حسم الحفل الجماهيري الكبير الذي نظمته الهيئة العامة للترفيه، في المملكة العربية السعودية، بعنوان "ليلة صوت الأرض" تكريماً لاسم وتاريخ الفنان الراحل طلال مداح، ريادة الغناء السعودي عربياً للفنان محمد عبده، الذي ظهر مكرماً أكثر من كونه مشاركاً في الليلة التي تم إعدادها لتخليد مسيرة أول فنان سعودي تصل موسيقاه وأغانيه إلى العالم العربي، بمشاركة 60 فناناً من أكبر الأسماء الغنائية العربية، أدّى منهم على المسرح 43 مغنياً، لأعمال مداح التي قدمها على مدى أربعين عاماً من الفن، ومن أبرزهم: عبادي الجوهر، وخالد عبد الرحمن، وأصيل أبو بكر سالم، وراشد الماجد، وعبد المجيد عبد الله، ورابح صقر، وماجد المهندس، وأحلام، وأصالة نصري، وأنغام، وفهد الكبيسي، وعمر العبداللات، ونوال الكويتية، وسميرة سعيد، وعبد الله الرويشد، وعبد الوهاب الدوكالي، وصابر الرباعي، ونجوى كرم.
ومداح (1940 ــ 2000)، خاض مع محمد عبده خلال مسيرتهما الفنية حروباً إعلامية شعواء، غذاها جمهور الفنانين وانقسام الإعلام السعودي بينهما، إذ كان يحاول كل طرف إثبات أهمية فنانه على حساب الآخر، على الرغم من تصريحات مداح وعبده بأنهما يتمنيان الخير لبعضهما وأن تنافسهما يصب في مصلحة الغناء السعودي محلياً وانتشاره عربياً، بخاصة بعد أن كانا الوحيدين من المغنين السعوديين، اللذين يغنيان في حفلات تقام للجمهور الخليجي في بيروت والقاهرة وباريس ولندن.
كان هدف الحفل المعلن تكريم طلال مداح، وترسيخ الاعتراف بتاريخه الكبير رغم رحيله عن قبل 23 عاماً، وهو يغني على "مسرح المفتاحة" في مدينة أبها؛ المسرح الذي سُمي باسمه في ظل الانفتاح الفني السعودي الذي بدأ قبل ثلاث سنوات، لكن الحفل ذاته الذي حضره 20 ألف شخص في المسرح، وتم نقله عبر 40 قناة فضائية عربية وسبع منصات رقمية، كان لافتاً فيه تكريس حضور محمد عبده وحسم أحقيته باعتباره الفنان السعودي الأول في ليلة تكريم منافسه الأزلي، وتكريس حضوره بلقب "فنان العرب" لعدة اعتبارات، أبرزها إقامة الحفل على خشبة "مسرح محمد عبده آرينا"، وتخصيصه لختام الحفل عبر تقديم أغنية الختام، فضلاً عن تفضيله على غيره من الفنانين المشاركين، لمشاركة "هولوغرام" طلال مداح تقديم أغنية "قلبي تولع بالرياض"، وهي المحاولة الثانية التي رغب من خلالها، مسيرو الفن السعودي تكريس اسم محمد عبده، بعد المحاولة الأولى التي أقيمت ليلة رأس السنة الميلادية الماضية في ليلة "الرياض تريو"، عندما تم جمع نخبة من المغنين الخليجيين والعرب في ديوهات وتريوهات غنائية، كان هدفها الواضح خدمة محمد عبده، وتسييده زعيماً للأغنية الخليجية.
على الرغم من ابتعاد محمد عبده عن الساحة الفنية لثماني سنوات (1989– 1997)، إثر رحيل والدته، وانصباب الاهتمام الفني والإعلامي على طلال مداح، والأصوات الشابة التي ظهرت في تلك الفترة، مثل عبادي الجوهر، ورابح صقر، وعبد المجيد عبد الله وراشد الماجد، لم يتوقف عقد المقارنات بين مداح وعبده، ونشر أخبار حدوث خلافات بينهما على بعض الأغاني، الأمر الذي ازداد بعد إعلان عودة محمد عبده للغناء في حفل أقيم صيف العام 1997 في لندن، وحضره معظم أمراء العائلة الحاكمة في السعودية، في احتفاء شبه رسمي بعودته للغناء، وهو الأمر الذي أعطى شرارة للتنافس بين الفنانين مجدداً.
يعود أصل الخلاف بين مداح وعبده، بحسب ما يؤرخ الباحث والصحافي السعودي علي فقندش، إلى وجودهما معاً في ليبيا بدعوة من الرئيس الراحل معمر القذافي، للغناء في احتفالات الفاتح من سبتمبر. يومها، كان محمد عبده قد أسمع القذافي بحضور مداح، أغنيتي "أرفض المسافة" و"جمرة غضى"، وهما من أشعار بدر بن عبد المحسن، ولحنهما عبده تمهيداً لطرحهما لاحقاً. حينها، طلب مداح من عبده غناء الأغنيتين، على أن يلحن لهما بدلاً عنهما أغنيتين أخريين يختارهما بنفسه. منذ ذلك الوقت، والحديث لفقندش، قال عبده لمداح إنه سجل الأغنيتين، وليس لمداح أن يحلم بهما.
وما أغاظ عبده من مداح، هو قيام الأخير بتسجيل الأغنيتين مجدداً بألحانه وبصوته، ما دفع عبده دائماً للتقليل من منافسه الأزلي في وسائل الإعلام حتى بعد رحيله، مستنداً إلى أن الأغنيتين نجحتا بألحانه وبصوته خليجياً وعربياً.
ولا يتوقف عبده عن النيل من مكانة مداح الفنية في أي محفل فني أو إعلامي يحضره. وقد أضاف إلى مداح، فناناً راحلاً آخر، هو أبو بكر سالم، حيث اعتبر عبده أن مداح وأبو بكر لم يصنعا "إرثاً فنياً وطنياً" خلال حلوله ضيفاً على برنامج "مراحل" مع الإعلامي السعودي علي العلياني في رمضان 2022. وقال عبده إن طلال مداح وأبو بكر سالم "تركا إرثاً غزلياً، لكن الإرث الوطني هو الذي يبقى، وهما لم يتركا مثل هذا الإرث من الأغاني الوطنية؟".
وفي ذات الحوار، وصف عبده أغنية مداح الوطنية "يا بلادي واصلي"، بشخص وكأنه يدفع سيارة معطلة، كما اتهم مداح بسرقة لحن أغنية "وطني الحبيب".
اليوم... ينتصر محمد عبده في معركة الأفضل والأول فنياً سعودياً وخليجياً، على منافس رحل قبل 23 عاماً، فهل من معارك أخرى سيخوضها فنان السعودية الأول، ليحظى بمباركة جديدة، لأن يكون "فنان العرب"؟