فنانة مصرية، خفيفة الظل، صاحبة حضور، وإطلالة خاصة كانت تبعث السعادة بمجرد خروجها لتحية جمهورها على خشبة المسرح، تصفيق لا ينتهي... لكن العرض انتهى، وأسدل الستار، برحيل الفنانة سهير البابلي، بعد أسابيع قضتها تحت أجهزة التنفس الصناعي، لمعاناتها من وجود مياه في الرئة، ما أعاق التنفس بشكل طبيعي.
مشوار سهير البابلي لم يبدأ بحلمها أن تكون ممثلة، بل كانت تحلم دائماً أن تكون مطربة، لاعتقادها أنها تمتلك صوتاً جميلاً، وكانت ترى أن صوتها يؤهلها لذلك، حتى أن بعض أقاربها كانوا يشجعونها، خاصة ممن هم في مثل عمرها.. وكانت تغني لهم الأغنية الواحدة مقابل خمسة قروش، على سبيل المزاح.
لم تكن الفنانة الراحلة طالبة مجتهدة في دراستها. ولكن قرّرت أن تدرس، عقب إنهائها الثانوية، في معهد الموسيقى العالي. وبالفعل، توجهت البابلي وقدمت أوراقها والتحقت بالمعهد. كانت تدرس البيانو على يد رتيبة الحفني، كما كانت تدرس أيضا الكمان، وكانت موهوبة جدا في العزف. ورغم ذلك، لم تدرس في المعهد سوى ثلاث سنوات. كانت تدرس بجوار معهد الموسيقى، في معهد التمثيل أيضاً؛ إذ قام الممثل اللبناني جورج أبيض (أول نقيب للممثلين في مصر)، بإجراء اختبار لها، لكنها تركت المعهد أيضا قبل أن تنهي دراستها به بعام واحد، وذلك بسبب رفض والدتها العمل في أي من مجالات الفن خاصة التمثيل والغناء، على النقيض من والدها وعائلته حيث كانوا مساندين لها لتكون ممثلة او مطربة. لاحقاً، أصرت البابلي على موقفها بالعمل في الفن.
كانت البداية الأولى للفنانة الراحلة من خلال مسرحية "الصفقة"، مع الفنانة سميحة أيوب. عمل مأخوذ عن رواية لتوفيق الحكيم. واللافت أن هذه البداية لم تكن تمثيلية، بل كان دورها يتطلب أن ترقص وتغني أعمالاً للمطرب الراحل سيد المكاوي.
أول مسرحية من بطولتها كانت "بيت من زجاج"، مع الفنانتين الراحلتين أمينة رزق وسناء جميل، وقدمت فيها شخصية "رئيفة". نجح العمل، وطاف للعرض في العديد من البلدان العربية، ما ساهم إلى حد كبير في معرفة الكثيرين من الجمهور بها، ثم قدمت عرض "آه يا ليل يا قمر"، وقدمت مشهد لـ الرقص الجنائزي في العرض لمدة خمس دقائق بطريقة لافتة، لتثبت سهير البابلي أنها فنانة مسرحية من الطراز الأول. وكان هذا العرض بمثابة الأرض الصلبة التي تقف عليها حتى تكمل مسيرتها في عالم الفن.
تتالت بعد ذلك أعمالها المسرحية، وقدمت "على الرصيف"، و"نص أنا ونص أنت"، و"الدخول بالملابس الرسمية"، و"عطية الإرهابية". ومن أكثر الأعمال التي حققت نجاحا جماهيريا وانتشارا حتى الآن، حينما يعاد عرضها، هي مسرحية "ريا وسكينة"، مع الفنانة الراحلة شادية والراحل عبد المنعم مدبولي، ومسرحية "مدرسة المشاغبين"، مع الفنانين أحمد زكي وعادل إمام وهادي الجيار وسعيد صالح.
في أحد لقاءات سهير البابلي، تم سؤالها عن نجاح عرضها المسرحي "مدرسة المشاغبين". وكانت التوقعات بالتأكيد تشير إلى إنها ستتحدث بفخر عن النجاح، لكنها لم تفعل، بل تحدثت وهي حزينة، وقالت عن نجاح شخصية "أبلة عفت"، في المسرحية، إنه لم يسعدها، وإن كان علامة فارقة في شهرتها، وتحسن أحوالها المادية.
اتجهت سهير إلى العمل في المسلسلات التلفزيونية، وقدمت العديد منها. وكانت، كما صرحت من قبل، غير راضية بشكل تام عما تقدمه؛ إذ أرادت فقط تحقيق الانتشار والحضور، حتى بدأت تنتقي اختياراتها، وقدمت "جراح عميقة"، و"عواصف" و"لا شيء يهم"، و"بكيزة وزغلول". ويعد هذا الأخير الأهم جماهيريا. ورغم تقديم سهير لبعض الأدوار السينمائية، مثل "يوم من عمري"، و"ليلة عسل"، و"استقالة عالمة ذرة"، و"أخطر رجل في العالم"، و"الشاهد الوحيد"، و"توالت الأحداث عاصفة"، إلا أنها لم تر نفسها قط ممثلة سينمائية، بل ممثلة مسرحية وتلفزيونية.
وبعد مشوار فني طويل، قررت البابلي، عام 1992، اعتزال الفن وارتداء الحجاب، وذلك أثناء عرض مسرحية "عطية الإرهابية"، والابتعاد عن الحلم الذي سعت إليه لسنوات. هكذا، حتى عادت إلى التمثيل بالحجاب، وقدمت مسلسل "قلب حبيبة" عام 2015، وابتعدت مرة أخرى لتعود من خلال مسلسل "قانون سوسكا" من إخراج مازن الجبلي عام 2019 ولكن بعد ما انتهت من تصوير ما يزيد عن نصف مشاهدها، توقف المسلسل بسبب أزمات إنتاجية.