التحقت الموسيقية المصرية، رانيا يحيى، بالكونسرفتوار طفلة، وتخرجت منه عازفة على آلة الفلوت، ما أهلها للانضمام إلى أوركسترا أوبرا القاهرة، لتعزف كذلك في مختلف أوركسترات دار الأوبرا. لاحقاً، أسست يحيى فرقة خاصة تقدم من خلالها أعمالاً مزجت فيها الشرقي بالغربي. وإلى جانب العزف، لها عدد من المؤلفات، كما أنها أستاذة في المعهد العالي للنقد الفني، وعضو في المجلسين "الأعلى للثقافة" و"القومي للمرأة". حول تجربتها الموسيقية، التقتها "العربي الجديد".
البداية كانت من الكونسرفتوار، لتختار لجنة القبول آلة الفلوت لك. ما الذي يميز الآلة الموسيقية وجعلك تنجذبين إليها؟
صوت آلة الفلوت رقيق جداً وحالم، هي المعادل الغربي للناي. دائماً ما أقول إن صوتها أشبه بتغريدة الكروان. أحببتها منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها. شكلها لطيف وبسيط، أنساني انزعاجي حين أخبروني طفلة بأنني سأعزف على آلة نفخ، ليستدعي ذهني شكل الترومبيت الذي يتطلب قوة بدنية لم أتميز بها في صغري، وأتصور أن حبي للآلة هو ما جعلني أتميز في العزف عليها، فأنا مؤمنة بأن من يحب شيئاً يستطيع أن يمنحه من وقته وجهده الكثير ليتميز فيه.
أنت عضو في أوركسترا أوبرا القاهرة. وشاركت بشكل دائم مع أوركسترات دار الأوبرا، مع ذلك أسست فرقة خاصة، ما الذي استهدفته من هذه الخطوة؟
حين أعزف مع الأوركسترا، فأنا فرد في مجموعة ضخمة، يتراوح عددها ما بين 80 إلى 120 عازفاً، وأكون ملزمة بالأعمال المقررة. لكن، في فرقتي، لديّ القدرة الكاملة على اختيار الأعمال، سواء كانت غربية أم شرقية، وتوزيع ألحانها كذلك بالصورة التي أراها مناسبة. أتاحت لي فرقتي الصغيرة (8 إلى 10 عازفين) أن أقدم الأعمال المختارة بشكل مختلف وتوزيعات جديدة، أستخدم فيها آلات مثل الباص غيتار والبيانو مع الكيبورد والكمان والقانون مع الفلوت، الذي يكون بمثابة الآلة الرئيسية.
تحرصين في حفلاتك على أداء العديد من المقطوعات الشرقية إلى جانب الموسيقى الغربية. ما الذي حرضك على هذا الاتجاه؟ وكيف تتغلبين على عدم مناسبة الفلوت لأداء بعض الألحان الشرقية؟
تعودنا في الكونسرفتوار على المشاركة في حفلات الأوبرا منذ الصغر. وحين بدأت في تقديم حفلات في الأوبرا بمفردي، تطلب الأمر جهداً كبيراً مني، لأفاجأ بقلة العدد، وهذا يعود إلى جمهورنا للأسف؛ إذ يفضل الموسيقى العربية. وعلى العكس، لاحظت أن الناس تتفاعل بشكل أكبر مع أعمال مؤلفين مصريين مثل عمر خيرت، وراجح داود، ومنى غنيم، وعلاء الدين مصطفى، وجمال سلامة، فأدخلت هذه الأعمال في برنامجي. وبعد فترة طالبني بعضهم بعزف أعمال لفيروز وأم كلثوم، وطبعاً لم أمانع بسبب حبي لهذه الأعمال، وبالتالي أصبحت أقدم الشرقي إلى جانب الغربي؛ القسم الأول من الحفلة مخصص للأعمال التي تستهوي الجمهور وتوافق ذوقي أيضاً، والقسم الثاني للأعمال الغربية التي تتطلب مهارة في التكنيك وترضيني كعازفة، لأنها تبرز قدرات العازف وإمكانياته، وأود أن أخبرك أن الجمهور بعد فترة أمسى يتذوق المقطوعات الغربية، وبدأت أتلقى تعليقات حول مدى اهتمامه بها.
إلى جانب العزف، لك عدد من المؤلفات عن الموسيقى التصويرية، منها كتابان عن موسيقى أفلام صلاح أبو سيف ويوسف شاهين. لماذا هذان الاسمان تحديداً؟
بدأت بيوسف شاهين لأنه مثّل حالة جدلية، كان مخرجاً سابقاً لعصره، وكانت له أفكار فلسفية قدمها من خلال أفلامه، التي لم تكن مجرد أعمال تقليدية. ومن خلال قراءاتي عرفت الكثير عنه، كدراسته الموسيقى والرقص عندما كان في أميركا، وهذا حرضني على محاولة التعرف على رؤيته للموسيقى، وكيفية استعماله لها لتخدم أفكاره. هذه المعرفة بالموسيقى ستجدها وقد انعكست مثلاً في فيلم "حدوتة مصرية"؛ إذ اقتبس فكرة اللحن الدال من فاغنر، لينقل نور الشريف بالموسيقى -من خلال كونشيرتو غيرشوين- في مشهد تمثال الحرية، قبل أن ينقله بالصورة. وفي فيلم آخر مثل "المصير"، سنجد أن الموسيقى لعبت دوراً جوهرياً، لو استثنيتها سيتبع ذلك خلل كبير.
لم يكن شاهين يعتمد على مؤلف موسيقي بعينه، كان متنوعاً في الاختيار بحسب قدرة كل واحد منهم على تحقيق رؤيته، بخلاف صلاح أبو سيف، الذي اعتمد على فؤاد الظاهري كثيراً في أفلامه، وهو خيار يمكننا أن نكشف سره لدى مشاهدتنا فيلماً مثل "فجر الإسلام"؛ فرغم أن فؤاد الظاهري مسيحي وليس مصرياً، لكن استطاع بمهارة توظيف شعائر إسلامية، مثل الأذان وتكبيرات العيد في الموسيقى.
لك أيضاً كتاب تحت عنوان "فرسان النغم" عن رواد الموسيقى التصويرية، توقفت فيه عند أسماء: أندريه رايدر، وفؤاد الظاهري، وعلي إسماعيل. ما المميز في هذا الجيل، وكيف ترين ما يقدم اليوم من موسيقى في الدراما والسينما؟
كان لدى الثلاثة اهتمام كبير بالتفاصيل، واعتنوا بقراءة السيناريو؛ فجاءت الموسيقى عنصراً رئيسياً، وليس مجرد حاشية في العمل السينمائي. وساهم عدم توافر التقنيات التكنولوجية في عصرهم، في أن يكون لكل منهم طابع أو بصمة مختلفة تماماً عن الآخر، فرغم ما تحمله التكنولوجيا من قيمة، فإنها تسهل الاقتباس وحتى السرقة، من ثم تتسع مساحة التشابه بين الأعمال الموسيقية.
وبالنسبة للموسيقى التصويرية اليوم، أرى أن هناك اعتناء كبيراً بهذا الجانب، وأن الجمهور أصبح مهتماً بفكرة الموسيقى التصويرية. وانعكس هذا الاهتمام على الصناعة وأصحابها، فصاروا أكثر حرصاً في اختيار المؤلفين الموسيقيين، باعتبار أن هذا العنصر سيمثل إضافة مهمة للعمل الدرامي أو السينمائي، كذلك نجاح الأعمال السينمائية أو الدرامية انعكس على ذيوع الموسيقى التصويرية، وأتصور أن ارتباط الموسيقى بالدراما والسينما، سبب رئيسي في نجاح حفلات عمر خيرت على سبيل المثال، ونجاح حفلة خالد حماد الأولى، التي أقيمت أخيراً وشاركتُ بها مع الأوركسترا، فجزء كبير من نجاح هذه الحفلات يعود إلى ارتباطها بأعمال سينمائية أو درامية ناجحة، فحتى اسم مثل عمر خيرت -من وجهة نظري- لم يكن ليحظى بهذه الشهرة الكبيرة، لولا ارتباط أعماله -رغم قيمتها الفنية- بالدراما والسينما.
وفي رأيي، فإن مستوى الموسيقى التصويرية اليوم جيد إلى حد كبير، فقد تراكمت لدى مؤلفيها خبرات مهمة، أنتجت أفكاراً جديدة، بعيدة عن أن تكون تقليدية، وأصبحت هناك علاقة تحكمها المعرفة والخبرة بين الموسيقي من جانب والجمهور المتذوق من جانب آخر، فالمؤلف حريص على إرضاء الجمهور، والجمهور يتجه إلى الموسيقى الجيدة، وبشكل شخصي أنا سعيدة بحالة الرواج وباهتمام الناس.
جاءت أحدث إصداراتك عن الموسيقى موجهاً إلى الأطفال، هل تُعرفينا أكثر على هذا العمل.
تجربة مختلفة بدأت من خلال صورة مقالات نُشرت تباعاً في مجلة سمير من 2012 إلى 2013، وجاءتني الفكرة عبر حكايات تعودت أن أقصها على أولادي، بغرض تبسيط مفاهيم الموسيقى الكلاسيكية. كنت أقص عليهم أيضاً حكايات عن الأوبرا، والباليه، والمسرح. بعدها فكرت في جمع المقالات في كتاب، لكني وجدت أني في حاجة إلى ترتيب آخر، ورابط أقوى، لذلك أعدت كتابة العمل، وركزت جهدي على تبسيط الموسيقى الكلاسيكية وآلاتها للأطفال، ليخرج المؤلف في صورة 15 حدوتة، كل واحدة منها تحمل فكرة ما عن الموسيقى، وجاء السرد في شكل حكائي.