استمع إلى الملخص
- يناقش المسلسل التحديات الأخلاقية في الصحافة والإعلام، مع التركيز على الصراع بين البحث عن الحقيقة واحترام خصوصية الأفراد، ويبرز كيف يمكن للإعلام تجاوز الحدود بحثاً عن قصص مثيرة.
- يتطور التعاون بين الصحافي والصحافية المحلية، مع التأكيد على أهمية النهج الأخلاقي في التغطية الإعلامية، ويختتم بنقد لـ"بورنوغرافيا الفقر" واستغلال القصص الإنسانية للترفيه.
يستعين صنّاع الأعمال الدرامية بعناصر الإثارة والتشويق والجريمة في محاولةٍ لمناقشة قضايا اجتماعية في بلد ما. رأينا هذا في أعمال كثيرة، مثل Safe وTrue Detective، وكذلك "بودكين" (Bodkin) الذي عُرض أخيراً على منصة نتفليكس.
صحافي أميركي يُدعى غيلبرت، يأتي إلى بلدة بودكين (لا يوجد في الحقيقة بلدة بهذا الاسم) في أيرلندا، يُريد أن يُعدّ بودكاست يناقش فيه ملابسات اختفاء ثلاثة من أهل البلدة الصغيرة، الذين فُقد أثرهم قبل 20 عاماً. تتولّى مهمّة مساعدته صحافية أيرلندية صعبة المراس، تُدعى دوف. هذه الأخيرة صحافية جادّة تعمل في "ذا غارديان" البريطانية، ولا ترى في غيلبرت سوى متطفّل أميركي يُريد أن يلمع نجمه على حساب آلام أهل البلدة، كونه يسعى إلى استفزاز ذاكرتهم ونبش ماضٍ لا يريد أحد منهم أن يستعيده. كلّ أهل هذه البلدة يريد النسيان.
كغيره من أعمال التشويق، يمضي "بودكين" في القصة بالطريقة نفسها؛ سكّان البلدة متحفّظون، لا يسمحون لأي أحد بالتدخل في خصوصياتهم، ويميلون إلى العنف مع الصحافيين الفضوليين الذين يريدون قصصاً، من دون أن يكترثوا بظروف أهل البلدة وأسرارهم. بل على العكس، يسعون إلى الكشف عن هذه الأسرار وإعادة فتح ملفات وذكريات قديمة، يتجنّب أهل البلدة الحديث فيها حتى في ما بينهم.
في طيّاته، ينتقد "بودكين" هذا التطفّل الذي يمارسه الصحافيون، خصوصاً في وقتنا الحالي مع تطوّر وسائل الإعلام وسرعة الحصول على المعلومات، ودفق هذه الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصّات البث، مثل "يوتيوب". بإمكان أي إنسان الآن أن يفتح حساباً على أيّ من هذه المنصّات، ويصوّر حادثةً وينقلها مباشرةً لملايين من البشر. لكن، رغم ذلك، فإنّ سؤالاً يظل يتكرّر طوال حلقات "بودكين" السبع: "... وهل هناك من سيستمع إلى هذا البودكاست؟".
لا يريد أهل هذه البلدة أن تُحفظ حيواتهم في آلة تسجيل صغيرة يحملها صحافي أميركي. وحتى دوف، ابنة البلدة، لا أحد يحبّها هناك، لأنّها صحافية بالدرجة الأولى، ولأنّها أيضاً ليست امرأة تقليدية/كاثوليكية كبقية النساء هناك؛ إذ هي على خلاف دائم مع الجميع، وتخوض صراعاتها الداخلية. أبرز هذه الصراعات أنها أجرت تحقيقاً في قضية فساد يرتبط بها نافذون في الحكومة البريطانية. وبطريقة ما، تسرّب اسم الشخص الذي أعطاها معلومات مهمّة لتحقيقها، واكتُشف أمره، فوضع حدّاً لحياته. أهل البلدة يعرفون هذا الأمر، ويحمّلون دوف مسؤولية انتحار ذلك الشخص. وفي النهاية، بطبيعة الحال، فُصلت دوف من "ذا غارديان" بسبب هذه الحادثة المأساوية.
تخوض دوف، طوال حلقات المسلسل، شجارات مع غيلبرت، وهذا ما يعزّز صراعاتها. مع تطوّر القصة واكتشاف المزيد من الحقائق حول أهل بلدة بودكين، تقتنع دوف بإنجاز البودكاست، ولكنها لا تريد للأمر أن يتم على حساب أهل القرية وآلامهم. في مشهد لافت، توجّهت دوف إلى غيلبرت غاضبةً، وقالت له: "هل تظنّ أن تلويحك في وجه هؤلاء البسطاء بآلة التسجيل، يجعل منك صحافياً؟". وتابعت: "أنت لستَ صحافياً، أنتَ مجرّد صانع أفلام إباحية".
هذه العبارة هي إشارة إلى ما يُسمّى بـ"بورنوغرافيا الفقر"؛ إذ يستغلّ الصحافيون، أو معدّو البرامج، أو صانعو الأفلام الوثائقية والروائية، ظروف فئة اجتماعية معينة، بحجّة تسليط الضوء عليها. ولكن كل ما يفعلونه هو تحويلهم إلى مادة فرجوية، كتلك الكائنات التي نراها في السيرك.