رحل عن عالمنا بعد مشوار مسرحي حافل، المخرج القدير جلال الشرقاوي، عن عمر يناهز الـ 89 عاماً، وذلك بعد صراع مع فيروس كورونا الذي أدى إلى فشل كامل في الرئتين.
اشتهر المخرج المصري جلال الشرقاوي، الذي كان مدرسًا لمادة العلوم في بداية حياته، إذ رفض أهله امتهانه للتمثيل واشترط والده أن يكون التمثيل مجرد موهبة وليس شهادة يحصل عليها. لذلك التحق بعد الانتهاء من دراسته الثانوية بكلية العلوم وعمل مدرساً للكيمياء لمدة ثلاث سنوات براتب 16 جنيهاً مصرياً. وكان في الوقت نفسه يدرس في معهد الفنون المسرحية ويعمل ممثلاً في بعض المسلسلات الإذاعية.
كان الشرقاوي شغوفاً بالعلم، لذلك لم يكتف بالشهادة الجامعية بل قام بالدراسة على مدار سنوات طويلة من عمره حيث حصل على دبلوم خاص في التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس، ثم حصل على بكالوريوس معهد الفنون المسرحية ونال شهادة في الإخراج من فرنسا.
أكد الشرقاوي في تصريحات سابقة له، أنه رغم غضبه الشديد من والده في البداية لأنه وقف ضد رغبته في الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية قبل إتمام شهادته الجامعية، إلا أنه حينما كبر أدرك أن والده كان على صواب واقتنع بأن الدراسة الجامعية أصقلت خبرته وغيرت منهج تفكيره تماماً إلى المنهج العلمي.
عمل الشرقاوي أيضاً كممثل من خلال عدة أدوار في بعض الأعمال منها أفلام "أمهات في المنفى"، "خلي بالك من عقلك". لكنه ركز بشكل كبير في الإخراج. وكان العمل الأول له كمخرج من خلال فيلم "أرملة وثلاث بنات" عام 1965 وكان على اقتناع تام بأن الممثل تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة وسط مجتمعه لأن أي ممثل بحكم جماهيريته يكون أكثر تأثيرًا في المجتمع من أي فئة أخرى، لذلك لا بد أن يؤمن أنه يؤدي رسالة.
رغم عمل جلال الشرقاوي كممثل ومنتج إلا أنه ما إن يذكر اسمه حتى يذكر المسرح. فقد تميز بشكل كبير في الإخراج المسرحي وأخرج عدداً كبيرًا من العروض منها "مدرسة المشاغبين"، "دينا حبيبتي"، "دنيا أراجوزات"، "كوتش"، "أنا متفائل تصور"، "حودة كرامة"، "قشطة وعسل"، "الجنزي"ر، "دستور يا أسيادنا"، "الخديوي"، "تتجوزيني يا عسل"، "بحبك يا مجرم".
وكان المخرج الراحل رائدًا في المسرح السياسي حيث قدم مسرحيتين عن حرب أكتوبر هما "شهرزاد" و"عيون بهية"، كما قدم مسرحية "ع الرصيف" التي كشف فيها عن أوجه السلبيات والإيجابيات في العصور الرئاسية الثلاثة لجمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك. وقدم نموذجاً في الكباريه السياسي من خلال عرض "عطية الإرهابية". ومن خلال مسرحية "عفاريت مصر الجديدة" تحدث عن المخابرات، وتطرق قصة الصراع السياسي بين السلطة العسكرية والسياسية في مسرحية "ملك الشحاتين".
وعمل جلال الشرقاوي أيضاً في الإنتاج من خلال عمل واحد فقط هو "موعد مع القدر" عام 1987 وكان الفيلم من بطولة نبيلة عبيد، محمود ياسين، يسرا.
تلقى المخرج جلال الشرقاوي تكريمات عدة، فقد حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون، وشهادات تقدير من جهات رسمية في مصر، مثل الجيش ووزارة الداخلية، وتكريم من أكاديمية الفنون، كما تم تكريمه من مهرجان الإسكندرية للمسرح عام 2019 وكان هو التكريم الأخير له.