تحاول بعض المحطات أو المنصّات العربية العمل على تقديم الإثارة، وذلك رغبة في تحقيق مزيد من المتابعين والمشاهدات. برامج الحوارات الفنية التي شهدت عصرها الذهبي منتصف التسعينيات وبداية القرن الجديد تحولت مع الوقت إلى ما يشبه لعبة التحدي أو إثارة الخلافات بين الفنانين أنفسهم. وتعود اليوم بوجه مشابه، بعيداً عن أي مضمون فنّي أو نقدي، فقط كهدف يمكن أن يُشكل محتوى جيداً، ويتحول مع الوقت إلى "مرجع" بالإمكان استخدامه.
لثلاثة عقود متتالية، استطاعت برامج الحوارات الفنية في العالم العربي أن تسابق معظم الإنتاجات الأخرى، وكان للمخرج الراحل سيمون أسمر الفضل الأساسي في تقديم هذا النوع من الإنتاج. ليس فقط في لبنان، إذ استعانت معظم المحطات الفضائية بأسمر، ووُظف فريق عمله في برامج وأمسيات فنية، بعد النجاح الذي حققه في لبنان.
وظف سيمون أسمر مجموعة من أهم وجوه الإعلام اليوم في عالم الحوارات الفنية، من كلود خوري التي كانت أول من أعاد فكرة الحوار الفني في برنامج "َضيوف السبت" (1987) إلى نيشان الذي وسع فكرة الحوارات الفنية، ومضى بها لأكثر من عشرين عاماً متنقلاً بين محطة وأخرى، واستطاع أن يتقدم على منافسيه آنذاك، ويحقق حضوراً بعيداً عن مواقع التواصل الاجتماعي كما هي الموضة اليوم.
ونذكر من هذه البرامج: "مايسترو" الذي اعتبر مرجعية حقيقية لأبرز المحطات في مسيرة الفنانين العرب، وبعدها "أنا والعسل" و"أبشر"... إلى آخر السُبحة. حاول نيشان الخروج عن التقليدية في الحوارات، واعتمد في جزء من حواراته على الجانب الشخصي، أو المتعلق برأي الفنانين بأعمال أو تصريحات زملائهم، وذلك ما أفسح المجال في تكريس حالة "حوارية" مشابهة، استنسخت لاحقاً مئات المرات في برامج فنية أخرى، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى أسلوب في إنتاجات هذا النوع من البرامج والمنوعات التلفزيونية، حتى إنها وصلت إلى عالم المنصّات.
مع اتساع مساحة الإعلام الموازي لمحطات التلفزة، تعرض حالياً مجموعة جاهزة من البرامج التي تنتجها المنصات، وصفحات "يوتيوب" و"إنستغرام"، ومنها الحوارات المباشرة والمفتوحة أمام رواد هذه المواقع. لقاءات بمجملها لا تخضع لأدنى معايير الحوار الفني والمضمون الجيد، مجرد ترهات بين بعض المحاورين أو الناشطين مع ممثل أو مغن، ومحاولة إثارة واضحة في طرح بعض الأسئلة الشخصية التي لا تهم المتابع بقدر ما تفتح باب الترويج وتبادل الفيديو (التصريح) في حال أخطأ الفنان، أو اتهم زميلاً له، أو أعطى رأيه بقضية إنسانية أو اجتماعية معتمداً على ثقافة ضيقة جداً لا تخرج عن التأثر التقليدي لنشأة وطفولة الفنان أو معاناته، كرأيه مثلاً في مفاهيم الطلاق والزواج المدني والدين والسياسة وغيرها.
تواجه المحطات العربية هذا الخريف موجة أخرى من برامج الحوارات الفنية، تعتمد أكثريتها على عنصر الإثارة والجدل من دون نتيجة، رغبة في هذه المحطات أو المواقع البديلة في تحقيق نسبة مشاهدة فوق العادة، والإمعان في تكريس هذا الأسلوب مرة جديدة أمام جيل آخر من المتابعين.