تقول القاعدة: إياك أن تنفصل/ـي عن أحد عبر رسالة قصيرة (SMS). الأفضل دوماً أن يتم الأمر وجهاً لوجه. نستحضر هذه القاعدة لا لنشير إلى تعقيد العلاقات العاطفية، بل إلى الدور الذي تلعبه الرسائل القصيرة في حياتنا، وأثرها على تفاصيلها، إلى حد أن هناك آداباً ولباقة في إرسالها، بل يفترض بعضهم أن هناك لغة خاصة لاستخدامها أساسها الكلمات، وتلك الصور المضحكة التي يمكن تكوينها من مراكمة الرموز وترتيبها بشكل محدد.
أرسلت أول رسالة قصيرة في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول من عام 1992، وجاء فيها: "ميلاد سعيد" (Merry Christmas) هي نص الرسالة. حينها، كانت التقنية ما زالت قيد التجريب، ثم ما لبثت أن تحولت إلى أسلوب طاغ للتواصل، إلى حد استبدال المكالمات الهاتفية القصيرة بالرسائل. بالطبع، كل هذا قبل اختراع المحادثة الآنية اللعنة التي جعلتنا أسرى انتباه "الآخرين".
أجمل ما في الرسائل القصيرة هو الحسم، أي تكفي جملة واحدة أحياناً، فما من حاجة إلى "المحادثة"، ولا قلق من النقاط الثلاث التي تشير إلى أن المتلقي على الطرف الآخر يقوم بالكتابة. الأهم، الرسالة القصيرة لا تتطلب رداً آنياً، ويمكن تجاهلها لأيام قبل الرد، واستخدام مبرر لا شك فيه: لم أنتبه، أو لم أنظر إلى هاتفي. حالياً، تمثل محاولات التخفي وتجانب الرسائل جهداً مضنياً ومحرجاً.
يقال إن الرسائل القصيرة استبدلت بالمكالمات، خصوصاً مع جيل الألفية، أولئك الذين يراسلون بعضهم بعضاً عوضاً عن الاتصال. وبعكس الجيل إكس X الذي يفضل "فيس تايم"، فالرسالة القصيرة تراهن على الحسم والمفاجأة، لا استعداد لها، وتصل من دون إنذار، ولا يمكن عدم تلقيها. ستصل، ولنا حرية قراءتها أو تجاهلها، لكن المهم أنها وصلت. هي مساحة لتلك الأحاديث السريعة خلال النهار، وبعض العتاب والكثير من التذكير. الرسالة القصيرة أشبه بملاحظة لا تحتاج إلى رد. سؤال سريع وقصير، بجواب أقصر، ومن دون إحراج: "هل وصلت ؟" / "لا"... انتهت المحادثة.
الرسالة القصيرة تهرّب من الصوت وتفادٍ للنبرة، تفترض الوضوح لأنها مكتوبة، بعكس الاتصال والتسجيل الصوتي اللعين. الرسالة القصيرة واضحة، محكمة، ويمكن عبرها التلاعب بالكلام ومعانيه مع الحفاظ على السذاجة المصطنعة. هي مساحة للمكر واليقين في ذات الوقت، ليست حيزاً للصراخ أو البكاء، هي مساحة للتواصل السريّ، فلا أحد غير من يرسل ويستلم سيقرأ لحظة المواجهة مع الشاشة، بعكس الصوت وما يترافق معه. فالرسالة القصيرة لا تكشف السياق، ما من ضجيج يحيط بها، مجرد كلمات وجمل مرصوفة، سواء كنا في الفضاء أو الحمام أو الملعب. الرسالة تنزع صاحبها من السياق، وتصل للمستقبل واضحة وجافة: "أنا سأتأخر، بإمكانك أن تأكل وحيداً".
لطالما حملت الرسائل القصيرة المشاعر، بل رُوّج لها بوصفها مرسالاً من بعيد، محطات تلفزيونية بأكملها خصصت شاشاتها لتلقي الرسائل القصيرة وبثها. لا يهم من يقرأ، المهم أن ينطلق السلام أو الحب إلى العلن، إلى قارئ ما في مكان ما، يميز اسمه أو وصفه الموجود في الرسالة. هي نصوص ومشاعر تطفو في انتظار أن يصدقها أحد. ما من مستقبل واحد خاص بها، بل جماهير المتابعين، ووصل الأمر إلى الممارسات الحميمية، فالرسائل القصيرة خلقت فعل Sexting، أو الممارسة الجنسية عبر الكتابة بين طرفين أو أكثر، نكتب ونصف ونرسل، وننتظر الإجابة التي قد تصل أو لا تصل.
آداب الرسالة القصيرة متعددة، وهي كما قلنا سابقاً لا تستوجب الرد الآني، هذا ما علمتنا إياه المسلسلات الأميركية، هناك وقت محدد لإرسال رسالة، بعد أول موعد، مساء اليوم الثاني عادة، وأحياناً ذات الليلة بعد انتهاء العشاء، الرسالة هنا ضد الصوت، مساحة للبوح الذي لا ينتظر جواباً.