطوطات..
عمل والدي منذ يفاعته في دار الكتب حيث كان ينسخ المخطوطات ويعرف خطوط أصحاب المخطوطات ويميزها بمجرد رؤيتها. فكان يعرف "خط الصلاح الصفدي، وذاك قلم ابن حجر العسقلاني... إن خط الصفدي لا تخطئه العين، فهو خط منسق جميل، ومن خصائصه كيت وكيت، وإن قلم ابن حجر لا يتوقف فتكاد كلماته تتشابك".
عندما تسلم إدارة المخطوطات، قام بفهرستها وكذلك فهرسة جميع ما يرد إلى الدار تباعًا من المخطوطات والمصوَّرات. ثم أخرج فهرست مخطوطات مصطلح الحديث.
حقق عددا من المخطوطات منها كتاب (طبقات الأطباء والحكماء) لابن جٌلجُل، (طبقات فقهاء اليمن) لابن سرة الجعدي، (العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين) عن مكة لتقي الدين الفاسي وغيرها.
* بعد تخرجك في جامعة القاهرة، درست الماجستير والدكتوراه في جامعة السوربون في باريس. أي موضوع عملت عليه برسالة الماجستير؟
في الماجستير اخترت موضوع (تاريخ المذاهب الدينية في بلاد اليمن منذ صدر الإسلام حتى نهاية القرن السادس الهجري) وقد نشرت الرسالة لاحقا.
* كيف كان توزع المذاهب في الفترة التي درستها؟
كان تطرف بلاد اليمن عن مركز العالم الإسلامي في دمشق ثم بغداد سبباً في لجوء الكثير من الحركات الخارجية إليها، كانت أهمها الحركة الزيدية والحركة الإسماعيلية.
كذلك فإن إقامة الإمام الشافعي في اليمن، قبل استقراره في مصر، كانت سببا في انتشار مذهبه وذيوعه في ما عرف باليمن الأسفل. ومع بداية القرن الخامس الهجري، أصبح يتقاسم حكم اليمن دول ثلاث: دولة زيدية في الشمال عاصمتها صعدة، ودولة فاطمية إسماعيلية حول منطقة جبل حراز عاصمتها صنعاء، ودولة سنية شافعية في الجنوب عاصمتها زبيد.
* بحثت في الدكتوراه عن تفسير جديد للدولة الفاطمية في مصر. ماذا تعني؟
هناك موضوعات في التاريخ، لا أريد أن أقول قتلت بحثا، ولكنها بحثت كثيرا، فإذا أردت الكتابة فيها، يجب أن تأتي بجديد وكان عندي تفسير جديد للدولة الفاطمية من خلال الدراسات النوعية والمتخصصة التي صدرت وقتها في الشرق والغرب.
* لكن ما هو التفسير الجديد؟
خالفت الكثير من الباحثين والدارسين في النتائج التي وصلوا إليها في أبحاثهم عن الدولة الفاطمية في مصر.
* مثلا؟
موضوعات خاصة بالوزارة، والخليفة، وتفاصيل الحكم والإدارة، وغيرها. لقد نجحت في الوصول إلى مصادر جديدة كتبت في زمن الفاطميين، وأيضا المتأخرين عن ذلك العهد مثل مؤلفات (المُسبحي وابن الصيرفي وابن المأمون وابن الطويل وابن ميسر وابن عبد الظاهر والمقريزي).
* هناك موضوع مُختلف عليه حول نسب الفاطميين إلى فاطمة ابنة النبي، هل بحثت ذلك؟
نشأ مصطلح الفاطميين مع إعلان الإمام المهدي عبد الله دولته عام 909م وذلك لتأكيد انتسابهم لفاطمة بنت النبي ثم لفاطمة زوجة الإمام جعفر الصادق، أم ولديه عبد الله وإسماعيل اللذين ينتسب إليهما الإسماعيليون.
ومن الطبيعي أن يطعن العباسيون وبعض فقهاء وعلماء السنة من تلاميذ ابن تيمية، نجد ذلك عند ابن الجوزي والذهبي وابن كثير، بهذا النسب والادعاء أنهم ينتسبون لمولى هو عبد الله بن ميمون القداح، ويسمونهم العبيديين نسبة وتصغيرا وتحقيرا لاسم عبد الله.
قد أصدر العباسيون محضرا عام 402 ه/ 1011م بالطعن بنسب الفاطميين ووقع عليه الشريف المرتضى.
وهناك رواية طريفة عن المعز لدين الله الفاطمي عندما دخل مصر وسأله اشرافها عن نسبه، فاستل سيفه وقال: هذا نسبي ونثر عليهم الذهب وقال: وهذا حسبي.
* كيف تقيم الدولة الفاطمية؟
بداية التاريخ المصري الحقيقي بدأ معها، فهي التي وضعت مصر وعاصمتها القاهرة في صناعة التاريخ الإسلامي، وقبلها لم تكن مصر إلا ولاية تابعة للخلافة في المدينة وفي دمشق وفي بغداد.
* كيف ترى فترة حكم الحاكم بأمر الله؟
أولا فترة الحاكم بأمر الله فترة شاذة لا يقاس عليها، عشرون سنة من عمر دولة امتدت 210 أعوام، وثانيا يجب أن نعرف أن الحاكم استلم الحكم وهو بعمر 11 سنة، وثالثا هناك مبالغات في ما فعله الرجل والكثير مما فعله كان له تبرير، مثلا حرم أكل سمك القرموط وهو سمك صغير يعيش في الأوحال ويقوم بتنظيف المجارير، وحرم ذبح الأبقار الخالية من العيوب للحفاظ على الثروة الحيوانية، ومنع الخبازين من عجن العجين بأرجلهم.
طبعا كان الحاكم ديكتاتورا، لا سيما بعد نضوجه وتمكنه من الحكم، وكثيرا ما قتل أعوانه بأدنى الشبهات، وكان يصدر قراراته بناء على مزاجه وهواه، فمثلا حرم الملوخية لأن معاوية كان يحبها والجرجير بسبب حب السيدة عائشة له.
في بداية عهده، استمال أهل السنة بتحريم سب الصحابة، ثم اضطهد أهل الذمة، وفي نهاية عهده، مال إلى الزهد فكف عن ركوب المراكب وصار يلبس الصوف الخشن ويكثر من الوقف على المساجد ودور العلم.
* لكنه ادعى الألوهية!
ليس هو من دعا لذلك، وإنما ثلاثة من الدعاة دعوا إلى تأليه الحاكم هم الحسين بن حيدرة الفرعاني وحمزة بن أحمد اللباد ومحمد بن إسماعيل أنوشتكين الدرزي وتركهم الحاكم يفعلون ذلك مما سبب نزاعا مع السنة وحريق الفسطاط الأول بأوامر منه عام 1019.
لقد أراد الحاكم نقل الحج من الحجاز إلى مصر وبنى ثلاثة مشاهد بين الفسطاط والقاهرة لرفات النبي محمد وأبي بكر وعمر وكلف مجموعة من الرجال بجلب الجثامين وقام هؤلاء بحفر نفق تحت مدفن النبي الكريم، ولكن أهل المدينة انتبهوا لذلك وقتلوا هؤلاء ثم رصفوا الحفرة بالحجارة وصبوا عليها الرصاص.
* لماذا لم تستطع الدولة الفاطمية تحويل المصريين لمذهبهم اإاسماعيلي؟
تعامل الفاطميون مع الواقع ببراغماتية ولم يحاولوا تشييع المصريين واستعاضوا عن فرض مذهبهم بالموالد والتي ما زال المصريون يحتفلون بها ولذلك يقول ابن الأثير إنه عندما قام صلاح الدين بوضع نهاية للدولة الفاطمية لم ينتطح فيها عنزان.
اختفى الحاكم بأمر الله في إحدى الليالي من عام 1021 ولم يعثر على جثمانه والأرجح أن أخته (ست الملك) دبرت اغتياله.