اقتحم مواطنون كوبيون، في عام 1980، السفارة البيروفية في هافانا، طالبين اللجوء السياسي هرباً من بلادهم؛ فأمر زعيم الجزيرة، فيديل كاسترو، حراس السفارة بالابتعاد والسماح لكل من يريد اللجوء التوجه إلى السفارة، مخاطباً راغبي اللجوء بقوله إن الباب مفتوح لهم، والمشكلة هي عدم رغبة الولايات المتحدة في استقبالهم. خلال يوم واحد، تجمّع قرابة عشرة آلاف كوبي يريدون الهرب من ديكتاتورية كاسترو، والحياة الاقتصادية البائسة التي يحيون فيها. وبالفعل، هاجر خلال عام 1980 قرابة 130 ألف كوبي إلى ميامي في ولاية فلوريدا الأميركية، التي لا تبعد سوى 150 كيلومتراً عن مرفأ ماربيل الكوبي، حيث كانوا يتجمعون. بين هؤلاء، كان هناك نحو عشرة آلاف "مجنون"، ومثلهم من المجرمين، الذين أمرت السلطات الكوبية بإخراجهم من المشافي والسجون، لينضموا إلى المهاجرين، وقد أكمل 2500 مجرم منهم أحكامهم في الولايات المتحدة. وعلق منشق كوبي عن كاسترو رافقه خلال ثورته التي أطاحت الحاكم المستبد العسكري فولغينسيو باتيستا عام 1959 أن "الناس في عهود الطغيان تصوت بأقدامها، ببساطة تهاجر". والجدير ذكره أن هذا العريف باتيستا كان حاكم كوبا الوحيد المتحدر من السكان الأصليين، وقد انتهى مقتولاً في إسبانيا عام 1973. هذا جزء يسير من سلسلة وثائقية تحمل عنوان "قصة الحرية: كوبا"، تمتد على ثماني حلقات، تبثها منصة "نتفليكس".
كذلك فعل السوريون، فقد صوتوا بأقدامهم؛ إذ أجبرهم الإجرام الأسدي على اللجوء إلى بلدان الجوار وغيرها، حتى وصلوا إلى القطب الشمالي. ومنهم بالفعل من هاجر مشياً على الأقدام مسافات طويلة، في حين فضّل آخرون النزوح إلى مناطق سورية خارجة عن سيطرة النظام، الذي أطلق شعار "التجانس"، لإقصاء أي مختلف عنه ولو قليلاً، سياسياً واجتماعياً ووطنياً، ليصبح "الوطن لمن يدافع عنه"، ويصبح المعارض واللاجئ من "حاملي الجواز"، كما أعلن بشار الأسد في كلمته المتلفزة الأخيرة، بعد مهزلة الانتخابات، وفوزه بنسبة تفوق عدد من يحق لهم الانتخاب، والذين يستطيعون التصويت.
كرر بشار الأسد سيناريو كاسترو عبر مراسيم العفو التي أصدرها، والتي أفرج بموجبها عن المجرمين وعتاة الإرهابيين، وترك معتقلي الرأي، كالمدونة طل الملوحي، أو المحامي خليل معتوق، وغيرهما.
وفي ذات السياق، تذكرت حادثة طريفة رواها رئيس أركان الجيش العراقي، نزار الخزرجي، في عهد صدام حسين، وسجلها في كتابه المهم "الحرب العراقية-الإيرانية 1980 - 1988: مذكرات مقاتل"، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وثبتها في الفيلم الوثائقي "مقاتل مع صدام"، الذي بثه تلفزيون "سوريا"، أن الملك الأردني الراحل، حسين، وعد الرئيس العراقي صدام حسين، أن يشارك بفرقة أردنية في حرب العراق مع إيران، فأرسل له لواء من المساجين الذين وعدهم بالإعفاء عن عقوباتهم مقابل هذه المشاركة.
وقصة كوبا، الجزيرة الكبرى في البحر الكاريبي، تشبه إلى حد كبير قصة سورية، حيث كانت ميداناً للحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي من الخمسينيات في القرن الماضي، وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي. وأيضاً بهيمنة شخصية مستبدة على البلد وتحويله من جمهوري إلى وراثي، وهي في حالة كوبا فيديل كاسترو وشقيقه راؤول، وفي حالة سورية حافظ الأسد وشقيقه رفعت، ثم الابن باسل، وانتهاء بالوريث بشار.
وقد استخدم نظام كاسترو الاتجار بالمخدرات لضمان ديمومته الاقتصادية، كما فعل مع منظمة فارك الكولومبية، مستغلاً أيديولوجيا المقاومة للرأسمالية. وأما نظام الأسد، فقد اعتمد دعاية "الممانعة والمقاومة"، واعتمد على التهريب من لبنان وزراعة الحشيش والاتجار به في البقاع اللبناني. وقصة النائب السابق يحيى شمص واحدة من قصص كثيرة حول الشراكة بين ضباط النظام وزعماء محليين لهذه التجارة.
وسار نظام الأسد على خطى نظام كاسترو بالاتفاق مع الروس والأميركان بتسليم سلاحه الكيميائي عام 2013، لتفادي ضربة أميركية، كما فعل كاسترو بعد أزمة الصواريخ النووية 1962، والتي انتهت باتفاق سوفييتي أميركي قضى بسحب الصواريخ النووية السوفييتية من كوبا، مقابل سحب الصواريخ النووية الأميركية في تركيا، وتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا وإنشاء الخط الساخن بين موسكو وواشنطن. نعم، قصة كوبا فيلم مكرر!